الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب رئيس الوزراء الكندي أمام الكنيست

ناجح شاهين

2014 / 1 / 25
القضية الفلسطينية


أذكر أنني منذ أعوام كتبت شيئاً من قبيل "خطاب بوش أمام الكنيست" وقد فكرت هذه المرة أيضاً في أن أكتب شيئاً من قبيل "خطاب هاربر أو ستيفن هاربر أمام الكنيست". ولكنني طردت الفكرة على الفور، إذ أنني خفت من أن قلة من الناس سوف تعرف من يكون ستيفن هاربر هذا. وفي هذه الحال سأوقع الرجل الأبيض وأوقع نفسي في مشكلة التي رقصت على السلم، والتي لم يتمكن أحد من الذين في الأعلى أو في الأسفل من متابعة عرضها الراقص.
لا بد أننا ما زلنا نعيش في أيام المحافظين الجدد، ومن حق روحي تاتشر وريغان أن تطلبا الرحمة، فها هو التابع المخلص لمدرستهما السيد هاربر يطالعنا بخطاب لا يختلف في شيء عما يمكن لريغان أو تاتشر أو بوش أن يقولوه. أولاً إسرائيل بلد رائع بالمعاني كلها، واليهود الكنديون يحسون بالفخار ويتيهون على غيرهم من المواطنين (الكنديين) بحكم امتياز إسرائيل في الشجاعة في الحروب، والكرم والتسامح حين يحل وقت الحب والسلام، واجتراح المعجزات عند زراعة الصحراء الكنعانية التي تتحول بقدرة المعجزة الإسرائيلية إلى واحة خضراء يانعة ومثمرة.
كنت أود أن أكون مشاكساً وأطلب من السيد رئيس الوزراء أن يحول جائزة الشجاعة في الحرب لمصلحة مقاتلي حزب الله أو الجهاد الإسلامي أو حتى أطفال غزة. إذ أين الشجاعة في أن ترمي المدنيين بالفسفور الأبيض والقنابل التي تزن أطناناً وتسوي العمارات السكنية بالأرض؟ أين الشجاعة في مهاجمة شريط مزدحم بالبشر العزل من كل سلاح مثل غزة بأحدث الطائرات الأمريكية وأشدها فتكها؟ ليس هناك من شجاعة ولا من يحزنون، ولكن رئيس الوزراء له رأي آخر. أما شجاعة صناعة السلام فلا بد أن مفاوضاً استأصل مرارته منذ زمن طويل مثل صائب عريقات أقدر مني ولا شك على سرد تفاصيل البطولات الإسرائيلية فيها. ولكن، بما أن الدكتور عريقات لن يصل حداً من التطرف واليأس يسمح له بوضع النقاط على الحروف، فإننا هنا نتمتع بهذا الترف لنقول: إن إسرائيل تتمتع بشجاعة المفاوض الأبيض في سياق غزوه لقارات غرب العالم عندما سوف وماطل حتى تمكن من القضاء نهائياً على السكان الأصليين. وللأمانة التاريخية، فإن تلك الشجاعة هي التي سمحت بأن يكون السيد هاربر ذو الملامح الأنجلو سكسونية والديانة الإفانجيلية التي تضعه في خانة المبشر العظيم جورج بوش الثاني رئيساً لوزراء أرض الميعاد الكندية.
ومثل بوش بالذات الذي يشبهه في الأصول والدين والأخلاق، يتمتع رئيس الوزراء بجهل يحسد عليه من ناحية المعلومات التاريخية. ولا بد أن الصحراء الكنعانية التي خضرها يهود إسرائيل البيض لا وجود لها إلا في خياله بالذات، أما يهود إسرائيل فيعرفون الحقيقة دون شك. ذلك أن أرض كنعان هي التي مجدت في ديانتها الخصب والمطر ومواسم الزراعة قبل أن تزرع أية شجرة في إنجلترا بألوف السنين. إننا بمعنى من المعاني في مواجهة مجموعة سكانية كانت الزراعة هي المعنى الرئيس في حياتها الذي اشتقت منه المعاني الأساس الأخرى كلها. ولا نجد من الغرابة في شيء أن منتجات مثل "الياين" (= النبيذ) ما تزال تحمل الاسم الكنعاني باللغات المختلفة، وأن شعوب المنطقة قد تعلمت في الواقع أساليب الزراعة والأكلات الكنعانية من قبيل الزيت والزيتون والزعتر، والمسخن بأشكاله، والخبز الذي يسود في المنطقة المتوسطية كلها دوناً عن العالم أجمع.
كلا! عندما جاء المستوطن اليهودي الأبيض إلى فلسطين، لم تكن صحراء ولا جرداء، ولا أي شيء من ذلك القبيل. أما إذا كان هناك من معجزة بيضاء يهودية فهي ولا شك إنجاز تصحر فلسطين –خصوصاً الضفة الغربية- عبر هدر المياه الشحيحة في زراعة غير مجدية في النقب. وقد علق خبير مياه ألماني منذ سنوات على ذلك بالقول: لقد خضروا النقب، وهو أمر رائع بالفعل. ولكن الثمن فيما يبدو هو تصحر تل أبيب، ناهيك عن رام الله والخليل.
لكن رئيس الوزراء ليس في صدد فحص المعطيات والوقائع، إذ أنه يمضي بلغة رومانسية بعد أن يعبر عن تقززه من اللا سامية التي يجسدها خطاب معاداة إسرائيل، قائلاً إن "الشعب اليهودي يستحق وطنه، ويستحق أن يعيش بأمن وسلام على أرض وطنه." ليس من فائدة من مماحكة الرجل في مفاهيم الوطن ومدى استحقاق الشعب الفلسطيني لوطنه وللعيش فيه بدون أحكام عسكرية في الضفة أو تمييز عنصري داخل "الخط الأخضر". لا فائدة ترجى من ذلك أبداً، إذ أن ذلك سيستدعي في ذاكرة الرجل واقعة أنه إنجليزي يعيش في الجهة الأخرى من العالم التي أصبحت وطنه بعد أن قام جده بإبادة سكانها عن بكرة أبيهم. لا مشكلة لدى الرجل في أن تبنى الهوية الوطنية على الأكاذيب والأساطير وأعمال التطهير العرقي الشامل، فهذا هو في الواقع الإنجاز الأول للرجل الأبيض في العصر الحديث. وعلى الرغم أننا لسنا في بحث في الاقتصاد السياسي في هذه العجالة، إلا أن من المفيد أن نذكر باكتشاف إيمانويل والرشتين العظيم أن الرأسمالية وثورتها الصناعية العظيمة وهيمنتها على العالم ما كانت لتتحقق لولا اكتشاف العالم "الجديد" وقتل سكانه وسرقة خيراته وتصدير فائض سكان أوروبا ليحتلوا الحيز الذي كان يشغله أولئك المتعوسين. لا بد أن ما تفعله إسرائيل يثير مشاعر مقارنة تؤدي إلى الفخر والاعتزاز، وهو ما عبر عنه هاربر أكثر من مرة في خطابه القصير.
طبعاً الأناشيد المعتادة حول الخطر الإسلامي –الذي تساهم كندا بالطبع في تصنيعه في سوريا، بل يشارك "مجاهدون" كنديون في القتال فيه ضد الطاغية الكافر بشار الأسد- يؤديها هاربر بعذوبة تامة، ويشمل ذلك دون شك ترانيم: "إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" حتى بعد نجاح الديمقراطية الأمريكية في العراق وليبيا. كذلك لا بد من أنشودة: "إسرائيل شريكتنا في قيم الحرية وحكم القانون...الخ" ويصل هاربر عبر هذا المدخل إلى غناء لازمة نتانياهو حول أهمية الدولة اليهودية التي لا بد أن تكون يهودية خالصة وإلا ضاعت القيم التي تمثلها إسرائيل في هذه المنطقة.
لا فائدة على الإطلاق من مناقشة الرجل في مزايا يهودية دولة إسرائيل العجزة، ولذلك ننتقل على عجل لمناقشة ما قاله حول "فلسطين" وبالسرعة التي غطى بها الموضوع: "يمكن للفلسطينيين وقادتهم، إذا أرادوا، أن يحصلوا على دولة ديمقراطية قابلة للحياة، شريطة أن تلتزم بالسلام مع إسرائيل." انتهى، الخيار متروك كله للفلسطينيين. إذا أرادوا الدولة فهي معروضة من قبل نتانياهو بالشروط والمعطيات المعروفة بالسخاء الذي قدم الرجل القول فيه. ولا كلمة واحدة لو سمحتم حول أي شيء: الاستيطان، حق العودة، الأغوار، القدس....الخ
أخيراً وهو ما يستحق التنويه بقوة: هناك قلة من الحاقدين هنا وهناك يتجولون في حرم جامعة هنا أو مركز ثقافي هناك يدعون إلى مقاطعة إسرائيل بتهم مقززة بأن إسرائيل عنصرية أو أنها خطر، وهم أناس مصابون بالعمى لكي لا يشاهدوا خطر إيران على العالم، أو إنهم يحدقون بقوة إلى قليل من غبار حبوب اللقاء العالقة في عيون الإسرائيلي المنهمك في الزراعة وإنتاج المعرفة والقيم الإنسانية الرفيعة، ويغفلون عن القاذورات والخشب والقش التي تملأ عيون العرب، والكوبيين، والفنزويليين، والكوريين الشماليين. لا فائدة البتة من أي كلام يقال، ولا بد أن نعوم تشو مسكي على حق تماماً عندما عنون كتابه الصادر في العام 1992 حول ذكرى غزو "العالم الجديد" وتدميره ب" 501، الغزو مستمر." لا جرم أن الغزو مستمر حتى اللحظة، وربما علي أن أكتب في مناسبة زيارة رئيس الوزراء "لإسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية": "2104، 522، الغزوات والإبادة، والتجاهل، والتطهير العرقي مستمرة."
حاشية لا علاقة لها بالنص: عبر المسؤول الفلسطيني نبيل شعث في مقال نشره في صحيفة "جلوب أند ميل" الكندية عن خيبة أمله من تصريحات رئيس الوزراء الكندي. انتهى








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب الجمعية الوطنية الفرنسية.. مفاوضات مرحلة ما بعد الانتخا


.. ما ردود الفعل في أوروبا على نتائج الانتخابات التشريعية في فر




.. حماس تتخلى عن مطلب وقف إطلاق نار دائم كشرط مسبق للتفاوض للإف


.. صور حصرية لحرق مستوطنين شاحنات بضائع ومساعدات في طريقها إلى




.. بسبب القصف الروسي.. دمار كبير في مستشفى الأطفال ومبان سكنية