الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جزء من المشكلة لا الحل..!!

حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)

2014 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


صدر للدكتور صائب عريقات كتاب بعنوان "المفاوضات بين روجر وعلي". ونقلت عنه صحف ما مفاده أن الكتاب "يعد بداية متواضعة لطرق باب كبير، وفاتحة لتعريف أبنائنا بتراثنا وتاريخنا، فالأمم تنهض بفكرة، وتنهار بفكرة".
لم أقرأ، للأسف، الكتاب المذكور، لكنني بحثت عن روجر فيشر، على الإنترنت. وبما أنني لست خبيراً لا في المفاوضات، ولا في القانون، فإن الفكرة العامة التي تستهدف هذه المقالة طرحها تتمثل في فرضيتين، وكلتاهما عابرة للتخصص في هذا العلم أو ذاك.
الأولى أن "تعريف أبنائنا بتراثنا وتاريخنا"، ليس جديداً، بل هو أمر شائع في العالم العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقد تحوّل على يد الدولة الوطنية، في عهد ما بعد الكولونيالية، إلى المحرّك الرئيس للعملية التعليمية، والتربوية. فكانت النتيجة تمركز مرضي على الذات، وتكريس لجروح نرجسية كثيرة، وحيرة بين ماض يبدو في الكتب المدرسية كاملاً، وحاضر منقوص. فالعربي يتعلّم عن ابن سينا، وعن الفتوحات، وعن تقدّم العرب في هذا الأمر أو ذاك، وكيف سبقوا الغرب بقرون، ويرى إلى حاضره المثقل بالهزائم.
ومن الطرائف أن أوائل المنوّرين العرب، عندما جوبهوا بالتفوق الساحق للغرب، ليس في العلوم وحسب، ولكن في القيم والأخلاق، أيضاً، لفّقوا فكرة أن الغرب أخذ القيم الإسلامية وطبّقها، فتقدّم، بينما تجاهلها العرب والمسلمون، فتدهورت أحوالهم.
لم تنجم الهزائم، في الواقع، عن الفشل، أو التقصير، في تعريف "أبنائنا بتراثنا وتاريخنا"، بل نجمت عن تضخيم التراث والتاريخ، وتلفيقهما، بدلاً من القراءة النقدية لكليهما. أما أعلى مراحل هذه العملية فتتجلى اليوم في الأصوليات الدينية، والقومية، التي تريد استعادة الماضي، حتى بلغته، وثيابه، وسلوكه، على الرغم من اختلاف الأزمنة، ومن حقيقة أن هذا الماضي لم يخضع لقراءة نقدية، لتحرير الأحياء، من الوقوع في أسره.
وقد كان إدوارد سعيد فصيحا وصريحاً في نقده لتمركز الدولة الوطنية، في المستعمرات السابقة، بعد الاستقلال، على نفسها، وتوليف هوياتها، أو جماعاتها المتخيّلة بطريقة ملفة، وتركّز نقده في هذا السياق على مناهج التعليم. وبهذا، كان امتداداً لبندكت أندرسون.
أما الفرضية الثانية فتتمثل في حقيقة أن الأمم تنهض بالقطيعة، لا بالاستمرارية. ولنا في النهضة الأوروبية، مثال يستدعي التفكير والتدبير. فقد عاد ممثلو النهضة إلى العهدين الإغريقي والروماني، لإعادة الاعتبار إلى الحسي، والدنيوي، الذي حاولت الكنيسة إخراجه من الحياة العامة. وحتى في تاريخ العلوم، ومن بينها علم السياسة، فإن النهضة، أو الاكتشافات الجديدة، تنجم عن نقض ونقد السائد، والمعروف، والمألوف، أو تنجم، أحياناً، عن طريق الصدفة، ومن لا يصدق فليعد إلى تاريخ العلوم لتوماس كون.
لذلك، مشكلة أبنائنا ليست في عدم معرفة التراث والتاريخ. وإذا كان ثمة مشكلة فتتمثل في حقيقة أن تراثنا وتاريخنا لم يكن من صنع العرب وحدهم، بل شارك فيه الفرس، والترك، وأقوام غيرهم. لكن التمركز العروبي القومي على الذات شطب كل هؤلاء، واحتفظ للعرب بالدور الوحيد، والرئيس. ولعل مراجعة سريعة "لقوميات" و"أقوام" العلماء، والشعراء، والمفكرين، الذين صنعوا ما نطلق عليه اليوم تعبير "الحضارة العرية ـ الإسلامية" تعيدنا، قليلاً، إلى ضرورة الاعتراف للآخرين بالفضل.
وهذا ليس من باب حسن الأخلاق، بل من باب "تعريف أبنائنا" بحقيقة تعددية الجهد الإنساني، وعدم وجود حضارات فريدة ومتفرّدة، فكل حضارة نشأت في الكون نجمت عن امتزاج أقوام، ولغات، وثقافات، وكل علاقة صحية وصحيحة بالماضي يجب أن تعترف بتعددية الماضي.
فينا من الغرب أكثر مما يدرك الغرب، أو حتى يريد أن يعترف. وفي الغرب منّا أكثر مما يدرك، أو يعترف. هذا الكلام لإدوارد سعيد، الذي تبلورت نظرته الفكرية من خلال قناعة بوحدة التجربة الإنسانية، وبحقيقة أن لا أحد يستطيع يكتب تاريخاً فريداً يستقل به عن تواريخ وتراث الآخرين. فتاريخ بريطانيا، في الأزمنة الحديثة، لن يكتب دون تاريخ الهند، وتاريخ العالم العربي لن يكتب دون تاريخ الغرب.
أخيراً، لشخصية علي بن أبي طالب دلالات دينية وسياسية، واختلاف التأويل يكفي، في هذه الأيام لإشعال حرب أهلية. وإذا لم يصدق أحد فلينظر إلى الحرب الأهلية في العراق وسورية، حث يُستعاد الماضي، باعتباره وسيلة أيديولوجية للتحريض والتجييش، وفي هذا كله ليس لعلي ابن أبي طالب لا ناقة ولا جمل.
مسألة أخيرة. كل ما يُكتب في زمن بعينه، سواء جاء في صورة نصوص أدبية، أو سياسية، يمثل في الواقع نصاً واحداً، ويمكن أن يُقرأ على هذا النحو. وهذا النص وثيق الصلة بزمنه. وما يكتب اليوم، في العالم العربي، سواء جاء في صورة مرافعات "أكاديمية"، أو سجالات سياسية، أو أخيلة أدبية، يمثل انعكاساً لواقع يتسم بانسداد الأفق، والبوار التاريخي والحضاري، وما ينجبه هذا وذاك من الرضّات النرجسية.
وبهذا المعنى يعود التاريخ، ويُستعاد، لا باعتباره ما كان، وما لا يمكن أن يكون، فما مضى لا يعود، بل يعود ويُستعاد كجزء من السجال حول هوية حاضر انتقلت فيه الأصولية من الهامش إلى المتن. لذلك، تراثنا وتاريخنا، كما أعادت توليفهما الدولة الوطنية، في المستعمرات السابقة، جزء من المشكلة، لا الحل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية معبر رفح لسكان قطاع غزة؟ I الأخبار


.. الالاف من الفلسطينيين يفرون من رفح مع تقدم الجيش الإسرائيلي




.. الشعلة الأولمبية تصل إلى مرسيليا • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لماذا علقت واشنطن شحنة ذخائر إلى إسرائيل؟ • فرانس 24




.. الحوثيون يتوعدون بالهجوم على بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة ا