الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الأداء المسرحي عند ديدرو

صفاء الدين الاسدي

2014 / 1 / 18
الادب والفن


التمثيل الذي ابصر النور قبل اكثر من خمسة الاف سنة ولد وليس فيه نظريات ومفاهيم ,حيث كان اول من عمل في هذا المجال الخطرالممثل الاغريقي ثسبيس الذي حضي بكثير من المميزات التي جعلت منه يحتل مكانة واسعة انذاك ,وليومنا هذا فنحن نشاهد الممثل يقدم لنا صورة من صور الشخصيات الكثيرة التي يصنعها الكاتب حسب خياله او شخصية حقيقية ,تاريخية كانت ام معاصرة ,ولا نعرف ماهي النظريات التي يتبعها في أداءه فهناك من يهتم بالمظهر الخارجي للشخصية ويجده هو الافضل وهناك من يتخذ الجانب النفسي ويعتبره الأداء الأفضل وهناك عديد من المفاهيم التي يتخذها الفنان في أداءه, وان الاداء المسرحي فوق تلك الخشبة الروحية التي تأخذك الى عالم الحقيقة والخيال المعقول واللامعقول قد شغلت بال الكثير من الفلاسفة والمنظرين ,ومن اهم المنظرين للاداء التمثيلي هو الفيلسوف الفرنسي (دينس ديدر) واحداً من اهم الفلاسفة لعصر التنوير وهو من قادة الحركة التنويرية في فرنسا ،كان عـــمل ديدرو في مجال المسرح محدودا ً بعامي (1757-1758) فقط ,إلا إن اهتمامه وشغفه بالمسرح جعلاه من اهم المنظرين في هذا المجال ,كما لايزال معلما من معالم الكتابات التنظيرية في المسرح ولاسيما بأداء الممثل حيث كانت فكرته الأساسية هي( ان الممثل الجيد ان يتبنى موقف المراقب لإبداعه) بمعنى ان يناقش ويحكم أداءه من حيث إن الممثل كأي فنانا آخر مخلوق قوي الملاحظة ,دقيق النظرات له قدره كبيرة على دراسة النماذج الإنسانية ,وتقليدها عندما يحتاج الأمر الى تقليد أحداها ,وعليه فأن قوة الممثل في التقليد تستلزم ان تكون الطبيعة قد حرمته من الشخصية لأنه لكي يمثل كل الشخصيات لابد من ان الطبيعة قد حرمته أيا منها , كما ان إحساس الممثل بالدور الذي يؤديه لايجعل منه إلا ممثلا فاشلا وعلى العكس من انعدام الحساسية هو الذي يخلق ارفع الممثلين, وقد وصف الحساسية بأنها ( انفعالا متناهيا في ألحده تصحبه الفوضى الذهنية والجسدية التي تحرم الفنان من ملكاته) كما واعتبرها هي الأقرب إلى الجنون , وأن الحساسية هي التي تجعل الممثلين ضحلاء والحساسية البالغة تجعل الممثلين محدودين اما الحس البارد والذهن يصنعان ممثلين راقين ,وعليه فان على الممثلين ان يبدأ في اتقانا دوارهم وحسن التعاون فيما بينهم الأبعد ان يكون التعب والنصب والإجهاد قد نالت منهم لكثرة التدريبات اليومية المتتالية ,ومن بعدها يكون شعورهم بالشخصية قد انعدم تماما َ ,ويأتي بعدان يجيد الممثل أداء دوره خلال ليال كثيرة ليتمكن من ان يحس في كل ليلة بنفس الإحساس حتى يتمكن من تمثيله بنفس الاجاده.وهنا نلاحظ إن (ديدرو) يؤكد على التمارين للمثل وان يتمرن كثيرا على الشخصية وذلك لاعطاءها الدور الذي يليق بها مما يجعلها مؤثرة بالجمهور, وان يتدرب بصرامه ليشعر الاخريين بنجاحاته، وان الهدف من هذه التمارين(البرفات) اليومية والقاسية في بعض الايحان هو تحقيق التوازن بين بين مواهب مختلفة من الممثلين ولخلق عنصر المحاكاة الطبيعية والغرض منها التعرف الجميع على شخصيته جيدا .
وقد بين لنا (ديدرو) ان عدم انتظام اداء الممثلين الذين يمثلون بروحهم .فلا تتوقع منهم اية حدة ,فأداؤهم سوف يتناوب بين القوة والضعف ,والسخونة والبرودة , والسطحية والرقي ,وسوف يفقدون غدا المنطقة التي كانوا ينبغون فيها اليوم ,وعلى العكس من ذلك ,سوف ينبغون في المنطقة التي افتقدوها اليوم ,بينما الممثل الذي يؤدي بناء على التأمل ,وعلى الدراسة الطويلة للطبيعة الانسانية , وعلى المحاكاة المستمرة لنوذج مثالي وعلى الخيال والذاكرة سوف يكون واحدا في جميع ليالي العرض ,دائماعلى نفس الدرجة من الكمال حيث تم قياس كل شيء ودمجه وتعلمه وتنظيمه في ذهنه ,فلا يكون في إلقائه رتابة ولاتنافر ,وسوف يكون لحرارته تطورها ومداها وخمودها وبداية منتصفها واقصاها ,نفس النبرات , ونفس الاوضاع ونفس الحركات ونلاحظ من خلال هذه التقنيات التي تخذها الممثل هي من صميم افكار التنويرين الذين كانوا يرون ان تسخير العقل في شتى مجالات الحياة هو الاصح .
وهذا يعني ان الممثل الجيد ان يبني للشخصية ابعاد لم يعرضها المؤلف وان يحلل جميع ارهاصاتها ويعرف عمقها وان يتبنى موقفها ,ويخلق لها نظاما في ذهنه نتيجة الدراسة الطويلة بالشخصية والتأمل والمحاكاة المستمرة لكي يصل الى اعلى مستوى بأداء الشخصية وان يقيس جميع تحركاتها حتى يؤديها بنفس الاداء في كل عرض .
ان الممثل يجب ان يعطي شعور الفعل المسرحي كما هو في الواقع دون اللجوء الى الحساسية الكاذبة بل نتيجة مراقبة حقيقتها والتمتع بكل جوانبها حتى تصل الى مستوى يصل بك الى نفس الشعور الطبيعي دون اللجوء الى الحساسية المفرطة والقولبة الموجودة بداخلك وهذه هي غاية الكمال المسرحي عند ديدرو ,وقد وصف لنا الممثل الكبير هو من يراقب الظواهر واما الممثل الحساس فيصلح نموذجا له بتأمله, وعليه ان يكون رجل بارد لا يشعر بشيء لكنه يجسد الحساسية بطريقة فائقة ,فالممثل الكبير ليس نغما غليظا , ولا ه قيثارة وليس كمان فليس له نغمة خاصة به وانما هو يتخذ النغمة والنبرة المناسبتين لدوره ويعرف كيف يستعد لكل الادوار ومن هنا نلاحظ حرص ديدرو على التعامل مع الشخصية من خلال فهمها جيدا وتحليلها بدقة عالية وتقسيمها ووضع لها معيارا اساسه الطبيعة الانسانية وعدم خلق شخصية مزيفة تهتم بمظاهرها الحسي فقط بل على الممثل ان يدرس ابعادها بذهنه ويضع لها نظاما للمحاكاة التي تخلق جوا مليء بالاثارة والتشويق من خلال الاداء الرائع الذي توصل اليه نتيجة التمارين المتواصلة ودراسة الظواهر الطبيعية الانسانية , للوصول الى (سر الصنعة ) والدخول في هذا العالم الرائع عالم الخشبة السحرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول