الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاكم الفاصل (الجزء الثاني)

محمد ليلو كريم

2014 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



هل نتصور أن شيعياً عراقياً ينتخب سياسياً سُنياً, وفي ذهنية المواطن الشيعي زخم من مضادات الإرهاب والدكتاتورية, والتمييز المذهبي ؟؟
هل نتصور أن سُنياً عراقياً سينتخب سياسياً شيعياً, وفي ذهنية المواطن السُني زخماً من المضادات المعادية لمشروع الهلال الشيعي, والتسلط الطائفي ؟؟
حتى إن انتخب السُني شيعياً, أو العكس, فإن لهذا الاختيار حسابات باطنية, ونحن أرض العقائد والسياسات الباطنية, ومن عاشر قوماً...., والديمقراطية عاشرتنا لعقد من الزمن, لا أربعين يوماً فقط.
سيُطيح السُنة بالقائد الشيعي الذي انتخبوه , ولن يرتضوا بقاءه ممثلاً لهم على طول الخط , ولن تمر الأيام دون اصطدام السياسي الشيعي مع جمهوره من المواطنين السُنة , وسيفعل الشيعة نفس الشيء , وسيفعل معهم السياسي السُني الممثل لصوتهم نفس ما فعل السياسي الشيعي مع مواطنيه السُنة , فهذه سُنة الديمقراطية التي نفهمها , أو سُنة نوعية الديمقراطية التي نمارسها , ونحن متشيعون لهذا النظام من السياسة , وهذا هو اللون الديمقراطي المتوفر في سوق السياسة العراقية , فالجذر التصارعي لا يموت بمجرد أن نقطف الساق والأوراق , وتربة بلدنا السياسية والاجتماعية توفر التغذية المناسبة , والإرواء , والمناخ المطلوب , للجذر التصارعي لكي ينمو من جديد في الأذهان والواقع , وفي الترتيبات السياسية للمستقبل , ولا تتصورا أبداً, وأحذركم أن تتصورا أن تجربتنا الديمقراطية وصلت لبر الأمان , أو حتى اقتربت منه , فما زالت سياستنا , ورؤانا السياسية , عبارة عن مفاهيم عملية سياسية جراحية خطرة , وليست مفاهيم دولة مؤسساتية , والعملية السياسية تحولت إلى صراع أشخاص على حساب التنافس الديمقراطي المعروف , وسيفضي صراع الأفراد إلى دكتاتورية تفرض نفسها حتى على الإرادة والإدارة الأمريكية , وإذا ذهبت الأمور إلى تقسيم العراق , فالتقسيم سيفرض نفسه أيضاً على الواقع العراقي واللاعب الأمريكي , وأمريكا ؛ حالها حال الديمقراطيات المتقدمة , منشغلة بإعداد وإنضاج نسخ ديمقراطية تناسب العصر القادم , الذي يلوح في الأفق .. طبعاً يلوح للسياسات المبصرة , والشعوب المتبصرة .
أما نحن وديمقراطيتنا فلا غيث فكري منقذ, ولا بديل سياسي يُصلح الممارسات المسماة ممارسات ديمقراطية والتي اعتدناها , وكأنها تتشكل تدريجياً لتصير طقوسا مقدسة تُضاف إلى تراثنا الطقسي الشامل , السياسي , الاجتماعي , الديني , إذ تتجذر ديمقراطية عراقية لا تمت للديمقراطية بصلة , ديمقراطية محلية أساسها الصراع المذهبي الديني , ودلائل نتائج الصراع نجدها في فصل كردستان نفسها عن العراق , وتقبلها لمسعود بارزاني حاكماً لفترة طويلة , مع أننا نحتاج إلى شخصية أكثر تمسكاً وفعالية في تأدية دور الحاكم الفاصل , شخصية تلعب دورا تاريخيا مفصليا يُغير من القناعات المتراكمة , والأذهان المتحجرة , والنفوس المستشيطة انفعالاً, ولن تنجح تجربة كتلك التي حدثت مع الدكتور إياد علاوي , حين حصلت كتلته التي يتزعمها على كم من الأصوات السُنية , وهو السياسي المنحدر من أصول شيعية , ولو ترأس علاوي رئاسة الوزراء بدل المالكي , لكان مجرد جسر يعبر عليه السياسيون السُنة , ثم ينسفونه , ونفس الشيء سيفعله الشيعة مع السياسي السُني , مع أن الشيعة أبعد من أن يدلوا بأصواتهم لصالح سياسي سُني , لاعتبارات تتعلق بتأثير العامل المذهبي وخزين المظلومية والتحزب المذهبي وردة الفعل العميقة على سياسات الدولة القومية وحداثة ممارسة السلطة .
لن نتحدث عن أفكار ورؤى تُشعر المطلع عليها أننا نتكلم عن تصور جمهورية تقع أسوارها بقرب أسوار جمهورية أفلاطون, واليونان وديمقراطيتهم ليست قريبة منا ومن واقعنا وتاريخنا الذي نعرفه , ولم نقترب من أمريكا وديمقراطيتها .
ستظل الديمقراطية في العراق منقسمة إلى ديمقراطيتين ( ونحن نسميها ديمقراطيتين اصطلاحاً) وكل منهما تستنشق المذهبية, قسراً, وكيف تتحول إلى ديمقراطية جامعة تقوم بإهلاك البلاد والعباد , وها هي العملية السياسية بديل للدولة , وصراع السياسيين الطائفي بديل للديمقراطية التنافسية , والديمقراطية المذهبية بديل للديمقراطية التي يُراد منها خلق مجتمع من الاخوة في ظل المنافسة الرأسمالية المحتدمة , ونحن لم نصل بعد حتى للشروط الاقتصادية لكي نتحدث عن ديمقراطية .
إن الزعامة السياسية المتجسدة في شخص, ليست أمنية نبتغي منها تسلط شخصية دكتاتورية لفترة طويلة, بل نطمح لشخصية بمقاييس الشخصيات السياسية المصلحة التي أنجزت أمثلة عالمية ووثقت بصمة في صفحة التاريخ.
هل من الممكن أن تأتي شخصية سياسية مصلحة توحد العراقيين وسياستهم وهويتهم الوطنية وتجمع الكل تحت خيمة وطن واحد ؟
القضية صعبة, ومجازفة خطيرة, ولكن بقاء الحال على ما هو عليه مجازفة أيضاً, مجازفة ستودي بنا إلى أزمات لن تنتهي, وبين المجازفتين يقف العقل ووحدة العراق متحيرين, فكيف نعالج القضية ونخرج من مأزق المجازفتين ؟؟
إخوتي العراقيين من الشيعة والسُنة العرب , لقد استهلكنا أوراقنا السياسية في سياسات طائشة غير مسؤولة , وصرنا مكشوفي الصدور أمام ضربات القوى العظمى العالمية , وتلك القوى لن تطمأن لأي بوادر حسن نية تظهر منا , فنحن العدو اللدود , ومصدر الخطر , والخصم الذي ألزمت نفسها بإبقائه منهكاً, مريضاً, مثخنا بالجراح , ولا أمل بإقناع تلك القوى بالعدول عن برامجها الموجهة ضدنا , ولن تستطيع قياداتنا السياسية الحالية فتح صفحة جديدة ومختلفة مع تلك القوى , ونحن الضعفاء , وهم الأقوياء , ولو صدقت حكوماتنا ( الديمقراطية ) معنا لتبدل الوضع وانتفعنا بثرواتنا الطائلة , ولكن العملية السياسية المهشمة لن تقدر على مواجهة دول عريقة , وقوية , وناضجة سياسياً, ومقتدرة عسكرياً, ومن الشجاعة أحياناً أن لا نموت ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد