الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهاويم مريض

داود روفائيل خشبة

2014 / 1 / 20
الادب والفن


كل التاريخ أسطورة. تقع حادثة يشهدها عشرة شهود ليس لواحد منهم مصلحة فيما وقع ولا لواحد منهم علاقة بما وقع؛ عشرة شهود كل منهم على قدر من الذكاء والخبرة والمعرفة، ويحكى كل منهم الواقعة بطريقة مختلفة، وقد تتعارض بعض الحكايات تعارضا شديدا وقد تتناقض. فما بالنا فى أحداث قديمة أو حديثة يرويها مدوّنون أو مؤرّخون، وما كان المدوّن أو المؤرّخ يتكبّد جهد الكتابة لو لم تكن له وجهة نظر أو موقف أو تأويل بريد إثباته؟ فكل التاريخ أسطورة.
فى أواخر يناير 2011 حدث فى مصر حدث هو بكل المقاييس ومن مختلف وجهات النظر حدث هام. وسمعنا من يقول إن الآمر كله مؤامرة، ومن يقوا إن الشباب الذين دَعَوا لحركة 25 يناير هم عملاء مأجورون، ومن يقول إن الأمر كله كان من تدبير المخابرات الأمريكية أو الموساد الإسرائيلى أو الإخوان المسلمين أو هؤلاء مجتمعين.
أنا أقول، لقد كنا قبل 25 يناير 2011 نكاد نحتقر أنفسناـ نردّد فى همّ وغمّ، ما هذا الهوان؟ كيف نسكت على كل هذا الفساد المستشرى وكل هذا التخلـّف والتردّى الذى ينحدر بنا إلى قاع بلا قرار؟ وأقول، ليكن أن المخطّط الذى وضعه المتآمرون كان بوحى وتدبير من كبير أبالسة الجحيم. ليكن كل هذا. لكن حين بدأ التجمّع الذى دعا إليه الأبالسة، انضم إليه بعض ممن كانوا يشعرون بالهوان لما حاق بنا. رفعوا أولا شعار: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية". وحين رأوا الجموع الكبيرة من حولهم، وحين واجهتهم السلطة بالتعالى والصلف، ارتفعوا بمطالبهم حتى نادوا: "الشعب يريد إسقاط النظام" وحتى وجهوا الخطاب إلى رئيس الدولة آنذاك قائلين: "ارحل!"
ولسبب سيظل المؤرخون يتجادلون حوله عقودا وقرونا، رحل مبارك. وتولى المجلس العسكرى السلطة، وحدثت أحداث. رأينا أفراد الشعب يعتلون ظهر دبابات الجيش يعانقون جنودها. ورأينا مدرّعات الجيش تسحق مواطنين أبرياء مسالمين. ورأينا انتخابات مجلس الشعب يفوز فيها كثيرون من الإخوان المسلمين وغيرهم من التيار الدبنى. ورأينا انتخابات الرئاسة تتفتـّت فيها القوى المدنية وننتهى إلى الخيار بين من يمثل العودة لما مضى ومن يمثل الانزلاق إلى الثيوقراطية. ولن أطيل فى هذا. انتهينا إلى مرسى رئيسا.
كان أخوف ما يخافه بعضنا أن ينجح الإخوان بما لهم من مال وعقول وتنظيم فى أن يعالجوا الاقتصاد العليل وأن يلبّوا بعض الحاجات المُلِحّة لجماهير الشعب المطحونة. لكن الإخوان، فوق كل عيوبهم الظاهرة والخفيّة، أثبتوا أنهم أغبياء قصار النظر. ومرة أخرى حدث ما حدث. ومرة أخرى أقول إنى لا أملك جهاز مخابرات، ولست حتى ممن يهتمون بمتابعة الأمور ومعرفة خلفيات ما يحدث، وليس عندى تصوّر أو تفسير لما حدث. لكننا وصلنا إلى نقطة سيكون بعدها حتما ثمّة تغيير.
لا أحد يملك أن يقول فى يقين ما إذا كان التغيير سيكون للأحسن أم للأسوأ، فالتاريخ لا يمضى أبدا فى خط مستقيم، ولا أحد يمكن أن يُلِمّ بكل المجاهل وكل العوارض التى تكتنف مساره وتؤثـّر فيه. لكنى أعرف أن بعض الأبرياء الأنقياء الذين دخلوا فى غمار جموع 25 يناير، وأيا كان وضعهم وأيا كان ما أحاط بهم ومن أحاط بهم، بعض أولئك الأبرياء الأنقياء بذروا بذورا، أشبه بذلك الحَبّ الذى تكلـّم عنه يسوع الناصرى فى إحدى أمثولاته — ومعذرة فأنا لا أستطيع أن أنسلخ من مسيحيّتى التى نشأت عليها وأنا طفل صغير، وإن كنت أرفض كل ما أهالته الكنيسة على تعاليم المسيح من معتقدات غيبية ولاهوتيات لاعقلانية. قال يسوع فى أمثولته ما معناه إن الزارع خرج حاملا الحَبّ ليزرع، فسقط بعض الحبّ على الطريق وسقط بعضه بين الشوك والحَسَك وسقط بعضه على صخر صلد وسقط بعضه على الأرض الطيّبة؛ ما سقط على الطريق أكلته الطيور وما سقط بين الشوك والحسك خنقه الشوك والحسك وما سقط على الصخر أحرقته حرارة الشمس وما سقط على الأرض الطيّبة أثمر ثمرا طيّبا.
ما نثرته القلوب النقيّة الطيّبة من حَبّ قد يسقط بعضه على أرض طيّبة فيثمر ثمرا طيّبا. — متى؟ أين؟ كيف؟ لا أحد يملك أن يقول فى يقين، فالتاريخ أبدا لا يسير فى خط مستقيم.
لا أحد يعلم إذا كنا سنمضى من هنا إلى ما هو أحسن أو إلى ما هو أسوأ، لكنى أعرف أن على كل واحد منّا أن يكون أمينا لحلمه وأن يعمل ما يوحى به إليه حلمه، وإن كان يعلم أنه لا يمكن أن يوقن بما سيكون. فالتاريخ لا يمضى أبدا فى خط مستقيم، وكم من خير أنتج شرّا وكم من شرّ أنتج خيرا.
عن نفسى، أنا سأقتفى أثر كانديد ڤ-;-ولتير، سأرعى حديقتى الصغيرة.
عزيزى القارئ، كتبت هذا وأنا مريض مريض مريض، فاعذرنى وسامحنى على ما فيه من خَرَف، لكن قيل قديما: قد تؤخذ الحكمة من أفواه المجانين.
مدينة 6 أكتوبر، مصر، 20 يناير 2014
http://khashaba.blogspot.co








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذي
samir soliman ( 2014 / 1 / 20 - 18:07 )
انك اكتشاف رائع لي

اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا