الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مغزى المشاركة الشعبية فى الاستفتاء

خليل كلفت

2014 / 1 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان




1: تُبيِّن نتائج الاستفتاء على مشروع الدستور التى أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات اليوم أن نسبة الإقبال بلغت 38.6% وبلغت نسبة التأييد 98.1%. وكانت مشاركة المرأة هائلة فى خطوة واسعة نحو تحرُّر المرأة تحققت بفضل ثورة 25 يناير التى حركت الشعب كله، وبفضل الدور الكبير للمرأة فى الثورة. وقد أشارت اللجنة المذكورة إلى أن مشاركة الشباب كانت منخفضة بسبب الامتحانات الجامعية والحقيقة أن الناخبين من الشباب لا يقلُّون عن أضعاف إجمالى عدد طلاب الجامعات المصرية. ويمكن القول إن نسبة الإقبال المذكورة رغم مقاطعة الإخوان المسلمين، بكتلتهم التصويتية التى لا يستهان بها، تدلّ على قوة رفض الشعب والقوى السياسية غير الإسلاموية لمشروع الدولة الدينية، بالإضافة إلى تجنيد الدولة لكل وسائل إعلامها بطريقة مسعورة للدعاية للدستور الذى أعدته لجنة من تعيينها، ولرئاسة الفريق أول السيسى، أو المشير السيسى باعتبار ما سيكون قريبا. وقد تعززت المقاطعة السلبية الواسعة المعتادة بمقاطعات متنوعة من اتجاهات متنوعة نتيجة للإحباط من نتائج الثورة، أو رفضا لحكم الجيش، أو فتورا إزاء نتيحة واضحة وفقا لكل الدلائل، أو اشمئزازا من طريقة الدعاية للدستور و السيسى ولأسباب متنوعة، أو خوفا على الحياة من الإرهاب الإخوانى.
2: ورغم أننى ممن قاطعوا الاستفتاءات والانتخابات جميعا منذ الثورة، ولأن التحليل السياسى يركز على المسارات الفعلية للتطورات السياسية، فإنه لا مناص من البدء هنا بأنه لا شك الآن فى أن المشاركة الشعبية الهائلة، والتصويت بنعم بأغلبية ساحقة، والتأييد الشعبى الكاسح لرئاسة الفريق أول عبد الفتاح السيسى، تدلّ جميعا على أشياء لا سبيل إلى الالتفاف حولها: رفض الحكم الإخوانى البائد، وتأييد الجيش بحكم قدرته وحده فى الظروف الحالية على منع عودة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إلى الحكم، وعلى إنقاذ البلاد والعباد من ويلات حرب أهلية لا سبيل إلى إنكار أن بداياتها التى تتراجع الآن كانت الخطر الأكبر بالأمس القريب، وأملا فى تحقيق الأمن قبل كل شيء باعتباره الطريق الوحيد إلى الاستقرار الضرورى لحياة البشر، لمجرد حياة البشر، وكذلك للنضال اللاحق لتحقيق أهداف الثورة الشعبية، وأحلام وأوهام ثورة التوقعات، أو حتى لأضعف الإيمان: المقاومة بالوسائل المتاحة المتغيِّرة لطغيان الديكتاتورية العسكرية المتواصلة التى حلت منذ أكثر من ستة عقود محلّ الدكتاتورية العسكرية لسلطة الاحتلال البريطانى والقصر الملكى.
3: وبالطبع فإن من الخطأ أن نستنتج مما سبق أن الشعب يؤيد الجيش متوهِّما أنه سيحقق "له أو معه" أهداف الثورة أو أحلام وأوهام ثورة التوقعات. ذلك أن الشعب لا ينطلق، رغم عفويته، من تجربة واحدة كانت مع الحكم الإسلامى الإخوانى فى عام مرسى، فلديه خلال هذه السنوات الثلاث تجربتان وكانت التجربة الأولى قبل رئاسة مرسى على مدى عام ونصف عام من الحكم العسكرى المباشر المتحالف اضطراريا مع الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميِّين. وكانتا تجربتين لا يمكن النظر إلى أىٍّ منهما بعين الرضا. ورغم عدم رضا الشعب عن الجيش لأنه، بين أشياء أخرى، هو الذى تحالف مع الإخوان المسلمين ثم جاء بهم إلى حكم مصر، دون أن يفهم أبعاد اضطرار الجيش إلى التحالف معهم، فإنه يرضى عنه الآن لأنه هو الذى أطاح بالحكم الإخوانى وهو القادر وحده، كما سبق القول، على منع عودتهم إلى الحكم فى المدى القصير أو منع إستراتيچيتهم المتمثلة فى أن يشعلوا، كملاذ أخير، حربًا أهلية شاملة من شأنها تدمير الطبقة الرأسمالية الحاكمة ودولتها بكل مؤسساتها بما فى ذلك الجيش وتدمير الشعب والوطن، فى سبيل حلم أو وَهْم العودة إلى الحكم أو إضعافه تراكميًّا، أو الانتقال عند الإفاقة وانقشاع الأوهام من وَهْم العودة إلى يقين الثأر، كما يحدث الآن.
4: وبالطبع فإن الشعب الذى أدرك قوته السياسية منذ الثورة التى أطاح فى مجراها بحكم مبارك وبالحكم العسكرى المباشر (طنطاوى) وبالحكم الإخوانى (مرسى) يدرك أيضا أنه بدون الجيش ما كان بمستطاعه أن ينجح فى الإطاحة بحكم مبارك ثم بحكم مرسى والإخوان المسلمين. كما يدرك الجيش بدوره أنه ما كان بمستطاعه أن ينجح فى الإطاحة بحكم مرسى والإخوان فى 3 يوليو بدون موجة هائلة للثورة الشعبية فى 30 يونيو، اللهم إلا بانقلاب عسكرى بلا غطاء شعبى. أما فى الموجة الكبرى الأولى للثورة فى 25 يناير فقد كان الجيش مضطرا للانحناء لعاصفة ثورة كاسحة، وبدء تمثيلية مكشوفة تزعم وقوف الجيش إلى جانب الشعب والثورة للإطاحة بحكم مبارك مع أنه أطاح بحكمه لإنقاذ نظامه الذى هو نظامهم؛ دون أىّ معاداة أصلية لحكم مبارك كما كان الحال مع حكم مرسى. كما كان الجيش مضطرا إلى التحالف مع الإخوان فى مجرى الثورة إدراكا منه لقوتهم وبالتالى إدراكا منه لقدرتهم على إشعال حرب أهلية بالتحالف الاضطرارى المرحلىّ مع الشعب والثورة؛ ولم يكن الجيش مستعدا، عسكريًّا، لمثل هذه المواجهة فى سياق انهيار عام للنظام، فى ذلك الحين.
5: ومع كل هذا أدرك الشعب بغريزته السليمة أنه، رغم أنه لا يتوقع مستقبلا ورديًّا يَعِدُ به الجيش، لا مناص من وقفة حاسمة متواصلة منذ 30 يونيو إلى الآن فى سبيل القضاء على حكم الإخوان وعلى جماعتهم كتنظيم إسلامى إرهابى. ذلك أن عام مرسى كان عنوانا لمشروع حكم إسلامى مُفزع وكان الجواب مفهوما من عنوانه. ولا سبيل بطبيعة الحال إلى إنكار أن أبواق دعاية وصحافة وإعلام الحكم الجديد وحلفائه لعبت دورا كبيرا فى تأجيج مشاعر الشعب ودفعه إلى التحرك؛ غير أنه لا سبيل أيضا إلى إنكار رفض الشعب، قبل كل شيء بحكم أوضاعه الأمنية والاجتماعية الراهنة بكل ما تنطوى عليه من تناقضات، للحكم الإخوانى، وتأييد الجيش و السيسى.
6: ولا شك فى أن رفض الشعب لحكم الإخوان وإرهابهم شيء يدعو إلى السعادة. أما تأييد الشعب للجيش فإنه مفهوم لأنه يعنى تفضيل الجيش على الحرب الأهلية وعلى الحكم الإخوانى رغم مخاوف الديكتاتورية العسكرية القادمة بلا جدال. وبالطبع فإن مشروع الحكم الإسلامى بدوره ليس سوى ديكتاتورية عسكرية مع إضافة ويلات الحكم بالأحكام الحقيقية والمزعومة للشريعة الإسلامية. ومن ناحية أخرى فإن الديكتاتورية العسكرية هى قَدَر كل حكمٍ للرأسمالية، متقدمة كانت أو تابعة، ولا تقضى عليها غير الثورة المؤدية إلى مجتمع لاطبقىّ وهذه هى الثورة (الشيوعية) التى لم تعرفها البشرية بَعْدُ وإن كان قد شُبِّهَ لها، طوال الجانب الأكبر من القرن المنصرم.
7: وينبغى أن ندرك أن الثوريِّين يقعون فى الوقت الراهن ضحايا أفكار يمينية مُغرقة فى اليمينية عندما يروِّجون لأفكار إمكانية القضاء على الديكتاتورية العسكرية وبناء الدولة الديمقراطية أو الجمهورية الديمقراطية بالمعنى الشائع بدون القضاء على الرأسمالية فى مجرى الثورة الشيوعية (أو الاشتراكية وفقا للتسمية الشائعة ماركسيا). والديمقراطية التى تُروِّج لها الدعاية الغربية ويسير ماركسيون كثيرون فى ذيلها فى هذا الشأن أوهام فى أوهام، أما الديمقراطية الحقيقية فى الغرب كما فى الشرق وفى الشمال كما فى الجنوب، وفى كل الجهات الأصلية والفرعية، فهى الديمقراطية الشعبية من أسفل.
8: وإذا قلنا إن فرنسا، مثلا، بلد ديمقراطى فهذا تأكيدٌ صحيح بمعنى واحد هو أن فرنسا بلد تُديره دولة ديكتاتورية (ديكتاتورية عسكرية بالطبع) "من أعلى" ولكنها بلد الديمقراطية الشعبية التى انتزعها الشعب "من أسفل"، منذ ثورة 1789 الفرنسية الرأسمالية العظمى، وبالأخص طوال مائة عام قبله، ثم قام بتوسيعها وتطويرها على مرّ الزمن. ولا أدرى كيف ينسى مثقفون ماركسيون المقولة الماركسية الشهيرة التى تؤكد أن الديمقراطية البرچوازية إنما هى شكل من أشكال الديكتاتورية الطبقية لرأس المال! والحقيقة أن أىّ بلد رأسمالى له طابع مزدوج فهو ديكتاتورية عسكرية من أعلى وديمقراطية شعبية من أسفل. وينطبق هذا، فى المحل الأول، أو على وجه الحصر، على بلدان الغرب/الشمال الرأسمالى، بينما لا يوجد فى بلدان ما يسمى بالعالم الثالث وضعٌ جدير بأن يوصف بأنه ديمقراطية شعبية من أسفل، فهى حتى إذا نشأت تكون قابلة للتبخُّر عاجلا أو آجلا بحكم البنية الرأسمالية التابعة حتى فى الهند. ذلك أن الديمقراطية الشعبية من أسفل لا يمكن أن تقوم على البؤس المطلق للطبقات العاملة والشعبية فى سياق رأسمالية تابعة لأنها غير صناعية وبالتالى غير منتجة لثروة حقيقة يمكن الحديث عن حد أدنى من عدالة توزيعها.
9: وهذه معضلتنا فى مصر أيضا! وسترافقنا هذه المعضلة فى عهود ما قبل المجتمع اللاطبقى إلا فى إطار ازدواج البلد بين ديكتاتورية من أعلى وديمقراطية من أسفل. ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا إذا نجحت مصر فى التحوُّل من بلد رأسمالى تابع إلى بلد رأسمالى صناعى متقدم وحديث يتمتع بالاستقلال "الوطنى" الحقيقى. ودون هذا بالطبع خرط القتاد، كما يقال. غير أنه لا سبيل أمام مصر نحو المستقبل سوى بوابة التحرُّر من التبعية الاستعمارية وتحقيق الاستقلال الحقيقى، فى عهد ما قبل حدوث ثورة شيوعية أممية فى العالم؛ وهذه ما تزال بعيدة.
10: والمعركة ممتدة إلى أعماق مستقبل طويل فى مراحل ووسائل وإستراتيچيات متعددة. غير أن معركة القضاء على مشروع الدولة الإسلامية تأتى الآن على رأس الأولويات. والجيش والإخوان شيئان مختلفان تماما. ذلك أن الأيديولوچيات "الپاثولوچية/المريضة" مثل أيديولوچيا الفاشية/النازية فى ألمانيا أو أيديولوچيا الأصولية الإسلامية السياسية الإخوانية وغير الإخوانية ومنها الأصولية الإسلامية الشيعية الحاكمة: الجمهورية الإسلامية فى إيران! والقضاء عليها بكل الوسائل بما فى ذلك الانقلابات العسكرية ضرورة حياة أو موت، وعلينا أن ندرك أنه ليس هناك أىّ موقف مبدئى عام ضد الانقلابات العسكرية بل إنه لا ينبغى الحكم عليها أو لها إلا وفقا لمحتواها السياسى، ورغم كل شيء فهناك فرق كبير بين انقلاب 1952 العسكرى ضد حكم بريطانيا وأسرة محمد على الكبير فى مصر، وانقلاب 1973 العسكرى ضد سلڤ-;-ادور أيّندى فى تشيلى.
11: ومن الغريب أن يكرِّس بعض المناضلين والكتّاب الجانب الأكبر من نضالهم أو إنتاجهم ضد الجيش والديكتاتورية العسكرية مهملين إلى حد كبير، الآن بالذات، مهمة النضال بلا هوادة ضد مشروع الدولة الإسلامية. ولا يمكن فيما يتعلق بهؤلاء المناضلين والكتّاب الذين يرفضون مشروع الدولة الإسلامية بصورة حاسمة، ويدركون أن أفق الجيش لا يتجاوز الحل الأمنى، إلا أن نستنتج أنهم "يعتمدون" اعتمادا مطلقا، من الناحية العملية، على الجيش فى إجهاض مشروع الدولة الإسلامية ثم يجعلونه (الجيش) الهدف المباشر الأول لنضالهم أو إنتاجهم؛ وكأنك يمكن أن تحارب ألف جيش فى وقت واحد!
12: ويتجاهل هؤلاء المناضلون والكتّاب حقيقة أن رفض الحلّ الأمنى لمسألة مشروع الحكم الإسلامى له شقان: شقٌّ يركز على نضالنا الفكرى ضد هذا المشروع (شقّ التنوير)، ليس غدا بل منذ الأمس؛ وشقٌّ آخر يركز على أن نفرض على الحكم القادم وبصورة متزايدة تجفيف البيئة التى تُضاعف تأثير ونفوذ السياسيِّين الإسلاميِّين من كل نوع، بيئة متلازمة الفقر والجهل والمرض بكل مضاعفاتها، عن طريق مستويات تصاعدية من العدالة التوزيعية على حساب الجشع الفاحش للطبقة الحاكمة (شقّ العدالة الاجتماعية)، وهى أيضا بيئة الرأى الواحد المتجمِّل بتعددية صورية بائسة بما يسمح بتحسين شروط النضال الإضرابى والسياسى الجماهيرى والنضال الفكرى فى ظل الحكم الجديد الذى يدفع إليه المسار الفعلى للتطورات السياسية، فى سياق القوة النسبية لمؤسسات الدولة، والضعف الراهن شبه المطلق لليسار، والنجاح فى سحق الإخوان.
13: ولا يجدر باليسار أن يركز أكثر مما ينبغى على جلد الذات ولوم النفس على ضعفه مهما كان القمع العسكرى الپوليسى فى عهود الرئاسات المتعاقبة، بالقول بأن الإسلام السياسى وبالأخص الإخوان نجحوا فيما فشل فيه اليسار، فهذا يعنى تجاهل مجموعة كبيرة من العوامل منها واقع تداعى أوضاع اليسار وما بدا أنه اليسار فى العالم كله، وحقيقة أن اليسار "الحقيقى" لا ينمو إلا فى ارتباطه بحركة اجتماعية هائلة ومتواصلة ليست متاحة له كنقطة بداية وفى زمن كاف للنمو، وواقع أن التراجع التاريخى والتدهور المادى والروحى للشعوب فى العالم الثالث هما البيئة الملائمة لإنتاج وإعادة إنتاج الأصوليات السلفية السياسية الإسلامية وغير الإسلامية ومنها جماعة الإخوان المسلمين.
14: ولأن هذه البيئة ليست المجرى الذى ينمو فيه اليسار فى غياب الحركة الجماهيرية المتواصلة، فإن البدايات القوية لهذه الحركة فى الأجل الطويل، وصدمة اليسار رغم الدور الكبير الذى لعبه فى إشعال الثورة وفى تطوراتها الأولى، وهى صدمة مُوقظة، أشياء تُقوِّى الأمل فى صعود محتمل لليسار بشرط ألا يهادن الإخوان والإسلام السياسى أو الديكتاتورية العسكرية الجديدة القديمة أو الصحوات الكاذبة للأيديولوچيا القومية الناصرية وغير الناصرية فى غير زمانها، وبشرط تخلُّص اليسار الماركسى من تخلُّفه الفكرى المؤدى إلى الانحراف السياسى اليمينى أو على طريقة "أقصى اليسار أقصى اليمين" مهما ارتفعت لغة الجملة الثورية الكاذبة والجعجعة الفارغة.
15: ولا شك فى أن استمرار الثورة شرط مهم بل حيوى للغاية للنمو الفكرى والجماهيرى لليسار الماركسى. وهناك مَنْ يزعم أن الثورة جاهزة دائما للانقضاض مهما أبعدها الانحراف اليمينى عن الاستفادة بفُرَص كبرى تُفلت من بين أيديها فتضيع وتتبخر. وهذا تصوُّر مضحك حقا. ذلك أن عدم الطَّرْق على الحديد وهو ساخن يعنى على الأرجح فوات الأوان، وتبدُّد العاصفة الثورية، والعجز عن استدعاء قوة دفعها كلما لزم الأمر؛ فقد تثور الشعوب ثم تخلد إلى النوم، إلى السبات التاريخى الطويل الممتد.
16: والآن ما العمل بعد أن انتصرت، أو توشك على الانتصار، دولة ما قبل ثورة يناير على مشروع الدولة الإسلامية؟ وقد صار من المؤكد أن التأييد الشعبى لمشروع الدستور فى الاستفتاء كان فى الوقت نفسه تأييدا لرئاسة السيسى. وبالرئاسة المحسومة على هذا النحو الآن يكون الجانب الأكبر مما يسمى بخارطة المستقبل على وشك أن يكتمل؛ ويبقى الپرلمان. على أن الدستور والپرلمان لا قيمة حقيقية لأىٍّ منهما؛ فالأول ليس سوى ورقة تدوسها السلطة التنفيذية يوميا بالأقدام، والثانى ليس سوى مكتب "تشريعى" ملحق بالسلطة التنفيذية أما المنصب المهم فهو منصب رئيس الجمهورية على رأس السلطة الحقيقية الوحيدة فى مصر: السلطة التنفيذية.
17: وتعمل سلطة السيسى منذ تدخُّل الجيش على إلحاق العديد من رموز المعارضة ضد حكم مبارك، وكثرة من شباب ثورة يناير بعجلة سلطة النظام الجديد القديم، فى زمن التدجين الشامل هذا. حيث تدفع جاذبية السلطة الطبقية، عن عدم وعى أو عن انتهازية، المعارضة والثوار يمينا إلى فوق، إلى خدمة الطبقة الرأسمالية التابعة، متصوِّرين أنهم يجسِّدون وصول الثورة، بوصفها ثورة، إلى السلطة؛ وجاذبا الطفولة اليسارية يسارا إلى مزيد من الطفولة اليسارية نفورا من الاتجاه الحثيث إلى التدجين والذيلية واليمينية وبشائر الدكتاتورية العسكرية والپوليسية المستعادة.
18: وقد صار من الواجب الملحّ على اليسار الماركسى أن يتماسك فى وقفة حاسمة لإنقاذ الثورة والاستمرار بها على أساس إعادة التفكير فى طبيعة الثورة وآفاقها وحدودها ومساراتها ومصائرها، بعيدا عن الأوهام التى تخلقها فترات الثورات فى كل مكان؛ ليس بافتعال توحيد كل الذين يعتزون بأنهم ماركسيون فى حزب شيوعى واحد بل على أساس التفاعل العميق الحر بين المجموعات الشيوعية والأفراد الشيوعيِّين للتواصل والتوصل إلى أقصى قدر ممكن من النضج الفكرى والتنسيق الجماهيرى الثورى. وهذا مع أقصى الاهتمام بوحدة اليسار ككل فى الميدان وفى التفاعل السياسى العام ليس بالشعارات الأصلية للثورة وحدها حيث يزعم تأييدها الجميع من إخوان وسلفيِّين وجيش و"فلول" وليبرالية بل بالعمل على إنضاج أهداف تستبعد أعداء الثورة وتقتصر على الثوار الحقيقيِّين بالتركيز على تاريخهم النضالى، بأولويات صارت واضحة مع تغيُّر الترتيبات شيئا فشيئا.
19: وقد يقول قائل إن الاهتمام الشديد بنمو اليسار الماركسى غريب لأنه لا يتَّسق مع الحديث عن أن الثورة الشيوعية لن تحدث غدا. غير أن الماركسيِّين رغم أنهم قادة ووقود تلك الثورة، البعيدة ولكنْ الآتية، لا يركزون على المستقبل، والمستقبل البعيد فقط، بل عليهم أيضا نحو الشعب مسئولية الحاضر والمستقبل القريب. ورغم محورية المجتمع اللاطبقى فى رؤيتهم وفكرهم إلا أن هناك فى الحاضر والمستقبل القريب تماما كما فى المستقبل البعيد محورية حياة البشر فى عهود المجتمع الطبقى، تماما كما فى عهود المجتمع اللاطبقى. فالبشر وحياتهم مسئولية كبرى فى كل الأوقات، والمقصود بالمسئولية عن حياة البشر المسئولية عن كل البشر باستثناء الطبقة الرأسمالية الحاكمة مصاصة دماء الشعوب التى تفرض عن طريق استغلالها ودولتها وإدارتها وجيشها وشرطتها وقانونها وقضائها ودستورها الفقر والجهل والمرض والبؤس على حياة باقى البشر. إن مهمتنا الدائمة هى سعادة البشر والعمل المتواصل على إسعادهم ورفاهيتهم وتنوير عقولهم؛ وفى هذه المهمة يكمن معنى الحياة ذاتها. إن الشيوعيِّين لا يناضلون من أجل الشيوعية وحدها بل يناضلون على نفس المستوى فى سبيل رفع المستويات المادية والروحية للبشر. وهم إنْ فعلوا غير هذا فإنما يكونون مثل حُجَّاج بيت الله الحرام مرارا وتكرارا وتحجيج أطفالهم مرارا وتكرارا مع أنهم يرون بأعينهم فى كل مكان حولهم بشرا يتضوَّرون جوعا هم أوْلَى بالانتشال من الجوع بأموالهم!
19 يناير 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح جملة مبتورة
خليل كلفت ( 2014 / 1 / 19 - 17:48 )
معذرة: جملة مبتورة فى الفقرة 10:بدلا من: ذلك أن الأيديولوچيات -الپاثولوچية/المريضة- مثل أيديولوچيا الفاشية/النازية فى ألمانيا أو أيديولوچيا الأصولية الإسلامية السياسية الإخوانية وغير الإخوانية ومنها الأصولية الإسلامية الشيعية الحاكمة: الجمهورية الإسلامية فى إيران! ... تكون الجملة: ذلك أن الأيديولوچيات -الپاثولوچية/المريضة- مثل أيديولوچيا الفاشية/النازية فى ألمانيا أو أيديولوچيا الأصولية الإسلامية السياسية الإخوانية وغير الإخوانية ومنها الأصولية الإسلامية الشيعية الحاكمة: الجمهورية الإسلامية فى إيران لا تجلب سوى الكوارث!


2 - عذرة: جملة مبتورة فى الفقرة 10:
خليل كلفت ( 2014 / 1 / 19 - 17:53 )
معذرة: جملة مبتورة فى الفقرة 10:بدلا من: ذلك أن الأيديولوچيات -الپاثولوچية/المريضة- مثل أيديولوچيا الفاشية/النازية فى ألمانيا أو أيديولوچيا الأصولية الإسلامية السياسية الإخوانية وغير الإخوانية ومنها الأصولية الإسلامية الشيعية الحاكمة: الجمهورية الإسلامية فى إيران! ... تكون الجملة: ذلك أن الأيديولوچيات -الپاثولوچية/المريضة- مثل أيديولوچيا الفاشية/النازية فى ألمانيا أو أيديولوچيا الأصولية الإسلامية السياسية الإخوانية وغير الإخوانية ومنها الأصولية الإسلامية الشيعية الحاكمة: الجمهورية الإسلامية فى إيران لا تجلب سوى الكوارث!

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة