الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والسلطة .... والمؤسسة الثقافية المؤطرة للانتلجنسيا

ابراهيم الداقوقي

2005 / 6 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بعد انتهاء الندوة الفكرية السادسة عشرة بتونس العاصمة ( نوفمبر 2004 ) جرى الحديث بين الباحثين الاستاذ المتميز الدكتور عبدالجليل التميمي والاستاذ الدكتور مسعود ضاهر وبيني ، حول ضرورة تشكيل مؤسسة عربية تكون بمثابة الحاضن للأنتلجنتسيا الثقافية العربية الفاعلة ، لكي تلعب دورا أساسيا في صياغة مشروع نهضوي عربي . وقد اقترح اخي الباحث المتميز ضاهر ان تكون ( مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ) التي اقامت الندوة المذكورة ....تلك المؤسسة المقترحة نظرا لمركزها المرموق وامكاناتها الهائلة في استقطاب الباحثين العرب .... الخ . غير انني رفضت هذا الاقتراح ما دامت مؤسسة التميمي قائمة في بلد عربي - بغض النظر عن سياستها - واقترحت ان تقوم مؤسسة الامير فيصل ( مؤسسة الابداع العربي ) بهذه المهمة ، على ان تنتقل من القاهرة الى بلد اجنبي لكي تتاح لها حرية البحث والنقد من جهة ولصياغة مشروع نهضوي عربي لتكون تلك المؤسسة الحاضنة للتفاعل الخلاق بين المدارس والاتجاهات الفكرية، في الاقطار العربية من جهة ، و للانفتاح المدروس على جميع التيارات الفكرية والثقافية والتحديثية الناجحة في العالم، لاسيما وان دور المثقف أساسي في بناء الدولة العصرية، وتحقيق التنمية البشرية فيها ، من جهة اخرى .
واذا كان الاستاذ مسعود ضاهر عاد ، ليثير الموضوع من جديد في صحيفة الخليج الاماراتية من جديد بالقول " ختاما، دلت ندوات 2004 الثقافية على أن آفاق التغيير الثقافي ممكنة، وأن بعض قادة العرب دعوا صراحة الى التغيير العقلاني على أسس ديمقراطية سليمة، والى وضع برامج ثقافية شاملة، ونشر الثقافة في أوساط الجماهير العربية التي تعاني من مشكلات الأمية، والفقر، والجوع، والبطالة. الا أنها دلت، بالمقابل، على ضرورة قيام مؤسسات ثقافية عربية تساهم في ولادة واحتضان أنتلجنتسيا ثقافية عربية، فاعلة ومتماسكة، تلعب دورا أساسيا في صياغة مشروع نهضوي عربي طال انتظاره " دون ان يصرح بموقع تلك المؤسسة الحيوية....ولا الجهة الممولة لهذا المشروع النهضوي . ولهذا فاننا لا نزال عند رأينا بان تكون - تلك المؤسسة - في بلد اوروبي وبتمويل عربي- اوروبي ( من خلال اليونسكو والمؤسسات الثقافية الاوروبية ، وعلى رأسها مؤسسة اديناور ) وبمساعدة رجال الاعمال العرب ، باعتبارها مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني العربي . على ان تقوم المنظمات الثقافية العربية العاملة خارج الوطن العربي - ومن بينها الجمعية الدولية للمترجمين العرب ، التي تضم حوالي 2400 عالما وباحثا وخبيرا ومترجما - باختيار اللجنة التحضيرية لهذه المؤسسة الحيوية من بين المفكرين والباحثين العرب توطئة لعقد الندوة الاولى لوضع دستور المنظمة وهيئاتها العاملة وبرنامج عملها السنوي . لاسيما وان استبداد الانظمة العربية وضيق هامش الحريات المتاح للمثقف والباحث ، وفقدان التراكم الديموقراطي فيها ، وتداخل السلطات مع بعضها ، تجعلها - كلها - غير مؤهلة لهذه المهمة الحيوية والاساسية للتنمية الحضارية في بلادنا . لاسيما بعد ان قام الانقلابيون العسكريون - منذ العام 1948 - بالجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع التدخل في شؤون السلطة القضائية التي تفترض فيها ان تكون مستقلة ... لممارسة السلطة الدكتاتورية الشوفينية باسم تحقيق ( الوحدة العربية ) مع تأجيل نشر الحرية والديموقراطية والاشتراكية - التي ادعى اولئك الضباط الاحرار ضرورة تحقيقها - الى ما بعد ( القاء اسرائيل في البحر ) واعادة القدس وكامل الاراضي العربية المحتلة من الخليج الثائر الى المحيط الهادر ..... فكانت مذابح الشيوعيين في سوريا ومصر والعراق والسودان ، ثم كانت مذابح الاخوان المسلمين واعدامات زعمائهم في مصر وسوريا والعراق ، نتيجة تحول تلك الانظمة الثورية الدكتاتورية الى دولة مخابرات يحكمها ( الرئيس القائد ) او ( الرئيس المؤمن ) او ( الاخ القائد ) او ( القائد الضرورة ) بسلطانه الجائر، في وقت ضاع فيه المواطن العربي وحقوقه بين تلك الوجوه الثلاثة التي يرتديها القابض على الحكم : السلطان والقاضي - بالمعنى السياسي والديني - وضابط الأمن . ونتيجة لادمان المواطن العربي - بكل جنسياتهم - على الاستبداد وانتهاك الحقوق ... فقد استسلم للواقع المرير ، بعد ان انقسمت المجتمعات العربية الى طبقتين : حاكمة ومحكومة فقط . ويقول علامة العراق المرحوم ( علي الوردي ) في تفسير ذلك اجتماعيا " نجد في العراق ، منذ بدء المدينة الاولى ، طبقتين او حضارتين تتصارعان : حضارة بدوية محاربة من ناحية وحضارة زراعية خاضعة من ناحية اخرى . فنشأ في العراق - بناءا على ذلك - نظامان للقيم : نظام يؤمن بالقوة والبسالة وتسود فيها قيم الاباء والشجاعة والكبرياء وما الى ذلك من صفات المحارب الفاتح . وبجانبه نظام آخر يؤمن بالكدح والصبر ويمارس أداء الضريبة والخضوع والتباكي " ( شخصية الفرد العراقي - ص 50 ) .
ان هذه القاعدة الاجتماعية ( الوردية ) تنطبق على كافة المجتمعات العربية وعلى معظم افرادها من المحيط الى الخليج ، الا ما ندر. وخير مثل على ذلك [ رئيسنا القائد ] صدام حسين : معاون سائق التاكسي المستسلم لواقعه المعاش والقانع بما هو عليه ... ثم انتمى الى حزب البعث واخذ يصعد الدرجات الى ان اصبح عضو القيادة القطرية بعد انقلاب 1968 الفاشي ، ولكنه كان لا يزال محافظا على توازنه الاجتماعي ومحاولة الظهور بمظهر الانسان الواعي والمثقف والداعي الى الاصلاح من خلال ( ندوات الشفافية والمصارحة ) الخاصة بالتنمية ، حتى اعتقد معظم العراقيين ، بان ابا عدي هو الزعيم المرتجى للعراق . ولكنه عندما اصبح رئيسا للجمهورية بدأ يتغير رويدا رويدا - بعد اكتسابه للقوة - فكان اول عمل قام به هو حربه غير المعلنة ضد ايران التي اتت على الاخضر واليابس - في البلدين - لمصلحة الايديولوجيات المسيطرة ، ثم كان احتلاله لدولة الكويت ، بعد ان اشعلت ( غلاسبي ) سفيرة واشنطن في بغداد - في 25 تموز 1989 - الضوء الاخضر له ، باسم اقامة الوحدة العربية - وهي ، أي الوحدة ، مفهوم سليم نظريا - بمحاولة الحاق ( قضاء الكويت ) بالوطن الام ، تشبها بهتلر الذي الحق ( الساز واللورين ) بالمانيا ابان الحرب العالمية الثانية . فحطم الرئيس القائد بذلك ، فكرة الوحدة العربية من اساسها وضرب اسفينا في التضامن العربي وقلـّب فكرة الامن القومي العربي الى خرافة مضحكة . غير ان المشكلة الاساس في بلادنا العربية ، هي العلاقة غير الودية بين الثقافة والاصلاح من جهة وبين القابضين على السلطة في بلادنا ، من جهة اخرى . بحيث غدا الاعلامي - المثقف الذي يغرد خارج السرب ، مهددا بحياته في الداخل والخارج ، لان هامش الحرية متاح فقط للقابضين على السلطة والسائرين في ركاب نظرية الوصاية الفكرية مع تغييب ادب الحوار وفضيلة الاختلاف ، من جهة . ولانهم - أي الحكام - يريدون هندسة البشر وفق اهوائهم ، كالسردين المعلب ، من جهة اخرى . ولذلك فانه - أي الاعلامي المثقف - اما ان ينخرط في العمل السري او ان يداري السلطة مع عدم وضع رقبته تحت سيف السلطة ، او ان يكون بوقا للقابضين على الحكم، او أن يهاجر الى الاقطار الغربية فيكون بذلك ، على الاغلب ، فريسة لمخابراتها او ان يسكت و يضطر الى الانزواء ليقتله اليأس والقنوط . فقد ضاع المفكر الاسلامي المتنور الشيخ موسى الصدر، في الفضاء بين مطاري طرابلس في ليبيا وبين مطار روما . واغتيل الرئيس الحريري في بيروت ، في وضح النهار لأن حكامنا لا يريدون زعيما ديموقراطيا اصلاحيا يسعى للتنمية البشرية ويعمل بشفافية ونزاهة . في حين لقي اللبناني سمير قصير والليبي غزال والعراقي قاسم عجام مصرعهم على يد المخابرات العربية والمافيا الدولية ، لانهم لم يهادنوا الجلادين .
ان اجراء التغيير بطريقة ديموقراطية وموضوعية هادئة وبتخطيط دقيق ذي نفس طويل دون اثارة او تحريض او سوق الاتهامات او خلط الاوراق ، لتجاوز التوقف في المكان والزمان ولكي لا نبقى متخلفين وتحت رحمة القدر وعطاء الحاكم.... يستدعي - من المثقف - ان يقوم بالقاء صخرة كبيرة في بحيرة الحياة العربية الراكدة لتصل موجات التغيير من المركز الى الضفاف ، ولجعل الخطاب الاعلامي خطابا تحليليا وتنويريا وليس تبريريا او تحريضيا مثيرا او انفعاليا وآنياً بحسب الاحداث ، من خلال النقد الودود للنظام القائم - اياً كان شكله ولكن دون تنازلات - لتحقيق المصالحة الاجتماعية والمبادرة الى الاصلاح . وبعكسه فانه يحق للمواطنين تحشيد قواهم ديموقراطيا من اجل اسقاط السلطان الجائر وفرض قيم العدالة وحقوق الانسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية . اذا كنا مؤمنين حقا بالتغيير كحاجة نابعة عن المصلحة الوطنية واذا كان المثقفون الاعلاميون يمثلون – فعلا - ضمير العصر ويتحملون مسؤوليتهم تجاه مجتمعاتهم بعيداً عن الضغوط الخارجية لاقامة الديموقراطية في البلاد العربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جودي سكيت.. يكشف عن أشياء مستحيل أن يفعلها ومفاجأة عن علاقته


.. تساؤلات حول تقرير واشنطن بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في غ




.. بعد الوصول إلى -طريق مسدود- الهدنة لا تزال ممكنة في غزة.. «ج


.. المستشفى الإماراتي العائم في العريش.. جهود متواصلة لدعم الجر




.. تحرك دولي لإطلاق تحقيق مستقل بشأن مقابر جماعية في قطاع غزة