الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عناصر وإستيفاءات

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2014 / 1 / 25
الادب والفن



في الرواية كما في الحياة، ثمة عناصر وإستيفاءات لا يمكن التغاضي عنها؛ وإذا كانت تلك العناصر في الحياة مادية أحيانا، والإستيفاءات أخلاقية في أغلب الأحيان، فإنها في الرواية فنية وإشارية دائما.
فالرواية، ومنذ مطلع القرن الماضي، تأهلت – بجهدها الإشتغالي – لأن تكون خاضة للقارئ بالدرجة الأولى، بدل أن تكون مسلية فقط؛ وبأن تكون شقية وأن تستقرئ المنظور الحياتي والمستقبلي بصورة مشؤومة!، بدل أن تنهي متعة القراءة بصورة حلمية، تعيد الأمور إلى نصابها، وهي في الواقع – أمور الانسان - معلقة كشياه مهددة بالذبح..، بمعنى أن لا تجاري أحلام اليقظة وحلولها السحرية، وأن تثير المتلقي بزخم مجهولاتها التي تثير عجبه وتجبره على الخضوع ولو لبعض ظلالها.
كل شيء في حياتنا المعاصرة يخضع للتشويه؛ وقلوب معظم الناس مليئة بمرارات مصنعة بأفران مرتجلة ولا تخضع لمعايير التقييس والسيطرة النوعية: الأفران ومنتجاتها من المرارت على حد سواء!... وهذا يعني أن ثلاثة قرون من عمر الثورة الصناعية والحضارة الحديثة قد أثبتت (زيف الكلام عن الموضوعية)، بحسب فرانز روت، وأن أمثلة غابريل غارسيا ماركيز، في واقعيته السحرية، هي الأقرب في الواقع للحياة التي ينشدها الانسان اليوم، وعليه يجب أن تكون كذلك في حياتنا اليومية المعاشة، وأكثر حصافة وملائمة من واقعية مكسيم غوركي الإشتراكية (بوجهها المادي الكالح)، وهدوء كافكا وكسله الروحي، وكذلك من شيئية (تقديسه لحقائق الأشياء في عناصر قوتها المادية) إرنست همنجواي.
لا ننكر مضاضة هذه الجدلية وعسفها مع الحس العام ومتوازية التقبل، (لدى من لا يتقبلون فكرة أن للفلسفة يد في إداء حتى إبرة الخياطة!)، إلا أنها لا يجب أن تثنينا عن رؤية حجم التشتت الفلسفي الذي خلفته أحادية المزاج العام وشيئيته التي سببها إهمال إنضاج المشروع الفلسفي، بصورة عامة، وللرواية الحديثة، بصفتها المتحدث الجديد الأكثر تقبلا بإسم الفلسفة، الوجودية على الأقل.
الوجه الثاني لهذه القراءة المتطرفة (هل هي فعلا متطرفة في غير فلسفيتها؟) للعناصر الروائية وإستيفاءتها هو هروب الإنسان (الانسان الملموس، بتعبير أحد الروائيين)، ومنذ القدم، إلى الأمام؛ بمعنى نبذه لفحص الحقائق التجريدية وتفضيله عليها ما يعبّر عن أحاسيسه ومساحة ما تحدثه من تأثير في الآخرين، وأثر (فلسفي) في قناعاتهم ورؤاهم.. وعندما نعالج هذه الصيغة فلسفيا فسنقول إنها عملية العودة الحميدة إلى بداهات الداخل وفضاءات الأنا، التي إزيحت بلا رحمة، وحولت إلى عدو لعدم إنسجامها مع تجريدية وشيئية الموضوعية المادية (سياسية واقتصادية).
ومن هنا، وتأسيسا عليه، وفي إزاء الهرمية العمياء التي أسست عليها حياتنا المعاصرة وقوانينها، يبرز عنصر الإستيفاء الأكثر إلحاحا، وهو إقتصاص الإنسان لنفسه من حالة عشوائية الهرمية المادية التي صادرت حريته وشيئته وأحالته إلى لعبة حجرية، وجعلته، وبإلحاح لا فكاك منه، في مواجهة السؤال الكبير: ماذا كسبت مقابل كل هذا وأنا خسرت، ومازلت أخسر حريتي ونفسي؟ ألم يمسي هذا هو غرض الرواية اليوم؟ أليس هذا هو ما طرحه برنادر شو ومن تبعه، من الكتاب البريطانيين وحتى ولادة لامنتمي كولن ولسن، عقب كارثة الحرب العالمية الثانية على أرض الثورة الصناعية؟، وأيضا في الإضافة المتنورة التي قدمها الألماني (الشرقي) غونتر ديبرون، في روايته (حمار بوريدان) على وجه الخصوص، في الحقبة نفسها تقريبا، والتي كانت كشف حساب تفصيلي لإدعاءات المنجز الشيوعي (عندما طرح نفسه كبديل حضاري وفلسفي)، والتي إختصرها بطل تلك الرواية، العضو المرموق في الحزب الشيوعي الألماني بالسؤال: ماذا حصلنا بعد كل ذلك النضال ونحن مراقبون حتى في علاقاتنا الحميمة ونقف بالطابور لساعات من أجل الحصول على زجاجة فودكا من أردأ الصناعات الروسية، يرفع بها رفيقي، في نفس منظمتي الحزبية، تقريرا سريا مفصلا عنها، من لحظة إستلامي لها وحتى لحظة رميي لغلافها الفارغ بعد نزولي من شقة عشيقتي؟
هل ولدنا محكومين بالحرية أو لنكون أحرارا، أم لنكون مجرد خراف في مزرعة تسمين دولة الحضارة الحديثة؟
وحدها الرواية التي وقفت في منتصف طريق اللاعودة لتقول: كلا! على الإنسان أن يتوقف عن خسارة المزيد من نفسه وحريته ولو ربح كل العالم في مقابلها!
هل علينا أن نذكّر دائما، أن جدينا (آدم وحواء) قد ألقي بهما في غابة، وأن أول ما خاطاه لنفسيهما كان من ورق أشجار تلك الغابة، وليس من نسيج مصانع الثورة الصناعية، التي سببت كل أصناف الأمراض الصدرية لعمالها، من أجل أن تبقي فقط، على خيوط النسيج في أحسن أحوالها للعمل؟
إذا، بعض حياة (اللامسؤولية) الحضارية، وتهديم بعض قوانين حضارة الأسلحة التي لا تخطئ أهدافها وأسلحة الدمار الشامل (والتي هي لم تمنحنا أكثر من جداران السجون الحاجبة لنور الشمس عنا والموت المجاني والعبودية لقوانين ألاعيب السياسيين والدولة الحديثة) هي من بين أهم إستيفاءات الرواية الحديثة، التي ستعيد تبييض بعض صفحات تاريخنا الملطخة بمرارات، الانسان الآلة، الذي أحالتنا إليه حضارة ما بعد الثورة الصناعية... وأيضا ستعيد وصل حبلنا السري بأمنا الطبيعة، كثقافة ووسيلة تعبير، عما لم تعبر عنه مصانع النسيج التي خنقتنا عوادمها وحجبت عنا لون السماء التي كانت تظللنا وكنا نشعر بأثرها في حياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة


.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد




.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم


.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?




.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد