الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى رحيل الشاعر المناضل معين بسيسو .. كتب عبد الرحمن عوض الله :‎

شامخ بدرة

2014 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


في ذكرى رحيل الشاعر المناضل معين بسيسو‎

كتب عبد الرحمن عوض الله :



في ذكرى رحيله الفاجع




إنا أنْ سقطتُ فخذْ مكاني يا رفيقي في الكفاحْ


واحملْ سلاحي لا يُخفْكَ دمي يسيلُ من السلاحْ


أنا لم أمُتْ، أنا لم أزلْ أدعوكَ من خلف الجراحْ



هذا هو معين توفيق بسيسو القائد الشيوعي الباسل والمناضل العريق، الكاتب والصحافي المثقف، والشاعر الفلسطيني والأممي المبدع، شاعر المقاومة الأول، والمقاتل المقدام في جيش الأممية الشيوعية والتقدمية، وشاعر الجماهير الكادحة والمضطهدة في بلاده، وفي بلدان العالم المختلفة.


معين يدعو رفاقه إلى مواصلة النضال بكل أشكاله المناسبة لتحرير الوطن وتحقيق الحقوق الوطنية لشعبنا المناضل، وعليهم ألّا يخافوا من سياط الجلادين وقيودهم واستبدادهم، ويقول:


مَنْ عاش في أرض الزلازل لا يخاف من الزلازل

ويخاطب القَتَلَة وقوى العدوان والقمع بقوله:

لن تطفئوا مهما نفختم في الدّجى هذي المشاعل

الشـعــب أوقــــــدها وســــــار بهـــا قوافــلَ في قوافــلْ



وهو في الوقت ذاته يدعو كل رفيق من رفاقه بأن يجهر بفكره ورأيه وموقفه الشجاع في مواجهة الأعداء، على الرغم من نشاطه ونضاله ذي الطابع السري، بسبب المطاردة، وأن يرفع يديه بشموخ عالياً، وأن يعلي صوته المرعد

فالصمـــــــتُ مــــــوتْ


فأنتَ إنْ نطقتَ مُتْ


وأنت إن صَمَتَّ مُتْ


قُلْهــــــا .... ومُــتْ



وأنا هنا، في الذكرى الثلاثين لرحيل (معين) في الثالث والعشرين من كانون أول / يناير عام 1984، وقد تجاوز الـ (57)عاماً من عمره بثلاثة أشهر، لا أستطيع أنْ أشير إلى مسيرة حياته النضالية والأدبية لأنها تحتاج إلى كتب عدة، وإنما سأقتطف منها ومضات مشرقة من بروق "ديمته" السكوب المثقلة بالخير وطموحات البشر في الحربة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام، في مواجهة قوى الشر والإرهاب والعدوان والحرب، وفي مقدمتها الرأسمالية المتوحشة والامبريالية الأمريكية والصهيونية والرجعية، فلعلني أوفيه بعضاً من حقه علي.


لقد انتسب (معين) إلى عصبة التحرر الوطني (حزب الشيوعيين الفلسطينيين) عام 1947، وهو في الحادية والعشرين من العمر، وقد بدء معين نشاطه الأدبي على صفحات "جريدة الاتحاد" و"مجلة الغد" اللتين تصدرهما (عصبة التحرر الوطني في فلسطين)، وحين أنجز دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية / قسم الآداب في مصر، وحين صدر ديوانه الأول "المعركة" في القاهرة، وزعه على كثير من المثقفين والكتّاب والصحفيين، وأهداه إلى الروائي الشهير توفيق الحكيم الذي اطلع عليه وقرأه، وقال لمعين: "حينما فرغت من قراءة الديوان وجدت أن العديد من أبياتك الشعرية صارت هتافاً للمتظاهرين والغاضبين في الشوارع العربية، وأنك تكتب بالمدفع الرشاش، وليس بالقلم".





ثم سافر "معين" لاحقاً إلى العراق مدرساً للغة الانجليزية، وعمل في صفوف الشيوعيين العراقيين محرضاً ضد النظام الرجعي، فأُبعد إلى مصر ومنها إلى غزة. وفي عام 1953 قاد عملية تحويل عصبة التحرر الوطني إلى (الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة) وانتخب أميناً عاماً له، ومنذ عام 1949 حتى عام 1955 ومؤامرات توطين اللاجئين الفلسطينيين تشتد وتتصاعد، وآخرها مشروع توطين اللاجئين المقيمين في قطاع غزة في صحراء سيناء، وفي هذه الظروف أخذت القوات الصهيونية تُصعّد من عدوانها على مخيمات اللاجئين في قطاع غزة، وكان منها العدوان على مخيم البريج، وعلى محطة سكة الحديد في غزة وما جاورها من منازل وساكنين، فأوقعت خسائر فادحة كان الهدف منها، كما أشار بيان للحزب، الضغط على الجماهير الشعبية في المخيمات للقبول بمشروع التوطين في سيناء، وكان هذا العدوان وأهدافه، الشرارة التي فجرّت أعظم وأوسع تظاهرات شعبية تاريخية سلمية لم يشهدها قطاع غزة من قبل، وكان على رأس التظاهرة الضخمة في مدينة غزة التي اندلعت في الأول من آذار/مارس 1955 الرفيق (معين) ورفاقه، والجماهير الشعبية تهتف (لا توطين ولا إسكان يا عملاء الأمريكان.. العودة العودة حق الشعب) وانهمر الرصاص من قوات الشرطة على مقدمة المظاهرة، وعلى (معين) شخصياً ، فحماه رفيقه (حسني بلال) واستشهد على الفور، فارتجل (معين) أبياتاً عدة كان مطلعها:





يا فم حسني بلال الدّمُ سال وقالْ


الموت للرجعية والموت للاحتلالْ





كما استشهد الرفيق الشاب (يوسف أديب طه) وهو يرفع العلم الفلسطيني على مقر الحاكم في دير البلح، وهو احد تلاميذي في الصف الثالث الإعدادي في مدرسة النصيرات الإعدادية للاجئين في مخيم النصيرات، كما استشهد (30) مناضلاً فلسطينياً، وتحت وقع أقدام الجماهير الشعبية الغاضبة سقط هذا المشروع التصفوي.





وفي ليلة التاسع من آذار / مارس عام 1955 شنت الأجهزة الأمنية التابعة للإدارة العسكرية المصرية حملة اعتقلت فيها (69) مناضلاً من الشيوعيين وأنصارهم، مع العلم أن الحاكم الإداري العام اللواء عبد الله رفعت الذي فر وعدد من ضباطه إلى العريش قد أقسم بشرفه العسكري ألا يعتقل إلا من أحرق وخرب ودمر، ولم يكن أحد من المعتقلين من خرب ودمر. وقد أعُتقل معين وأخوته الثلاثة: صهيب وأسامة وسعد مما أثار الفزع في البيت فوقعت أم معين مغشياً عليها من الصدمة، ويخاطب معين في قصيدته الشهيدة "الأم " والدته بقوله:



لك الجماهيــر أبنــــاء بــلا عــددِ

فلستِ وحــدكِ يا أمــــاً بــــلا ولـــدِ



إنْ يُغلقــوا بيتنــا الدامــي فقــــــد

فتحوا لنا الزنازين بيتاَ شامخ الزردِ



من خلف قضبانه نرمي الدماء على

مُكبلينـــــا رصاصــــاً مـن فمٍ ويــدِ



براية الحزب يكسوك الرفاقُ إذا

عريتِ، فامشي بثوب بالدماء ندي



وإن يعضكِ نابُ الجوعِ مفترساً

فقد عجنّا رغيفاً مـــن ضياءِ غدِ





وقد أدانت القوى التقدمية والشيوعية المصرية اعتقال هؤلاء المناضلين الفلسطينيين، ونشرت في صحافتها دعوة السلطات المصرية للإفراج عن: "المناضلين الوطنيين الفلسطينيين"، وبهذه المناسبة كتب الشاعر الشعبي المصري صلاح جاهين قصيدته التي أعلن فيها تضامنه مع هؤلاء المناضلين الفلسطينيين ونقتبس منها مايلي:



يا معيـــــــن


يا صوت الضحايا


إرعدْ بصوتك معايا


حننتصر في النهاية


ومن آذار / مارس عام 1955 وحتى 2/7/1957 عانى المعتقلون في سجن مصر العمومي الكائن قرب قلعة محمد علي الصلّب والجلد على (العروسة) والعذاب طوال سنتين وأربعة أشهر، وأفرج عنهم بعد العدوان الثلاثي على مصر بسبب تأميم قناة السويس، وبعد خروج قوات الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة، نتذكر ذلك ونذكر اليوم كيف أن الأخوان المسلمين (حماس) وحكومة (مرسي) في مصر قد وافقت على المخطط الأمريكي الصهيوني بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في شمال سيناء، وإقامة إمارة أو (دولة) حماس لتصفية القضية الفلسطينية، ونتذكر (معين) كيف اعتُقل والعشرات من رفاقه في السجن الحربي (باستيل ) مصر والواحات الخارجة، وخضعوا لأبشع عمليات التصفية السياسية والجسدية حين اختلف جمال عبد الناصر مع الحركة الشيوعية في البلدان العربية عام 1959، ولم يفرج عنهم إلا بعد أربع سنوات كاملة، أي في ربيع عام 1963.


وللقطار الذي اعتاد أن يحمل ( معين) ورفاقه المعتقلين من قطاع غزة إلى مصر، رمزٌ غَنى له (معين)، وخصوصاً حين يعود بهم إلى وطنهم وأهلهم، وهنا يخاطب أخته (سهير) قائلاً:


يا سهير....


أنا في المنفى أغني للقطار


أيُّ هزة ؟!


حينما تلمع في عينيَّ غزة


حين تلمع أصوات الرفاق


حينما تنمو كغابة


من بروق ورياح


فلْتُضيءْ كلُّ شبابيك القطار


بعيونٍ كالنجوم


بعيون العائدين


لمتاريس الكفاح


ورغم معاناته الشديدة في المعتقل فهو يذكر القاهرة التي غنى لها كثيراً، ولنضال الشعب المصري العظيم، فالسجان يمنع الهمسة والكلمة، ويحرّم القراءة والكتابة و يقول:





وأنا أحذر من همس القلم


وخطى السجان فوق الورقة


وبقلب القاهرة


قصف رعد المطبعة


قصف رعد الكلمة


يا لمجد الكلمة


حينما تغدو عناقيد ضياء


في أيادي الشعراء





لكن غزة يا "معين" التي كانت تومض في عينيك، وتهز كل شراييينك التي ضمخها شذى البرتقال والليمون، وأريج أزاهير الحقول، لم تعد غزة التي أنجبتك من أحشائها، وأمضيت شبابك بين جناحيها الدافئين، وبين خفقات أمواج البحر ونسائمه الشافية للروح والجسد، وتفانيك في الدفاع عنها وعن أهلها من كل أشكال العدوان والقمع، باعتبارها قلعة الصمود والتحدي، وتجسيد الهوية الوطنية الفلسطينية المستقلة أرضاً وشعباً. إنها الآن ينهشها الجوع، وتفتك بها الأمراض والبطالة، وسيادة الظلام والظلم، وتلويث البيئة على أيدي الإخوان المسلمين الذين حولوها إلى (إمارة) رجعية دموية تسيطر عليها بقوة الحديد والنار، وبكل أساليب القهر والتنكيل والإرهاب، وفصلها عن الوطن الأم، ولكن جماهير شعبنا في قطاع غزة سوف تنهض، آجلاً أو عاجلاً، مستلهمة تاريخها النضالي الطويل، لتحريرها من الإرهابيين القتلة.





وكم تذكر معين القاهرة التي أحبها وعشقها على الرغم من اعتقاله في سجونها أكثر من ست سنوات، ولكن القاهرة اليوم قد انطلقت، وانطلق الشعب المصري العظيم لبناء مستقبله الواعد، وبناء دولته المدنية العصرية، ودحر الإرهابيين، ومُفتي "جهاد النكاح" المأجورين وقطع دابرهم، ودحر حلفائهم الأمريكان والصهاينة.





نتذكر معين الذي عاد على آخر طائرة حطت في مطار بيروت، والغزاة الصهاينة على مشارفها، حين قال: (عدت لأحاصر الحصار)، وأطلق هو ورفيقاه محمود درويش وزياد عبد الفتاح صحيفة "المعركة"، التي كانت مخزناً متفجراً لقنابل وقذائف المقالات الثورية المقاتلة، ورصاص قصائد الشعراء في مواجهة الغزو الصهيوني في السادس من حزيران / يونيو 1982، حيث رأسها زياد عبد الفتاح، وساهم في تحريرها كوكبة من الصحفيين والمثقفين الفلسطينيين والعرب.





ونتذكر حينما رحل وحيداً، منفياً في ليلة حزينة في أحد فنادق لندن، حيث توقف قلبه عن الخفقان في الرابع والعشرين من كانون الأول / يناير 1984 بعد أن شغل الناس والمثقفين والمناضلين طوال سنوات عمره المفعمة بعطائه الدائم في ميادين النضال الوطني والشيوعي وعبر سنوات صعبة في المعتقلات والسجون دفاعاً عن شعبنا وقضيته الوطنية وشعوب العالم، وكان سيفاً ممشوقاً دائماً ضد قوى الإستعمار والصهيونية والرجعية.





واليوم نتذكرك يا معين وسنظل نتذكرك دوماً، ولْتطمئنْ روحك وذكراك الخالدة، فشعبنا العظيم في نضاله وصراعه الطويل مع الاحتلال الصهيوني الذي ما زال جاثماً على صدر شعبنا، ويُّهود القدس وكل مظاهر الحياة في بلادنا من استيطان ونهب الأرض والقتل الجماعي، وأسر آلاف المعتقلين، وسرقة تراثنا، قد استطاع أن يفرض وجوده على أرضه بصموده وتضحياته الجسام، وأن يكسب تضامن وتعاطف معظم شعوب ودول العالم لصالح قضيته الوطنية وحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وحصوله على عضوية هيئة الأمم المتحدة كعضو مراقب، ورفع العلم الفلسطيني في أروقتها، وحقه في الحصول على عضوية المؤسسات الدولية كافة، وسيواصل شعبنا نضاله حتى يحصل على عضويته الكاملة في هيئة الأمم المتحدة، ويدحر الاحتلال عن كامل أراضي دولته المحتلة، وتحقيق استقلاله الوطني الكامل، وعودة مشرديه إلى ديارهم طبقا للقرار الأممي رقم 194.





واليوم نتذكر (معين) في يوم رحيله الفاجع، وهو ما زال في أوج بهائه وعطائه.


يا معين، يا رفيقي العزيز، طبتَ حيّاً وميتاً









نـــمْ هانئـــاً فــــي رحـــاب "النيــل" تحمــلك الـ....

أهرامُ في القلبِ والشعبُ الذي انتصرا



أبشـــرْ "معيــن" فهـــذي مصــــر قـــد نهضـــتْ

وأســقَطـــتْ زمــــر الإرهـــــاب فاندحــــرا



وأسـمــعْ ندائـــي، فـــهـــذي غــــزةُ انتــفضـــــتْ

وسـوف تنبذ من عادى ومن غــدرَا



صهباءُ قومي أنْظري الشمس التي سطعتْ

مـــن قلبِ رمَسٍ رواه المجد فازدهرا



مـــــرحــــــى "لــــداليـــــةِ" أرخـــــــت غدائــرهـــــا

علــى الزمــــان فأضحى يانعـــاً عَطِـــرا



رقّـــــــت "مليكــــــة" فـــاهتـــاجـــت مدامعهـــــا

تبكـــــي "معيناً" وظلَّ الدمـــع منهمرا



هــذي "جيفـــارا" ومـــــن "ميــــادة" بــــزغْـــــت

تهــــوى أبـــاً، "ومعينــاً" لم يزل نضِرا



تـــرعـــاهمـــا جَـــدَّةٌ "صهبـــاء" يذكـــــرها الـ....

تـــــاريــــخٌ مُفتخِــــــراً بهـــــا، ومنْبهــــرا



هيــــــا رفاقـــــي تعـــالـــــوْا نحتضـــنْ علمـــــاً

مــــا خـــــاض ملحمـــــةً إلا وقـد ظَفِرا


- صهباء: رفيقة معين وزوجته.


- دالية ومليكة: ابنتا معين.


- ميادة: زوجة توفيق وأم جيفارا ومعين الصغير.


- الرمس: القبر الذي احتضن "معين" في القاهرة





عبد الرحمن عوض الله


فلسطين: 23/1/2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا لك
سيمون خوري ( 2014 / 1 / 23 - 12:15 )
تحية وشكرا لجهدك ووفاءك الراحل معين بسيسو كان قامة نضالية كبيرة

اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا