الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُنادي الرب -قصة-

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 1 / 19
حقوق الاطفال والشبيبة


أراقبها من نافذتي..طويلةٌ جداً مُرتفعةٌ جداً و مُزعجةٌ جداً..و كأن الرب أراد أن يُمعن في تعذيبي فجعل نافذة غرفتي تقابلها صبح مساء..بصوت مناديه أبدأ يومي و به أختمه..و كأنه يرى حدود صبري حتى أقتله أو يقتلني.

عندما كنت طفلاً أحببت صوته و كان حلمي حينها أن أصبح -عندما أكبر- منادياً للرب كما كان هو و ما زال..كنت أتخيله يصعد تلك المنارة المرتفعة ليقترب من الله الذي يسكن في قمتها و لا يتمكن أحداً من رؤيته سواه..فيهمس له و يحدثه و حينها يبدأ في النداء باسمه..حلمت -حينها- أني لو أصبحت مثله سأمتلأ بكلمات الرب كما امتلأ هو بها من قبلي فأصدح بها منادياً فيأتون إليه عن طريقي..و من دوني لن يجد الرب له ساعداً أيمن أو صوتاً ليناديهم من أجله..سأكون كالنبي محمد و لكن بطريقةٍ أخرى مُختلفة و أكثر ديمومة.

لهذا السبب الطفولي الساذج التحقت بحلقات تحفيظ القرآن التي كان يقوم فيها بتعليمنا كلمات الرب..تلك الكلمات التي كنت أعتقد أني يجب أن أمتلكها لكي تؤهلني لأصبح مناديه يوماً ما..فكم عشقت صوته الحنون..فكأنه الرب يهمس لنا بكل حبٍ و عشقٍ لكي نقترب منه..و كنت في السابعة عندما اقتربت منه لأول مرة أو لعله هو من اقترب مني أكثر من اللازم.

أراقبها من نافذتي فأتساءل:"كيف استطاع أن يفعلها في بيت الرب دون سواه!!..هل كان الله يرى ما يفعله مناديه بي في زوايا بيته!!..هل أصابه العمى حينها كما أصابني به إلى الآن؟؟"..ذلك العمى المتناقض و الذي يجعلك تنسى حدثاً بعينه و لكنك بالرغم من ذلك تتذكر تفاصيله بشدة!!..وعيك ينساه و لا وعيك يسترجعه لحظة بلحظة و لقطة بلقطة.

كان يستبقيني عند انصراف الجميع..يستبقيني لنفسه..يستبقيني ليلمسني هنا و هناك و ليداعبني بكل أريحية و دون أي خوفٍ من جانبه..و كأني لعبته التي يلهو بها..و كأنه كان على ثقةٍ من أنه بالرغم من قيامه باستنفاذي في بيت الرب فإن رب البيت إما غير موجود لنهره أو غير موجود من الأساس.

عام كامل..عام كامل من الاستنفاذ..عام كامل من الصلاة..عام كامل من المداعبة و من التقبيل..عام كامل من تعلم تجويد كلمات الرب..عام كامل من ملمس لحيته الناعمة فوق وجهي..و عام كامل من الصمت..كنت أجبن من أتحدث..و كنت لا أدرك أن ما يحدث هو عملية تعريةٍ لروحي و لكن بأكثر الطُرق بدائية..تلك الطريقة التي تجعلك تكبر قبل الأوان..فتصبح أكبر مما يجب في عمرٍ من المفترض فيه أن لا يكون لديك ما يجب أن تشعر بالحيرة تجاهه.

كان يجعلني حائراً في تصنيفه هو فكيف بتصنيفي لما يفعله بي!!..فأن يفعلها منادي الرب و "شيخي" جعلني لا أُدرج ما يفعله تحت خانة الخطيئة أو حتى الخطأ..و كونه كان يفعلها و هو يبتسم لي جعلني لا أعتقد إلا أنه يحبني و لكن بطريقةٍ مختلفة قليلاً..فكيف يبتسم لنا من يقتلنا؟؟..حتى عندما كان يطلب مني أن لا أخبر أحداً كنت أعده بكل بساطة أني لن أفعل..فولائي كان كاملاً له و خوفي من غضبه كذلك.

ذات مرة ذهبت إلى مسجده و مسجد ربه المتواطئ معه صمتاً دون عقاباً..كان يؤم المصلين كالعادة..و كنت واقفاً في الخلف أرتجف و أنتظر سجود الجميع لأغرس سكيني في عنقه لكي يخرس ذلك الصوت للأبد..ذلك الصوت الذي أغواني في طفولتي..و لكني لم أستطع..جبنت و في ذات الوقت شعرت بعبثية الموقف..فأنا سأصنع منه بطلاً شهيداً على يديَّ أنا الشخص الغير متدين أو في أفضل أحوالي "المريض النفسي" الذي مهما قال لن يصدقه أحد.

ما هي فرصة أن يصدقني أحد أنا الذي كف عن دخول بيت الرب منذ سنوات لا أتذكر عددها؟؟..فهنا يصبح دين المرء نوعاً من أنواع الوقاية أو العصمة و حتى قوة الحجة لدى الآخرين..فأن تكون مُتخماً أمام الآخرين بآيات "شبه" إلهية فهذا يعني عصمةً تحمي من أي صوتٍ يتظلم و يصرخ ألماً بسببك..فلديك ستكون كل السلطات..سلطة النداء سلطة الدين سلطة الصدق سلطة الرب.

هل كان الرب يسخر مني عندما جعل نافذتي تُقابل مئذنة قاتلي؟؟..أم لعله أراد أن يصيبني بالإلهام لأخبره أني اكتشفت بعد سنوات من مراقبتها و الخوف منها أن مئذنته تتعامد مع قبته لتشكل ما يشبه منطقة مُناديه التناسلية!!..هل هذا ما أراد مني أن أراه؟؟..هل هذا ما كان طوال سنوات يحاول جاهداً أن يوصله لي برسالة مُشفرة؟؟..أن مكان ندائه ما هو إلا مكان نداء لاقتناص لحظاتٍ جنسية مع من كانوا مثلي!!..أني فقط أتساءل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزء الثاني - أخبار الصباح | الأمم المتحدة تعلق مساعداتها إ


.. أطفال فلسطينيون يطلقون صرخات جوع في ظل اشتداد المجاعة شمال ق




.. الأمم المتحدة: نحو نصف مليون من أهالي قطاع غزة يواجهون جوعا


.. شبح المجاعة.. نصف مليون شخص يعانون الجوع الكارثي | #غرفة_الأ




.. الجنائية الدولية.. مذكرتا اعتقال بحق مسؤولَين روسيين | #غرفة