الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس كل مَن يدّعي الإسلام صادقٌا!

مجيد البلوشي

2014 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



بقلم: الدكتور مجيد البلوشي

نعم، ليس كل مَن يدّعي الإسلام صادقاً، وما أكثر مثل هؤلاء المسلمين، أو الإسلاميين، الذين يندرجون تحت تسمية المنافقين، إسلامياً, ولا نقصد هنا بـ"المنافقين" فقط هؤلاء الذين ينادون بقولٍ، ويفعلون ضدّ هذا القول نفسه، بل نقصد هؤلاء الذين ينادون بالإيمان بمذهب ما وبحماسة شديدة، وهم لا يعرفون أبسط ما جاء في هذا المذهب، وذلك لأجل منفعة سياسية أو اقتصادية أو غيرهما. وهذا ما هو حاصل بالضبط بالنسبة للقياديين في الدولة الإسلامية المسمّاة "جمهورية باكستان الإسلامية" والتي أقامها المسلمون الهنود بإيعاز من المستعمرين البريطانيين للهند عام 1948 م، وذلك بهدف إضعاف جهورية الهند بتقسيمها إلى دُويلات مختلفة. ولأنها، أي جمهورية باكستان الإسلامية، دولة مصطنعة تم تشكيلها قسراً من عدة قوميات هي البنجاب والبلوش والبتان وغيرها، والتي تختلف من حيث اللغة والعادات والتقاليد والبُعد التاريخي لكل منها، ولا يربطها أي رابط غير الدين الإسلامي والحدود الجغرافية، وهما عاملان لا يكفيان لتكوين أُمـّة أو دولة موحّدة. ولذا كان لا بدّ من فقدان الولاء لها، بل وانتشار الفساد والارتشاء وبيع الضمير في هذه الدولة منذ إنشائها، ، نعم منذ إنشائها قبل أكثر من 65 عاماً، إلاّ أن الأمور لمْ تكُن آنذاك واضحة تماماً كما هي في عصرنا الراهن الذي يتـّسم بوجود وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة والمنتشرة في جميع أرجاء العالم كـ"الإنترنيت" و"الفيس بوك" والـ"تويتر" و"الواتس أب" وغيرها.

وليسمح لنا القُراء الأعزاء أن نسرد لهم الحكاية التالية تصديقاً لما قلناه آنفاً عن الفساد في جمهورية باكستان الإسلامية:
لقد كان لدينا طالب يتلقى الدروس الخصوصية في اللغة العربية، وكان باكستانياً يحمل الجنسية البريطانية ويعمل مديراً لأحد أقسام مصرف فيصل الإسلامي في البحرين في نهاية التسعينات من القرن الماضي (1997-1999 م). وفي أحد الأيام قرأنا في الصحف أن جمهورية باكستان الإسلامية قد جاءت في المرتبة الثالثة في "قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم" والتي نشرتها منظمة الأمم المتحدة. فسألنا طالبنا الباكستاني المذكور ما إذا كان قد قرأ ما تناقلته الصحف عن ذلك، فأجاب قائلاً: نعم، قرأتُ ذلك، وهو أمر ليس غريباً بالنسبة لباكستان، ولكن سأقول لك نكتة وهي أن الشعب الباكستاني عندما علم أن رُتبته في الفساد قد جاءت ثالثة من بين عشر دُول اختارتها منظمة الأمم المتحدة، قام هذا الشعب بمسيرة رهيبة وواسعة في جميع أنحاء باكستان، متجهة إلى قصر الرئاسة حيث يقيم رئيس الدولة، وقالوا له أن هذه الرتبة الثالثة إهانة لهم، بل هي عار على جبين دولتهم الإسلامية. فما كان من الرئيس إلاّ أن يقول لهم" لا تقلقوا كثيراً، فإنكم سوف تنالون المرتبة الأولى في المرة القادمة إن شاء الله" !

هل فهمتم مغزى تلك الحكاية؟

كل ذلك معروف لدى القريب والبعيد عن دولة باكستان الإسلامية التي تعتبر القرآن المجيد دستورها – شأنها شأن جميع الدول الإسلامية - أو هكذا ينبغي أن يكون - أمّا ما هو غير معروف، أو ما هو غير مُعلن، فهو أن قادة هذه الجمهورية الإسلامية والمسؤولين الحكوميين، وغير الحكوميين، فيها لا يفقهون شيئاً ممّا جاء في دستورهم، وهو القُرآن المجيد الذي يؤمنون بما جاء فيه باعتباره كلام الله. وخير مثال على ما نقول هو ما جاء في أحد البرامج التلفزيونية لـتلفزيون باكستان PTV الرسمية قبل سنوات، وكان موضوع هذا البرنامج هو "شُرب الخمر ومضاره، وشارك فيه أحد رجال الدين، وأحد الأطباء، وإحدى الناشطات الاجتماعية. فأخذ رجل الدين يذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالخمر، قائلاً بأن "شارب الخمر في الدرك الأسفل من النار" (وتناسى أن هناك آية قرآنية تقول أن في الجنة "أنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَـذّةٍ لِلّشارِبِيْنَ"، الآية 15 من سورة "محمد"). ثم أخذ الطبيب يبيّن مضار الخمر من الناحية الصحية كالإصابة بتليّف الكبد، وقرحة المعدة (وتناسى أن الخمر يقضي على الكثير من البكتريا الضارة الموجودة في جسم الإنسان، ويصفـّي الدم والبول من الكثير من البكتيريا والجراثيم). ثم أخذت الناشطة الاجتماعية تذكر مضار الخمر من الناحية الاجتماحية كالمعارك بين الأصدقاء وغير الأصدقاء، وحوادث الطلاق بين الأزواج والزوجات، وحوادث المرور، وغيرها بسبب شُرب الخمر. وفي نهاية البرنامج قام المذيع التلفزيوني بالقول بأن "ما نستنتجه من كل ذلك هو واضح جداّ، وهو أنه لا توجد في الخمر أية منفعة إطلاقاً، بل هي أضرار في أضرار ليس إلاّ".

ونحن نسأل: ألا يناقض هذا الاستنتاج مع ما جاء في القرآن في الآية 219 من سورة البقرة, القائلة: "يَسْألُوْنَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسَرِ، قُلْ فِيْهِمَا إثْمٌ كَبِيْرٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ، وَإثْمُهُمَا أكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا". نعم فيهما "إثمٌ" (لاحظوا صيغة المفرد)، أي إثمٌ واحدٌ، ومنافع للناس (لاحظوا صيغة الجمع)، أي منافع كثيرة أو عديدة، وليست منفعة واحدة. أليس هذا عاراً لِمَن ينادون بالدين الإسلامي، بل أليست هذه إهانة للدين الإسلامي أساساً، وذلك مِن قِبل تلفزيون جمهورية باكستان الرسمي الذي يشاهده أكثر من 50 مليون شخص في داخل هذه المجمهورية الإسلامية وخارجها؟ فالقرآن يقرّ بأن في الخمر مضرة كبيرة (ولايحدّد ما هي)، ومنافع (عديدة أو كثيرة)، إلاّ أنه لا يقول بأن الخمر ليست فيه أية منافع بصورة مطلقة كما يقول مذيع برنامج التلفزيون الباكستاني المسلم.

ذلك أمر قد مضت عليه سنوات عديدة، أمّا ما يجري في وقتنا الراهن – وقت انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فهو أمر لا يمكن غضّ النظر عنه ألبتة، فها هم مجموعة من الباكستانيين يعدّون برنامجاً تلفزيونياً وثائقياً ينتقدون فيه إثنين من الأشخاص القياديين في جمهورية باكستان الإسلامية، بل يستهزؤون منهما، لأنهما عاجزان عن قراءة إحدى السُور الصغيرة من القرآن، وهي سورة "الإخلاص"، بصورة صحيحة. فها هو السيد رحمان ملك، وزير داخلية جمهورية الإسلام الباكستانية (سابقاً، أي قبل شهر مايو 2013 م حيث تم تسجيل ما قاله في إحدى المناسبات التي تناقلتها وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة) لا يستطيع قراءة سورة "الإخلاص" قراءةً صحيحة حيث يقول بلكنته الركيكة "كُل هو اللاهو اهاد، اللاهُ سماد ولمْ يولاد وكونو اهاد...." فيضحك المجتمعون، فيكرّر ذلك ثلاث مرات ولكن دون جدوى، وذلك بالرغم من أن المصحف الشريف كان مفتوحاً أمامه في ذلك الحين. فهل سمعتم، أو قرأتم، عن فضيحة أكبر من هذه الفضيحة الدينية-السياسية؟ ليس ذلك فحسب، بل أن معدّي البرنامج قد أتوا بببغاء يقوم بقراءة نفس سورة "الإخلاص" بصورة كاملة، بل ينتهي منها بالقول "صدق الله العظيم" وبترتيلٍ عجيب.

وحدث نفس الأمر مع السيد اعتزاز أحسن، وهو أحد القضاة المرموقين وأحد السياسيين الباكستانيين المشهورين، الذي بدأ يقرأ نفس سورة "الإخلاص" في إحدى المناسبات وبنفس اللهجة الركيكة، ولكنه عجز عن استكمال السورة بصورة صحيحة، فما كان من الجمهور إلاّ أن يضحك ويستهجن ما يراه ويسمعه. علماً بأن سورة "الإخلاص" هي واحدة من أصغر سور القرآن. وهذا ما قالته مجموعة من مذيعات الأخبار في هيئة التلفزيون الرسمية لجمهورية باكستان الإسلامية. ثم أن هذه السورة قد حفظها – بل ينبغي أن يحفظها - كل مسلم عن ظهر قلب منذ طفولته لأنه يرددّها عادةّ عند كل صلاة. أليس كذلك؟

والبرنامج المذكور الذي أعدّه الشباب الباكستانيون يدور حول شخصين قياديين فقط، أما ما هو مخفي بالنسبة للأشخاص القياديين الآخرين فقد يكون أعظم!

والطامة الكبرى هي أن إحدى ممثلات الأفلام الهندية، وهي الممثلة سُشميتا سين، تقوم في إحدى المناسبات، بقراءة سورة "العصر" – ولو بلكنة ركيكة – بصورة كاملة، بل بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية أمام الجمهور، قائلةً بأنها مُعجبة بما جاء في هذه السورة. علماً بأن هذه الممثلة هي من الممثلات الكاشفات العاريات، وهي هندوسية الديانة، أي أنها كافرة وزنديقة، إذ أنها لا تؤمن بإله الإسلام ولا باليوم الآخر، فهي تستحق قطع الرأس حسب الشريعة الإسلامية وانطلاقاً من الآية القرآنية (المعروفة بآية السيف) القائلة " قَاتِلُوا الّذِيْنَ لاَ يُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ ..." (سورة التوبة, الآية رقم 29), فهي لا تؤمن بالإسلام إطلاقاً, إلاّ أنها معجبة بسورة "العصر" كما تقول، ولذلك حفظتها عن ظهر قلب، ولا يمنعها أحد من ذلك، وذلك لأنها مواطنة هندية، أي أنها تنتمي إلى دولةٍ علمانية تفصل الدين عن السياسة، أي عن الدولة والمدرسة، وتحترم جميع العقائد والأديان.

ماذا نريد أن نقول؟
نريد أن نقول: كفاكم نفاقاً، وكونوا علمانيين وكفى، إبعدوا الدين عن السياسة، إبعدوه عن الدولة والمدرسة، وسيسود على الدنيا الأمن والسلام.


الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]

18 يناير 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجبهة الشعبية الجديدة تعد -بالقطيعة التامة- مع سياسات ماكرو


.. كيف نتغلب على الحزن بعد وفاة شخص عزيز؟ • فرانس 24 / FRANCE 2




.. تحالفات وانقسامات وجبهات.. مشهد سياسي جديد في فرنسا


.. بعد اكتشاف -أسماء الفيل-.. هل للحيوانات وعي ومشاعر يجب مراعا




.. بايدن وزيلينسكي يوقعان اتفاقية أمنية مشتركة على هامش قمة الس