الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كراسي في استراحة

فيحاء السامرائي

2014 / 1 / 20
كتابات ساخرة


(الأضواء مطفاة وأبواب القاعة الكبيرة مغلقة...تعمّ فوضى خشبية داخلها ثم تهدأ، تتمطى كراسي متناثرة هناك، تتمدد على أرض الصالة، تسود حالة استرخاء بعدها تحلو فيها الأحاديث، يمدّ أحدهم أربع سيقان له، بعد أن يضحك ضحكة خشبية...هش هش هش...يفرقع عالياً بصوت خشن:)
- لنسترح الآن قليلاً من عناء هذا اليوم، خذوا نفساً خشبياً عميقاً ممدوداً، أو كما يقول البشر، تنفسوا الصعداء...أقسم بالخشب أن هؤلاء البشر متعبون ومعقدون، حتى الجلوس علينا له أتكيت خاص عندهم، تتحدد عبره شخصياتهم وسلوكهم، فالجلوس على حافتنا له معنى يختلف عن الجلوس بطريقة مائلة أو مسترخية...هيا قولوا لي، كيف هي أحوالكم مع هؤلاء البشر الليلة؟
- لم أستمتع بأمسية اليوم مطلقاً، الرجل الذي أستضفته يتحرك على الدوام متململاً، ينظر الى ساعته أكثر من مرّة متأففاً...أكاد أسمعه يردد مع نفسه: (ما الذي جاء بي الى مكان بارد كئيب كهذا، لو بقيت في داري، لكنت الآن أشرب الشاي وأتصفح الفيس بوك، أليس ذلك أفضل من سماع هراء فارغ من كذا شويعر متثاقف؟)
- ومع ذلك نراه يصفّق للشاعر ويستحسن شعره، بل يطلب ودّه ويتمنى أن يوقع له على ديوانه، منافق غير نافق، أو معقّد على مقعد...حلوة هذه، أليس كذلك؟ هش هش...
- أنا كنت أستضيف امرأة لا أظنها تجيء للإستماع والاستمتاع بالشعر والأدب، تتلفت كلما يدخل رجل الى القاعة، تفتح حقيبة معبأة بأدوات تجميل، وتنظر خلسة الى مرآة، ربما كانت تفكر،( أين هم الرجال؟ ماذا جرى لأبصارهم؟)
- هش هش هش...أضحكتنا يا خشبي المزاح...لكن هل تعلم أن للنساء مشاكلهن التي لاحصر لها؟ وآخرها، هناك جماعة من البشر يحظرون ويمنعون جلوس المرأة علينا.
- حتماً في عقول هؤلاء دود وعطب يتلف الحياة والخشب، أسمعُ أنهم لا يعترفون بنا، مصيبة لو تترسخ أقدامهم في هذه الأرض، ساعتها، نندثر ويندثر البشر معنا.
- هم سيئون كما هؤلاء الذين يحملون لقب (رجال الكراسي)، سفسطائيون مضللون، نقاشاتهم جدل سقيم وعقيم، وأقوالهم تطغي على أفعالهم، يسببون لحرمة خشبنا صداعاً ولمساميرنا مغصاً.
- ومع ذلك، لم يمرّ أي منكم بخيبتي وتجربتي ومصيبتي، لم يجلس على أحدكم مثلما جلس عليّ شخص أطلق ريحاً خنقتني، وراح بعدها يتلفت ويتململ ويتنحنح ويعتدل في جلسته كأنه لم يفعل شيئاً ( تغمر المكان ضحكات خشبية وقهقهات...هش هش هش)...حقاً كرهت نفسي وقدري في أكون كرسياً على الدوام، أنتهي في قمامة أو محرقة...كم أتمنى أن أجلس على أحدهم ولو لمرة واحدة! أو أكون مائدة مثلاً.
- لا تستهين بنفسك صديقي، ألا تعلم أن هناك آية يقولون أنها من السماء باسمنا؟ وهناك واحد من جماعتنا، يسع السموات والأرض، يجلس عليه شخص مهم يحكم هذا الكون والبشر الذين صنعونا؟
( تند صرخة دهشة من الجميع) - يا بوية !!! ( يقومون بحك ظهورهم علامة على اضطرابهم وانفعالهم)
- أنت تستذوق الأكل وتتمنى أن تتحول الى مائدة...وأنتم أصحابي، ماهي أمنياتكم؟
- أمنيتي أن أكون كرسياً معدنياُ أو جلدياً أو زجاجياً مع احترامي ومحبتي لأصلي. - أنت كرسي متواضع خجول، طموحك محدود، كما يقول البشر.
- أنا أتمنى أن أكون كرسياً حراً على بلاج مشمس، أرجلي مغروسة في رمال ناعمة باردة، تهب عليّ من حين لآخر ريح ناعمة منعشة، تجعلني أحدّق في المدى وأحلم...مللت قاعات رطبة ومظلمة.
- أمنيتي أن أكون كرسياً هزازاً، أو كرسياً متحركاً دواراً ، أحب الهزّ والحركة...وأجمل من ذلك لو أصبح كرسي أعراس وأفراح وليالي ملاح، مزيّن بدانتيلا باذخة وقماش حريري وألوان جميلة، تصاحبني الموسيقى أينما أثبت أقدامي الخشبية.
- لو يسمعك الذين يحرمّون الموسيقى من البشر، ليحطمونك بفأس يجعلك حطباً أو نشارة وتراباً.
- أما أنا، أريد أن أكون كرسياً لمشاهير من البشر، ياجماعة لهؤلاء مؤخرات لينة معطرة طرية، ربما تكون خاضعة لعمليات تنجيد وحشوات.
(تعلو صيحات إعجاب وضحكات، يصفر أحد الكراسي ويحك آخر مؤخرته بينما يغمز كرسي شبق لكرسي آخر ويبتسم)
- ألا تعلم أن أحد المشاهير من رؤساء البشر، اقترن اسمه بنا؟ يقولون عنه أنه سرق أحد منا...لكن أخبروني، لماذا لم يتمنَ أي أحد منكم أن يكون عرشاً أو كرسياً فخماً في قصر رئاسي؟
(يصخب البعض ويضجّ، يتأفف البعض الآخر، تصدر عفطة خشبية من كرسي خبيث مشاكس)
- لنحمد الشجرة، أمّنا التي في الغابات، على أن ضيوفنا يغادوروننا على الدوام، غير أني أعرف بعض من زملائي في السلطة وفي خشب مراكز قرارات بشرية مصيرية، يشكون من أناس لا يودّون مغادرتهم في كل الأوقات والأزمات، ويظلون ملتصقين بهم لسنين طويلة...
- ليكن شعارنا الخشبي والأخلاقي إذاُ، "لا تكن كرسي سلطة على الدوام ولا كرسي كهربائي للإعدام"
(تنطلق قهقهات وصرخات استحسان خشبية وضوضاء ولغط...يفتح حارس القاعة فجأة ضوء ممر مؤدي الى القاعة، يضع أذنه على بابها ويتنصت الى ضجة آتية من ورائه...تنتبه الكراسي لوجوده...تصمت...يطفئ الحارس النور ويغادر)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة