الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثقافة الجديدة وجديد الثقاف

عقيل الناصري

2014 / 1 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



يلاحظ من تاريخية العراق المعاصر إن بداية القرن العشرين تعد من أولى التحولات الاجتصادية والفكرية واخطرها كما هي فترة من أخصب فترات التطور الفكري وتفكيك الاقتصاد القبلي في الوقت ذاته..إذ كانت حبلى بالافكار والتصورات والآراء التي أسست للفكر السياسي للعراق المعاصر برمته وكانت بمثابة الفترة الجنينية له. إذ تأثرت بمجمل الاوضاع التي سادت داخل العراق وفي المنطقة ومن اهمها: التحول الحقوقي لملكية الأرض الزراعية للعشيرة وتحويلها إملكية خاصة لرؤساء العشائر وأغنياء المدن (الملاك الغائبون)، والتحسن في طرق المواصلات والنقل النهري والتوسع في التجارة الخارجية وزيادة الطلب على الانتاج الزراعي ناهيك عن حركة المشروطية- الثورة الدستورية في إيران (1906) والثورة التركية (1908 ) وغيرها من الظواهر الأراسية الأخرى.
وتاسيسا على ذلك وما نجم من نشوء المركزية الحديثة وما تتطلبها من مؤسسات عنفية ولا عنفية ونظم تعليمية تكسر حواجز عزلة الطوائف والمذاهب والطرق .. مما ينتج عناصر ثقافية ضرورية لذات المركزية والذات الجمعية بجدلية التفاعل معها.، ولما لم يصل الاقتصاد الاجتماعي آنذاك إلى مستوى الكائن لذاته ، فلم يكن الوعي الطبقي قادراً بسبب من طبيعته ذاتها، لا على الظهور بمظهر واضح ولا على التأثير بوعي في الحوادث المصيرية والتارخية .. فالشيء الوحيد الذي كان متوفرا في مثل هذه المجتمعات ليس إنقسامها إلى طبقات بل إلى عصبات بالمعنى الواسع للكلمة من قبيل (قبيلة، ابناء منطقة جغرافية، جماعات حرفية ومهنية) ومن ثم فإن الوعي بالانتماء إلى إحدى هذه العصبات كان وحده سائداً. إن الوعي العصبي بإعتباره عاملاً تاريخياً ملموساً يخفي ويقنع الوعي الطبقي ويمنعه حتى من إظهار نفسه.
ضمن هذه الظروف المتخلفة ظهرت (ثقافة جديدة) من خارج وعي وتجمعات المؤسسة التقليدية.. بل يمكن القول خرج النقيض الجديد وحاول بقوة نشر المعرفة العلمية ذات المنطق البناء.. فكانت مجموعة مجلة (الصحيفة) مجموعة (حسين الرحال) التي أخذت بالتبلور البطيئ، كفكر وتنظيمات، لكنها في حالة ارتقائية عكس الثقافة التقليدية التي أمست في حالة انتكاس تراجعي.. أنهما عالمان متناقضان في القيم وأنماط التفكير ومناهجه، في الإدراك والتصور وفي الماهيات المستقبلية للعراق.
وهكذا تكاثفت منذ الحرب العالمية الأولى، وبصورة أخص بعد (ثورة) العشرين ومن ثم تأسيس الدولة العراقية، جملة من الروافد الفكرية لتهز المجتمع العراقي بصورة عنفية وأحدثت نهوضاً فكرياً وبلورت وعياً اجتماعياً متنامياً في تجلياته السياسية والفلسفية والحقوقية والجمالية. كما أثمرت جهود مجموعة الرحال في توسيع القاعدة الاجتماعية المطالبة بالتغيير من خلال، ولأول مرة، إشراك الاجراء والمهنيين في الخريطة السياسية وكذلك فئة الطلبة. كل هذا ضمن ( الممكن المتاح) آنذاك.
وتأسيساً على ذلك يمكننا القول أن (ثورة) العشرين و ظهور جماعة الرواد الأوائل للفكر التقدمي وبروز التنظيمات المهنية(جمعية اصحاب المهن والصنائع) هي بمثابة اللحظات اللبرالية في العراق المعاصر.. التي أخذت بالإرتقاء والتطور بالتزامن مع التطور الاقتصادي واشتداد النزعة المطلبية لقوى التغيير من مختلف الفئات الاجتماعية. وكذلك في منتصف الثلاثينيات ظهور قوى رديكالية انزلت المفاهيم والقيم المجردة إلى ممارسة عضوية ذات مفعول اجتماعي فعال ومؤثر.. فكان بحاجة إلى تنظير جديد وإلى ( ثقافة جديدة) ونخبة مثقفة تستوعب المتغير الاجتصادي والفكري الذي حصل في عراق منتصف القرن المنصرم ، كما برزت الحاجة إلى وسيلة معرفية تنير الطريق وتساهم في وأد الاستبداد وتدافع عن القوى الاجتماعيةذات المصلحة الحقيقة بالتغيير وتحرث تربته وتساهم في تهيئة ظروفه. على وفق التوجه العلمي والعلماني و التفسير المادي وكذلك التحسس بواقع الطبقات المنتجة وبأغلب الفئات الوسطى التي فرضت وجودها على الحياة العراقية.. حصيلة كل ذلك كانت:
الثقافة الجديدة
التي أحتلت مكانة متميزة، رغم صدورعددان، لفكرها التقدمي ومنهجها العلمي وطرحها لهموم الناس بصورة بعيدة عن التناول السطحي أو التلاعب اللفظي المجرد والخطاب السياسي، حتى إن اغلقها أثار حفيظة جمهرة من الانتلجنسيا العراقية التي عارضت هذا الفعل اللا اخلاقي. لأن سلطة الاستبداد رأت فيها وفي مضامينها ما يفند الآسس الفكرية للنظام السياسي برمته.
لقد مرت الثقافة الجديدة باطوار ومراحل كانت السباقة إلى طرح الرؤية العلمية للظواهر الاجتصادية/ السياسية وقد تجلى ذلك بوضوح في الحقب الجمهورية.. فيلاحظ في الكم الوفير من اعدادها المعالجة الموضوعية لشتى مناحي الحياة.. سواءً العراقية أو/و العربية أو/و الدولية. في الوقت نفسه يمكن رصد حالات لم تساير الثقافة الجديدة سرعة الايقاع في المتغيرات الدولية والاقليمية والداخلية بحيث أنكفأت على ذاتها وعلى فعل التغيير المؤمل منها.. وعكفت على الكتابة والبحث لمواضيع مجردة بل خالية من الروح الحية، بما فيها النقل الميكانيكي لما كانت تطرحه مجلة الوقت ومن ثم قضايا السلم والاشتراكية. كما في مسيرتها في بعض الاحيان، كانت النزعة الحزبية الضيقة طاغية عليها.. مما افقدها بريقاها الثوري والمعالجة الموضوعية للمسائل الملتهبة، إذ في مرحلة منتصف السبعينيات طغت لغة التورية على الخطاب الواضح الذي يميزها.
لكن منذ الثمانيات عادت الموضوعية لها كما عاد الطرح العلمي لمضامينها واحتضنت الرأي الحر، إلى حد كبير، وعادت إلى ماهياتها الحقيقة.. فكانت مدرسة للتثقيف الذاتي في المجالات النظرية والممارسة العملية/ متسمة بالروح الحية لمختلف المواضيع المطروحة سواءً في القضايا البحثية أو/و السردية أو/والفنون. انها تمثل أحد الأسس والمصادر الفكرية لتاريخ العراق المعاصر.. ويمكن للباحث ان يتصفح الاعداد السابقة ومنها ينطلق نحو شرح الواقع العراقي في حراكه الدائم.. كما يمكن الاستدلال على واقع حركة التغيير وقواها الرديكالية بالاخص من خلال ما تطرحه المجلة.
أما مسألة تطوير المجلة من حيث الشكل والمضمون، هذه الميزةملاحظة في مجمل ما نشر في الاعداد الماضية.. أي أن المجلة تساير إلى حدٍ ما، واقع التطور والتغيير.. لكن ارى، ورأي قابل للخطأ والصواب، من ضرورة مراعة، حسب المتاح والممكن، ما يلي:
1- الانتظام في الاصدار و التوزيع في المواعيد المحددة؛
2- التوسع في بعض المواضيع النظرية ( فلسفية، اقتصادية، سياسية) وتجاربها التي تغني الفكر الاشتراكي بعد كبوته وملاحقة النهوض العضوي له؛
3- معالجة الاشكاليات الداخلية الملحة برؤية نقدية وعلمية؛
4- الاهتمام بفئة الشباب والنساء وتخصيص مجال معين لابداعاتهم؛
5- نشر الرأي ألآخر حتى، المعارض منه وتوسيع الجدل المعرفي والعلمي؛
6- تخصيص مقالة أو أكثر للصيرورات التاريخية للعراق المعاصر ومحطاته المركزية ؛
7- الاحتفاء بالشخصيات التاريخية العلمية والسياسية وعرض منتجاتهم؛
8- الاكثار من الطاولات المستديرة للرؤى المختلفة؛
9- الاكثار من الدراسات والتجارب المتعلقة بالقوى التقدمية في تاريخ العراق المعاصر؛
10- نشر المضامين في الموقع الالكتروني بصورة متزامنة مع نشرها الورقي؛
11- التوسع الكمي، ما أمكن، في حجم المجلة باعتبارها مجلة نظرية ليس للحزب الشيوعي حسب بل لعموم الحركة التقدمية بالعراق ومتابعة حراكها السياسي.
نحن ندرك أهمية المجلة، كأداة نظرية للحركة التقدمية والديمقراطية، كما ندرك الصعوبات الموضوعية والذاتية للحركة عامة والحزب بصورة خاصة وضرورة لَمْ شمل قوى التغيير المتشظية، ومع هذا ننطلق من حرصكم على تجاوز هذه الصعاب وحرصنا واياكم في رفد الواقع بالرؤى العلمية كل حسب اختصاصه.
الطريق صعب والمهمات واسعة والظرف غير مواتي.. ومع هذا مصابون نحن جميعا بالمنزع الاستعجالي للخروج من الازمة العضوية التي تجابه مجتمعنا.. نحن معكم في زورق واحد.. ولنتعاضد من اجل التغيير وسعادة الانسان العراقي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت