الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التفاحة النهرية لمحمد نفاع

مسعد خلد

2014 / 1 / 20
الادب والفن


أضواء استعراضية على مجموعة "التفاحة النهرية" للأديب محمد نفاع
(صارت التفاحة حديث الناس، جاءت البلدة تنظر الى هذه العجيبة من حق وحقيق. أصبحت التفاحة من مفاخر بيتنا وحارتنا وبلدنا. لم يكن من السهل عليّ النوم مع التفاحة تحت سقف البيت... - إذا حِــبلى ممنوع تشــوفيها!")
هذه المجموعة القصصية "الجديدة – قديمة" للأديب محمد نفاع، والصادرة عن دار راية للنشر- حيفا عام 2011، قصص قصيرة "التفاحة النهرية"، "الجرمق"، "حوّام الخريف"، "مختار السموعي"، "عمشق الوادي"، "صورة الهوية"، "وليمة"، "كبوش البطم"، "قادم جديد"، "رخصة سواقة"، "لقاءات ومواجهات مع خاتم سليمان"، "عن الذئاب وغزاله"، "خطاب المدير"، "موقف (لنا) من الاضراب"، "المُخبر (ن)"، "نوبة قلبية". يحوي هذه المجموعة المميزة إناء ورقي فاخر، مزيّن بلوحة للفنان عصام طنطاوي/عمّان، وينضح هذا الإناء بما فيه من جمال فنيّ ساحر من تصميم وإشراف وائل واكيم، وبما فيه من أدب راقٍ أصيل من بين أنامل أبي هشام محمد نفاع المولود في قرية بيت جن في الجليل الفلسطيني عام 1940، حيث أنهى دراسته الابتدائية فيها والثانوية في قرية الرامة المجاورة، ثم قضى سنتين في الجامعة العبرية بالقدس قبل أن يترك الجامعة ويعمل أجيرا في الزراعة والبناء لمدة أربع سنوات، ومدرسا لمدة سنتين حيث فصل بأمر من الوزارة، ليتفرغ بعدها للعمل السياسي الحزبي في الحزب الشيوعي ابتداءً من عام 1971، الذي كان انتسب اليه منذ عام 1956.
أخلص الأديب محمد نفاع للقصة القصيرة التي بدأ كتابتها منذ العام 1964، وترجمت قصصه الى العبرية والانجليزية والفرنسية والروسية والاسبانية والألمانية. صدر له "الأصيلة" (قصص)-1975، "وديّة" (قصص)-1976، "ريح الشمال" (قصص)- 1978، "كوشان" (قصص)- 1980، "أنفاس الجليل" (مجلد الأعمال الثصصية المنشورة وقصص غير منشورة)- 1998، والتفاحة النهرية والتي نحن بصددها في هذا الاستعراض العام.
يتميز أسلوب الكاتب في هذه المجموعة – كما في المجموعات السابقة - بتأثره بالأجواء الشعبية الفلسطينية، وقد ذكر المؤلف في مقابلة صحفية في مجلة المواكب، العدد 5،6 عام 2002 :" ومردّ ذلك باعتقادي أني ابن قرية، وان القرية الفلسطينية حافظت على التراث الشعبي وظلت أقرب الى البيئة الفلسطينية ونمط الحياة الذي كان سائدا. نرى ذلك في هموم الفلاح والعلاقات الاجتماعية واللغة المحكية المتداولة ومختلف الطقوس والعادات الاجتماعية.. كذلك هنالك دافع بلا قرار مباشر، وهو المحافظة على بقاء هذه البيئة الأصيلة في وجه المنافسة وضد محاولة إبعادنا عن أصولنا وجذورنا"
في "التفاحة النهرية" يدخلنا الكاتب عميقا الى ثنايا النفس البشرية، واصفا ما يختلج بين حناياها من مشاعر وعواطف جيّاشة وعواصف جامحة، معبرا عن الكبت والحرمان بكلمات قد تبدو للوهلة الأولى سطحية ومستهلكة، إلا انها تصوّر خبايا الذاكرة الجماعية، وتصوّر ما كان يدور في الأفئدة الشابة، مقارنة بما يحدث اليوم من انفلات مشاعري عنيف، غير محدد الثوابت، حتى باتت شهوات الجوارح طاغية على فعل العقل.
ولمّا تصل الى العبرة في نهاية كل قصة، تنجلي أمام ناظريك مختومة ببراعة الخبير المجرّب، لكنها غير مؤطرة في قوالب الشمع الأحمر التقليدي، بل تلزمك على العودة مرات الى ما قرأت، لتنجلي لك بواطن خفيّة فاتتك خلال قراءتك الأولى..
وقد كتب الأستاذ (فيصل درّاج) في مقال نقدي لمجموعة (كوشان) عن أسلوب محمد نفاع بقوله:" كتابة محمد نفاع هي نقيض الكتابة الفردية: ترسم التجارب الجماعية من وجهة نظر سياسية، وإن رسمت تجربة فردية، فانها تلغي منها فرديتها وتدخلها في نسيج العلاقات الاجتماعية. ترسم الكتابة علاقة الحاضر بالماضي من وجهة نظر الصراع، فتصبح الكتابة ذاكرة، توحد الزمان، وتوحد الصراع، وترسم التاريخ في حركته الفعلية المليئة بالتحولات..." هذا الرأي ينطبق على مجموعة قصص "التفاحة النهرية"، والتي تبعثها الى الوجود لغة ديناميكية، تعبر عن أجواءها على لسان شخصياتها، ومن بينهم شخصية مركزية تدور حولها الأحداث، حتى تصل في بعض المواضع الى سرد السيرة الذاتية، لكن بذكاء وفنية (قصة- موقف لنا من الاضراب). كذلك أثناء وصف المظاهرات والنضال والرحلات والبعثات الخارجية في دول مختلفة، وعند طرح الرؤيا والمبادىء والأفكار الخاصة، والتي يعبر عنها الكاتب بحنكة وأسلوب خاص، دون خطابية أو تقريرية مباشرة.
"لم أكن أتوقع أبدا أن تجري معي مقابلة مسجلة ومصوّرة عن موضوع الذئاب، جعل الله من هداهم عليّ من مواطني الجنة مع إقامة جبرية في ربوعها وفسيح الجنان" ، هذه اللغة التي تميز كتابات محمد نفاع – ماركة مسجلة- جاءت في مقدمة قصة "عن الذئاب وغزاله" ص 143، وفيها يمكن اختزال نهج الكاتب وأسلوب الكتاب من حيث اللغة والوصف الذي يشمل العلاقات الاجتماعية والفولكلور الشعبي ومن بين الأهازيج:
يا عيني نودي ويا عيني نودي
ست الصبايا بيض الزنودِ
والأمثال الشعبية: "يقول النمر (ص 149): لولا الراعي ونهراته أكلت الكلب وعنزاته، أما الذئب فيقول: لولا الكلب ونبحاته أكلت الراعي وعنزاته". وتظهر أيضا أصالة هذا اللون الأدبي في وصف زمكان البيئة التي عاشها الكاتب في طفولته، والتي تفرض على القارىء ان يدع خياله يتتبع الطريق الوعري :" في أحد أيام الصيف وموسم الحصاد، وفي باب السّدير (اسم منطقة تقع في الشمال الغربي للقرية) في الفجر المبكر والندى الرقّاد على جمام الأرض يمسح الوعر وكروم العنب والتين، وتراب الطريق مُنمّش بحبات الندى، والعصافير النهّاضة للتو تغني للفجر اليمامي المتسلل المتسرّق على مهله يمسح بهيبته جبهة وقمم الجبال ويحيط بمهابة على صدورها وبطونها، ونسمات لطاف ناعمة كالشعر الخروبي المغسول تهفهف وتسرح وتمرح، وتصفر صفيرا خافتا واهنا توشوش الكون وتهمس وتتنهد في الدوالي الراقدة في غفوة الفجر.." (عن الذئاب وغزاله – ص144)
وعن الطقوس والعادات :" فتحت قافعة في السّما، نزل منه 72 نبي، قلت لهم وين رايحين يا ملايكة الرحمن، قالوا رايحين نربط فم الوحش عن بقرة..." – ص 152.
في قصة "التفاحة النهرية" تظهر التناقضات بين الماضي المتمثل بما يرويه الراوي عن قصص الذئاب، خلال أيام النخوة والعز والكرامة والفزعات والمحافظة على الأرض والعرض، مقارنة بالحاضر الذي ترمز اليه المرأة الأجنبية ومرافقيها، والتي تصف ما آل اليه أبناء هذا العصر المرّ من تعلق بالقشور الغربية الغريبة، حتى بات بعضهم يحاولون العودة الى الجذور، لإنقاذ ما أمكن من خطر الاندثار أمام تيار التلاقح الحضاري المهين، من خلال جمع قصص الماضي العريق وتثبيتها.. وهنا تكمن أهمية هذا اللون الأدبي المميز في المحافظة على الكنز الثمين، ليثبت جذورنا الأصيلة داخل تراب وطننا الغالي، لئلا يضيع.
14 أيار 2011
=======================================================
تنويه: التقيت الكاتب الأديب محمد نفاع صبيحة هذا اليوم الشتوي-الربيعي (6 كانون ثاني 2014) في سوق قريتنا الشعبي في مجمع كرم عيد – الصوانِه، يحمل (شبكة) الفقراء بيده اليسرى، بينما حضن بين أنملي كفه اليمنى سيجارة حل عربي. كانت عيناه تجولان بسطة أحد تجار الملابس. اقتربت نحوه، ولكن قبل أن أطرح عليه السلام، سمعته يسأل التاجر:"في معاك إشي جاكيت ثقيلِه اذا لبستها بتردني شب معتبر؟!" وقبل أن يجيبه التاجر بالنفي، سارعته بعبارة "بتظلك شب وخمسِه بعيون اللي مش عاجبوه"! ومن حديث لحديث، والحديث مع أبي هشام ذو شجون، أخبرني بأن الأخ فتحي زيدان جوابره يقوم بالاعداد لعمل بحثي جامعي حول مجموعة "التفاحة النهرية"، ولم أتردد في سؤاله عن رقم الأخ فتحي لأشكره جزيل الشكر على مبادرته القيّمة المحترمة تجاه الأخ الأديب محمد نفاع، متمنيا له النجاح والتوفيق. هاتفته وحدثته فشعرت بأنني أعرفه من أمد بعيد، واستلمت منه بريده الألكتروني لكي أتمكن من إرسال مقالتي الاستعراضية المتواضعة لمجموعة "التفاحة النهرية" كمساهمة في هذا العمل الرائد.
___________________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة جيدة
فتحي زيدان جوابرة ( 2014 / 3 / 17 - 17:52 )
الشكر للأستاذ مسعد خلد على هذا الاستعراض الجيد والمفيد، لهذه المجموعة القصصية.
قرأت المجموعة عدة مرات، وأنا أعكف حاليا على إعداد رسالة ماجستير / دراسة نقدية للمجموعة في ضوء المجموعات السابقة للكاتب محمد نفاع
من الواجب علينا وطنيا واجتماعيا وأدبيا أن ندرس إنتاج أدبائنا الفلسطينيين، فهذا جزء من النضال الفلسطيني لتثبيت وجوده وهويته في هذه الأرض

اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - ياسمين علي بتغني من سن 8 سنين.. وباباها كان بيس


.. كلمة أخيرة - المهرجانات مش غناء وكده بنشتم الغناء.. رأي صاد




.. كلمة أخيرة - -على باب الله-.. ياسمين علي ترد بشكل كوميدي عل


.. كلمة أخيرة - شركة معروفة طلبت مني ماتجوزش.. ياسمين علي تكشف




.. كلمة أخيرة - صدقي صخر بدأ بالغناء قبل التمثيل.. يا ترى بيحب