الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-

محمد عمامي

2014 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يصرّ محترفو السياسة في بلادي على تحويل وجهة ثورة المحرومين من مواطني الجهات والأحياء والقطاعات المحرومة وعلى إنتاج مسخ لها من صنع أجهزة الكذب المنظم والتشويه الممنهج. وهي أجهزة متشابكة ومتنوعة تتفاوت خطورتها حسب قوة صداها وقدرتها على المخاتلة والتعتيم وبث البلبلة. وبطبيعة الحال يحتل الإعلام الرسمي الدولي والعربي والمحلي المرتبة الأولى بما لديه من إمكانات وتمويل وقدرة تكنولوجية وجيش من "الخبراء" في كل الميادين. تليه أجهزة الأحزاب والمنظمات التي تشارك الرأسماليين وخدمهم في التوافق حول تلك المهمة، مهمة عزل"فوضى" الدهماء وتجاوزات المتمردين عن نواميس وأعراف "العملية السياسية" السلمية والمعقولة. وهي عملية تقوم على التوافقات الكبرى لتنظيم لعبة التباري بين السياسيين ضمن أرضية "قانونية" متفق عليها سلفا عبر حوارات المقاسمة والتقيد بأطر وضعها كفلاء الثورة المسخ من قوى الهيمنة على المستويات الدولية والإقليمية.

بعض الملاحظات حول الموضوع أسوقها على وجه السرعة لعلها تساهم في دفع نقاش تأخر كثيرا رغم كونه مصيريا وضرورة أوّلية لدفع المسار الثوري نحو تحقيق رهانات الطبقات والشرائح الاجتماعية التي أطلقته:

1/ اختزال الثورة الاجتماعية ( وهي بالضرورة ثورة شاملة تشمل كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية) في ثورة "ديمقراطية" ومن ثمّ اختزال المسار الثوري الجاري وأهدافه إلى "مسار انتقال ديمقراطي" لا يمس جوهر المنظومة الرأسمالية الوحشية المسؤولة الرئيسية عن فقر وبؤس ومرض وجهل الشعب التونسي وعذابات القطاعات والجهات والأحياء المحرومة المنتفضة، وكذا الأمر بالنسبة لباقي البنى الاجتماعية البالية التي تعيق تطور المجتمع وتحرره من التخلف والجهل والهامشية.

2/ ينجر عن هذا الاختزال اختزال أخطر لمطالب الشعب إلى مجرد إعادة تهيئة "ديمقراطية" وفاقية فوقية مغشوشة لنفس النظام الذي هبّ الشعب من أجل قلبه قلبا جذريا وتركيز مكانه بديل اجتماعي قائم على العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة لجميع المواطنين.

3/ الدفاع عن الدولة البوليسية المسؤولة عن عقود من القمع والمشرّع الرئيسي للنهب والاضطهاد بشتى أنواعه الاجتماعية والفكرية والدينية والجهوية إلخ، والمدافعة عن مصالح كبار المستغلين الأجانب والعرب والمحليين بشتى طرق القهر والتركيع.

4/ التمسك بالمركزية المراتبية وحصر الحكم في طغمة قليلة العدد من السياسيين المتنفذين المتحدرين من سلالات سياسية تربت في هياكل الدولة والأحزاب والمنظمات بدعوى الكفاءة والاختصاص والخبرة. وكأنهم ولدوا ليحكموا وولد البقية ليطيعوهم.

5/ تحضير إطار دستوري وتشريعي جديد في شكله، قديم في محتواه، ينظم عملية إقصاء شباب الثورة ونسائها وكهولها عن دائرة التسيير والتصرف في ما يهم حياتهم العامة والخاصة وذلك بحصر "ديموقراطية" الانتخابات في نطاق القوى السياسية المنضوية تحت غطرسة الكفلاء الممولين، وهو ما سيكرر نفس النظام ببعض الرتوش الشكلية، ويمهد لبسط جديد لسيطرة الدولة عن المجتمع وتشريع القمع باسم الشرعية الدستورية لتصفية ما تبقى من المسار الثوري.

6/ الهراء حول "حلول" سحرية "لأزمة" اقتصادية واجتماعية خانقة، وتتلخص تلك الحلول في بعض "الإجراءات المؤلمة"و"تقاسم التضحيات" و"هدنة اجتماعية" في كنف الوحدة الوطنية باعتبار أنها أزمة قدرية أصابتها جميعا بفعل قوى شر خارج سيطرتنا لا بوصفها أزمة نهب وتفقير مطلق واعتداء وحشي على الشعب ومقدراته وثرواته من قبل غزاة مسلحين من جميع الجنسيات تجمعهم شراكة طبقية متضامنة وتحميهم الدولة القائمة نفسها، وهي في الحقيقة أزمة نظامهم وثمرة جشعهم وجنونهم، تحلّ بالإطاحة بسيطرتهم واستعادة المنهوب وتوزيع ثماره توزيعا عادلا بين المواطنين.

7/ التعتيم الكامل على خيرات وثروات البلاد التي تكفي لإعالة أضعاف عدد الشعب التونسي إذا ما وقع استعادتها من أيدي النهابين وعُهد بتسييرها والتصرف فيها للشعب نفسه عبر لجان قطاعية ومحلية وجهوية منتخبة انتخابا مباشرا للغرض لا للتحكم في مصائر المواطنين، وتكون خاضعة للمحاسبة والعزل متى اقتضى الأمر ذلك؛ وهو ما يتعارض مع مجرد "تأميمها" ووضعها من جديد بأيدي حفنة من السراق نصبوا أنفسهم بحيلة انتخابية شكلية كمتصرفين فيها نيابة عن الشعب، وهو المدخل الأمثل لعودتها بين أيدي النهابين.

8/ التذرع بالفقر والغرق في المديونية الخارجية ومحدودية الموارد الطبيعية لتبرير التبعية والارتماء في أحضان المستعمرين الجدد والتفريط في سيادة الشعب عن أرضه وما تحتها، وعن مجمل ثرواته ومرافقه واستقلاله وهي أكاذيب تخفي حقيقة النزيف الهائل من الأموال والثروات المهربة للبلدان الامبريالية والرشاوي والعمولات التي يكسبها العملاء من جراء مشاركتهم في ذلك النزيف.

9/ إن تشابك مصالح الوكلاء الاستعماريين مع العملاء والمرتشين و"الشركاء"، كبارهم وصغارهم، هو ما يرسي ستارا كثيفا من المغالطات ويحرف وعي المنتفضين ويبث البلبلة في صفوفهم حول أهداف ثورتهم ويصنع رأيا عاما غارقا في ما هو ظرفي وفوري ومحدود النتائج باسم الواقعية ومقتضيات المرحلة وأولوية الأمني و/أو الهوية واستقرار الدولة...

10/ لم يعد، إذن، النهابون يكتفون بقوة الدولة أو بعض الأحزاب الكبرى كمرتكز للاستعمار والتبعية والنهب بل أصبحت ترتكز أيضا،وفي نفس الوقت، على مجرّة من القوى السياسية المعارضة والمتعارضة وأكثر من ذلك على حركات اجتماعية وحقوقية وثقافية وإعلامية ومنظرين وخبراء وغيرهم في ما يدعى بالمجتمع المدني كي تخلق حالة من الاستقرار والمراوحة والتواطؤ حول "بديهيات"أو "معايير دولية" أو "قيم كونية" إلخ، تصب جميعها في خانة استعادة كل نفس ثوري جماهيري وكسر تجذره على صخرة تلك "الأرضية"المتواطئ عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا