الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة ثورة!

جواد البشيتي

2014 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
إنَّها ثورة الخامس والعشرين من يناير التي، لأهمية مسرحها، وهو مصر، شَغَلَت الحيِّز الأوسع مِمَّا اصْطُلِح على تسميته "الربيع العربي"، وتَركَّزت فيها معاني "الرومانسية الثورية" للحراك الشعبي الثوري العربي، بعفويته، التي لا ريب فيها، على وجه العموم؛ فهل ما زال بَعْثها بعد موتها (والذي لا يُنْكِره إلاَّ كل من له مصلحة في بقائها على قَيْد الموت) أمْراً ممكناً؟
كلاَّ؛ ما عاد هذا الأمر ممكناً؛ فكل ما وَقَع بعد "عَزْل" و"سَجْن" مبارك ونجليه وصحبه، أو بسبب التَّسرُّع في إعلان "النصر الثوري"، والتعلُّل بوهم "الصِّدْقية الثورية" للمؤسسة العسكرية، أَفْقَد الثورة المصرية جُلَّ طاقة الصراع الثوري الذي ميَّزها حتى اضطِّرار قادة البيروقراطية العسكرية (ومعهم حليفهم الدولي الأوَّل، الولايات المتحدة) إلى عَزْل مبارك ورجاله.
وفي أَلَمٍ وحَسْرةٍ أقول: لقد أصبح أثراً بعد عين ذاك الصراع الثوري القويم، الذي لو تهيَّأَت له قيادة ثورية منَّظَّمة تقوده لكان الرَّحم الذي منه تَخْرج إلى الوجود "الدولة المدنية الديمقراطية"، والذي لم يَشْغل مكانه، ويَخْلفه، إلاَّ كل صراعٍ تافهٍ كريهٍ بغيضٍ؛ فَمَن ليس مع السيسي، فهو، حتماً، مع جماعة "الإخوان المسلمين"؛ ومن ليس مع هذه الجماعة، فهو، حتماً، مع ذاك المُغْتَصِب العسكري للسلطة!
في ثورة يناير، رَأَيْنا، ورأى العالَم أجمع، ملايين المصريين (من شباب ونساء، من مسلمين وأقباط، ومن سائر فئات الشعب) تَنْزِل إلى الشوارع والميادين والساحات، في طول مصر وعرضها، وتَتَّخِذ "ميدان التحرير" عاصمةً للثورة؛ وفي هذا، وفيه فحسب، كانت "المفاجأة الكبرى"؛ فإنَّ أحداً في مصر والعالَم ما كان يتوقَّع أنْ تفيض الشوارع والميادين والساحات بهذه "العفوية الشعبية الثورية". حتى "الشباب الثوري"، مع "نواة" حراكهم "المنظَّمة"، في طريقة ما، ولغاية ما، تفاجأوا بهذا الاحتشاد الشعبي الثوري الهائل ما أنْ وصلوا إلى ميدان التحرير، واعتصموا فيه؛ فإنَّ مبارك، ومبارك وحده، هو الذي أَنْزَل 99.8 في المئة من هذه الكتلة الشعبية الثورية الهائلة إلى الشارع؛ ولا فَضْل لغيره في هذا "الانفجار الكبير" لـ "العفوية الشعبية الثورية". ولقد أراد الشعب (في غالبيته الكبرى) الخلاص منه، ومن حكمه، واستبداده، وفساده، غير مكترث لـ "اليوم التالي"، ولا لطبيعة من يأتي إلى الحكم مِنْ بَعْده؛ وهذا ما يشرح لنا، على خير وجه، معنى، أو معاني، شعار "الشعب يريد إسقاط النِّظام". كان "الهَدْم الثوري (لأركان نظام مبارك)"، ولا شيء غيره، هو "الدَّافِع الأعظم" الكامن في هذا "الخروج الشعبي العظيم (من الأجداث، وعلى "النظام")". وفي هذا "الخروج"، أو في هذه "العفوية الشعبية الثورية النادرة"، والمُفْعَمة بكل معاني "الرومانسية الثورية"، كانت تَكْمُن "أزمة الثورة"؛ وكانت هذه "الأزمة" تَكْمُن في "عدم وجود قيادة ثورية منظَّمة، أعدَّت نفسها، من قَبْل، لاقتناص هذه الفرصة التاريخية"؛ فـ "القوى المنظَّمة" كانت: الجيش، وجماعة "الإخوان المسلمين"، و"نواة" الحراك الشبابي التي كانت تَلْقى دَعْماً متنوِّعاً (ظاهراً، أو مستتراً) من "مَصادِر خارجية"، مُشْتَقَّة، أو مُتَفرِّعة، من المصادِر نفسها التي دَعَمَت، زمناً طويلاً، نظام مبارك، ومؤسسته العسكرية، وأجهزته وقواه الأمنية. أمَّا سائر القوى والأحزاب السياسية المصرية المعارِضَة فكان وجودها يستوي والعَدَم؛ وكان غيابها التَّام عن المسرح الثوري واضحاً جليَّاً لا ريب فيه.
تلك "النواة" الشبابية "المُنظَّمة"، والمتناقضة الولاء، حَشَدت وجمَّعَت ما استطاعت من الشباب الثوَّري الحالِم بالحرية أبداً؛ ثمَّ تجرَّأت على إشعال فتيل الثورة، لتتفاجأ هي قبل غيرها بهذا الحجم الهائل للانفجار الشعبي الثوري العفوي، ولتَشْرَع، من ثمَّ، تَمُد جسوراً من الثِّقَة والتعاون مع المؤسسة العسكرية، التي تَفاهَمَت مع حلفائها وأصدقائها في إدارة الرئيس أوباما، وفي "البنتاغون" على وجه الخصوص، على "العزل" و"الاحتواء": عَزْل مبارك، واحتواء المدِّ الشعبي الثوري المتعاظِم، والذي رَجَحَت فيه كفَّة "عدم اليقين" على كفَّة "اليقين". وفي الوقت نفسه، شرعت جماعة "الإخوان المسلمين" تُهيِّئ نفسها لامتطاء الثورة، مُسْتَعْجِلةً الوصول إلى "محطَّة الانتخابات"؛ فـ "الشباب" أشعلوا فتيلها، والجيش عَزَل مبارك، و"الإخوان" لهم الحُكْم من طريق "صندوق الاقتراع".
ولو كان لثورة الخامس والعشرين من يناير قيادة ثورية منظَّمة تليق بها، وتشبهها في دوافعها، لَعَرَفَت كيف تُنظِّم هذه العفوية الشعبية الثورية، وتُديم الضغط الشعبي الثوري السلمي حتى يستخذي "المجلس العسكري الأعلى"، ويَنْقُل السلطة كاملةً (بعد عزله مبارك) إلى حكومة ثورية مؤقته، تقوم في ميدان التحرير، وتُعْلِن وثيقة مبادئ دستورية ثورية، وتشرع (في لحظة من الدكتاتورية الثورية) تَهْدِم أركان وأُسُس النظام القديم، مؤسِّسةً، بعد ذلك، مرحلة انتقالية، تُطْلَق فيها الحُرِّيات كافة، وتنتهي بنشوء حياة سياسية حزبية حقيقية، وَوَضْع دستور جديد للبلاد، ثمَّ يكون الذهاب إلى صندوق الاقتراع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرفيق جواد البشيتي
فؤاد النمري ( 2014 / 1 / 24 - 21:43 )
ليس في الربيع العربي ما يسمى ثورة
الشعوب العربية في الجمهوريات العربية لم تعد تحتمل حكم العصابات التي خطفت السلطة بعد أن بدأ الرجوع عن الاشتراكية في مركز الثورة الاشتراكية
خلال أكثر من ثلاثة عقود أوصلت هذه العصابات شعوبها إلى قعر الهاوية
انتفضت الشعوب بكل طبقاتها لتطرد الأوغاد من السلطة وليس لتغير النظام الاجتماعي ولذلك هي مجرد انتفاضة
وتقول حضرتك .. لو كان لثورة الخامس والغشرين من يناير قيادة منظمة تليق بها ..ألخ
قلت أن انتفاضة 25 يناير لم تكن ثورة بل لا يمكن أن تكون ثورة
ولا يمكن أن يكون لها قيادة ثورية تغير النظام الإجتماعي
التحدي الأكبر للقوى التقدمية اليوم هو أن تجد طريقا للتغيير الثوري، لتغيير النظام الاجتماعي وعلاقات الإنتاج
ونحن نرجو رفيقنا الطليعي جواد أن يضيء قدر المستطاع على مثل هذه الطريق


2 - مجالات العلم ارحب
غالبي ( 2014 / 1 / 25 - 15:59 )
ان تسمع بالمريدي خير من ان تراه وانا اقول ان تقرا لجواد المقالات العلمية خير من ان تقرا له المقالات السياسية بالف مرة

اخر الافلام

.. موقع إسرائيلي: حسن نصر الله غيّر مكان إقامته خوفا من تعرضه ل


.. وقفة لرواد مهرجان موسيقي بالدنمارك للمطالبة بوقف الإبادة بغز




.. برلمان فنلندا يقر اتفاقية للتعاون الدفاعي مع أمريكا


.. المدعي العام يطلب فتح تحقيق جنائي مع بن غفير بتهمة التحريض ع




.. في تصرف غريب.. هانتر بايدن يحضر اجتماعات والده مع المسؤولين