الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة السورية والمسألة الوطنية

عفيف رحمة
باحث

2014 / 1 / 22
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


جاءت الأزمة الوطنية في سوريا فرصة تاريخية للقوى والحركات السياسية لتستعيد حضورها الشعبي ولتساهم بدورها في تغيير النظام السياسي الذي إحتكر السلطة خلال العقود الأربع الأخيرة سعياً لترسيخ سلطة الفرد التي أسس لها في دستور 1973، ثم أعاد إنتاجها في دستور عام (2012).
غير أن هذه الأحزاب والقوى أظهرت من العجز الفكري والسياسي والتنظيمي ما يكفي لتبقى في عهدة الحزب الحاكم الذي استثمرها كوسيلة من وسائل بقائه وتبرير نهجه الإستبدادي ولتكون الحصن الذي يحتمي به لمناهضة التطلعات الشعبية وتحركاتها التي طالبت بالحرية والعدالة والمساواة.
تاريخياً تمكن الحزب الحاكم، بحكم موقعه في دستور (1973) وبفعل حنكة أجهزته الأمنية، تمكن من إستثمار الأزمات الموضوعية (فكراً وسياسياً) لمجمل الحركات والقوى السياسية القومية والوحدوية والإشتراكية ونجح في التلاعب بقياداتها والمساهمة في تطوير وتعميق خلافاتها البينية، خلافات ساهمت بدورها في تقسيم قواعدها والدفع بها نحو انقسامات متسلسلة ومتتالية.
عجز تمثل بعدم فهم العلاقات الدولية الجديدة (الإقتصادية والسياسية) التي نشأت عقب انتهاء الحرب الباردة وما رافقها من تفكيك للإتحاد لسوفييتي ومعسكره الإشتراكي، وعدم القدرة على التعامل مع النظم الإقتصادية الجديدة (الرأسمالية الجديدة ورأسمالية اللاحدود).
في واقع هذا العجز البائس قبل فريق من الأحزاب السير في فلك النظام حيث تاه بين شكلانية شعاراته السياسية (القومية) التي أطلقها لتسهيل إستئثاره بالسلطة وحقيقة ممارساته ونهجه الإستبدادي المرتكز على الفساد والقمع السياسي والإجتماعي.
وإذا وجد من المبررات الذاتية والموضوعية ما يفسر عجز هذه الأحزاب التي قبلت السير في فلك النظام، فإن من أخطر ما تمر به الساحة السورية عدم قدرة أحزاب المعارضة "الشعبية" و "الديمقراطية" و "اليسارية" على تحليل بنية النظام وتعرية طبيعته الطبقية الخاصة.
ما أفادت به الأزمة، وما أكده سلوك وممارسات رموز النظام، أن الصراع لا يجوز أن ينظر إليه بمنظور الصراع حول الرؤى والسياسات، بل من منظور الصراع حول الوجود الوطني، فالممارسات السياسية والإقتصادية للنظام خلال عقود حكمه، جاءت مخالفة بالإتجاه لمنحى استحقاقات التحرر الوطني، ومغايرة لمستلزمات تعزيز مؤسسات الدولة الوطنية الفتية التي نشأت بعيد الإستقلال.
كان يفترض من نظام يحمل لواء التقدمية ... والمقاومة... أن يعزز استقلالية البنى الإقتصادية الوطنية الناشئة (صناعة وزراعة) ويعزز تلاحم البنية الإجتماعية وتحريرها من بقايا فكر الطوائف والقبائل والإثنيات، ذلك بتوظيف الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية كرافعة لإستكمال بناء الدولة الفتية بمكوناتها المختلفة، إلا أن منهجه (تحديداً في العقد الأخير) جعل سوريا في حالة دوران دائم في فلك التبعية لبعض الدول الإقلييمة والمنظومات العالمية.
فرغم كل البهرجات اليسارية التي مارستها السلطة للقول بأنها من طلائع حركات التحرر الوطني والصراع مع الصهيونية والإمبريالية، فإن رؤية وبرامج وسياسات وممارسات قاعدة حكم النظام لم تأتي إلا ضمن سياق برامج واستراتيجيات "رأسمالية اللاحدود" التي أتقنت توظيف دول وأنظمة وسياسات العالم النامي و"الدول في طريق التطور" كروافع لتنفيذ سياساتها الجديدة.
إن من أهم الدروس التي استقتها دول الغرب الرأسمالي في حربها العالمية الثانية ضرورة إخراج صراعها وتنافسها من داخل أرضها إلى خارجها، وذلك بخلق نظام عالمي جديد يتم فيه إعادة تقسيم العمل وتوزيع عمليات الإنتاج وفق منظومة سياسية-إقتصادية جديدة، تتم بموجبها إعادة ترتيب دوائرها المالية والسياسية ونقل جزء من منشآتها الإقتصادية والإنتاجية إلى الدول الفقيرة والدول السائرة في طريق التطور الإقتصادي، للإستفادة من توافر المواد الأولية وتدني قيمة قوة العمل وإنخفاض نفقات الضمان الصحي والإجتماعي وبدائية النظام الضريبي، وضعف الشفافية وغياب التنافسية وإمكانية تطويع التشريعات بما يتوافق مع مصلحة رأس المال ...
هذه الرؤية الجديدة في إدارة رأس المال أعطت المنظومة الرأسمالية حياة جديدة ومنحتها قوة البقاء والتجدد والإستمرار، وسمحت لها بإعادة السيطرة على خيرات الدول والأسواق العالمية.
مقابل هذا التحول في بنية المنظومة الرأسمالية كان لا بد من تطوير آليات التحكم السياسي والأمني بالعالم، وكما نقلت الدوائر الغربية جزء من مهام عمليات الإنتاج إلى الدول الفقيرة والدول السائرة بطريق التطور، إرتأت أن ترحل بشكل مكافيء جزء من مهام التحكم السياسي والأمني إلى الحكومات المحلية وأجهزتها الأمنية والعسكرية وبعض قيادات الأحزاب السياسية، جاعلة من سلطات أنظمة هذه الدول جزء من منظومة شبكة السيطرة العالمية.
ضمن هذه المهام وتحت شعارات "الهم القومي ومناهضة مشاريع التقسيم" تابع النظام في سوريا ما بدأته بعض حكومات ما بعد الإستقلال، حيث لعبت ولعب دوراً هاماً في خلق الإضطرابات السياسية في المحيط الجغرافي لسوريا: العراق، لبنان، الأردن.
أما على صعيد القضية الفلسطينية فكان الأكفىء في تفكيك وتقسيم فصائلها السياسية والعسكرية، وبراعته في تنفيذ هذه المهمة وازى براعته في إلغاء الحياة الديمقراطية وتغييب الشفافية في إدارة الدولة وجعل الفساد المنظومة الأكثر سيطرت على مرافق الدولة ومؤسساتها.
في هذه المهمة، مهمة التحكم السياسي والأمني، نجح النظام وقاعدة حكمه في تعزيز وترسيخ القمع السياسي وتسخير الدولة بمؤسساتها لصالح الرموز والنخب المرتبطة بالدوائر المالية والمصالح الإقتصادية لدول الغرب الرأسمالي ...
بمعنى آخر نجح النظام وقاعدة حكمه في تنفيذ المهام واستخدام الأدوات التي عملت عليها وبها حكومات الدول الغربية الإستعمارية بغرض توفير الشروط اللازمة لإستمرار هيمنتها على الدول النامية وثرواتها الوطنية.
إن فهماً صحيحاً لطبيعة النظام الطبقي والأخلاقي ودوره السياسي الرئيس في صناعة الأزمة الوطنية كانا كفيلين بزعزعة قواعد حكمه ووضع رموزه أمام المحاسبة الشعبية، إلا أن المعارضة وبحكم ظروف نشأتها لم تستطع أن تجد هويتها بعيداً عن أخلاق النظام وثقافته حيث وجدت في المهاترات والتخوين والتشكيك الثقافة الأيسر في أدائها.

ما يمكن الجزم به أن المعارضة في الداخل توقفت عند البعد السياسي دون أن تولي أهمية للبعد الوطني الوجودي والعميق للدولة-الوطن، حيث اكتفت بالنظر للصراع على أنه صراع سياسي وصراع حول الخيارات السياسية وصراع من أجل تداول السلطة، جاعلة من هذا البعد المنصة التي انطلقت منها من أجل التغيير نحو الديمقراطية والإنتقال من نظام إحتكار السلطة إلى نظام التعددية السياسية.
هذا التركيز على البعد السياسي دون الوطني دفع بهذه الحركات نحو إنزلاقات سياسية وفكرية سهلت على السلطة الحاكمة إعادة إحتواء أو تطويع بعضها و تهميش أو تخوين بعضها الآخر، منهج أفقد المعارضة جزء كبير من شرعيتها الشعبية.
لقد أظهرت الوقائع السياسية وتنامي أحداث العنف والعنف السياسي خطورة تشتت قوى المعارضة، تشتت أعطى السلطة ونظامها فرصة إعادة إنتاج ذاتها بعد أن فتحت الأبواب بضعفها لسيطرة فصائل مسلحة أصولية وجهادية على مساحات جغرافية واسعة من سوريا مما ساهم بتعميق الخسائر الوطنية والدخول بالوضع المذري الذي يعيشه الشعب السوري اليوم.
ها قد أمضت الأزمة الوطنية في سوريا سنواتها الدموية الثلاث وها هي تتحضر اليوم لدخولها مع مؤتمر جنيف 2 عامها الرابع الذي لا تشير المعطيات الدولية والإقليمية والحكومية أنه مؤتمر لخروج سوريا من أزمتها بل ربما مؤتمر بداية شوط جديد من الصراع لن تكون المعارضة فيه بأحسن أحوالها.
مع اقتراب مؤتمر جنيف 2 تظهر أكثر من اي وقت مضى ضرورة وأهمية تجمع قوى المعارضة المدنية... الديمقراطية... المستقلة، بتلوناتها الفكرية المختلفة، لتتوحد بإرادتها حول برنامج وطني يضع الاساسيات الوطنية العليا في مقدمة مهامها، برنامج يعبر عن استقلال السوريين وقدرتهم على أخذ الراية، راية إعادة إستقلال سوريا من هيمنة الدول والقوى الخارجية، الدولية والإقليمية، راية العودة إلى حيث توقفت سوريا بمشروعها التحرري لتنطلق من جديد نحو استكمال مشروع بناء الدولة-الوطن، وطن العدالة والحرية والكرامة، وطن جميع السوريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات عنيفة واعتقال عدد من المتظاهرين المؤيدين لغزة قرب م


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين حاولوا اقتحام الـ-م




.. كلمة عضو المكتب السياسي للحركة أحمد الديين خلال الوقفة التضا


.. عنف الشرطة الأميركية ضد المتظاهرين المتضامنين مع #غزة




.. ما الذي تحقق لحركة حماس والفصائل الفلسطينية من القبول على مق