الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فى الثقافة وإنسانية الإنسان

داود روفائيل خشبة

2014 / 1 / 25
الادب والفن


فى الثقافة وإنسانية الإنسان
داود روفائيل خشبة

التجربة الإنسانية عبر الزمان وعلى امتداد المكان كل واحد متكامل، من خلالها يصوغ الإنسان إنسانيته، ولا تكتمل إنسانية الإنسان إلا باكتمال التجربة الإنسانية، ولا تكتمل ثقافة إنسان إلا بأن يستوعب التجربة الإنسانية فى كليّتها واكتمالها، وعمليّا، هذا بالطبع على إطلاقه شىء مستحيل، ولكنه يجب أن يبقى نصب أعيننا مثالا مطلوبا وأن يبقى معيارا تقاس به ثقافة الإنسان.
لذا فإن أخطر ما يَصِم ثقافة شخص ما أو أمّة ما بالضحالة والضيق هو غرور التعلـّق بخصوصية ثقافة وحضارة ذلك الشخص أو تلك الأمة (فى هذا السياق لا أفصل الثقافة عن الحضارة). خصوصية الثقافة أو الحضارة ضرورة حتمية تقضى بها طبائع الأشياء، لكنها، ككل ما يتعلـّق بواقع فعلى، ضرورة نسبية تنطوى على خطر يفعل فعله الحتمى حالما يحاول النسبى، محفوزا بغروره، أن يهتبل لنفسه صفة المطلق.
معذرة. لنخرج من هذه التجريدات الميتافيزيقية إلى ملموسات الواقع الفعلى. الفرد الإنسانى لا يكون فردا إنسانيا إلا بخصوصياته: قامة محدّدة معيّنة، لون عينين معيّن، تجارب طفولة معيّنة لا تتطابق مع تجارب طفولة أخرى حتى بين تؤمين. لا يكون الفرد فردا إلا بهذه الخصائص التى تخصّه وحده. لكن أىّ إنسانية تكون له إذا لم يتعامل مع الغير، إذا لم يتفاعل مع الغير، إذا لم يبادل الغير أخذًا وعطاءً؟ هذا مثال بسيط لتقريب معنى أن الخصوصية نسبيّة بالضرورة وتدمّر ذات كيانها إذا زعمت لخصوصيتها صفة المطلق.
كذلك الأدب المصرى مثلا لا يكون أدبا مصريّا إلا إذا ضرب بجذوره فى التربة المصرية واستمدّ رحيقه من الموروث المصرى وعكس فى ثناياه التقاليد والعادات المصرية بمحاسنها وبعيوبها ونقائصها التى تتميّز بها عن غيرها، لكنه فى ذات الوقت لا يكون أدبا إنسانيا إلا إذا انفتح على آمال وآلام الإنسان، وعلى تجارب الإنسان فى كل زمان ومكان.
انسقت لكل هذا الكلام وأنا لم أكن أقصد فى البداية إلا أن أقول إن أولئك الذين يريدون لنا أن ننغلق فى تراث خاص سواء كانوا ممن يريدون لنا أن نستغنى بموروث دينىّ خاصّ عن كل ما كابده وصارعه الإنسان فى ملحمة مسيرته الفكرية، أو كانوا ممن يريدون أن يقتصر انتماؤنا على قوميّة معيّنة، أو كانوا ممن يريدون أن تنحصر هويّتنا فى تراث وطنىّ محدّد، كل أولئك يغتالون إنسانيتنا، يَئِدون إنسانيتنا.
إنك تكون منقوص الإنسانية إذا جهلت موروثك الدبنىّ. عليك أن تستوعب موروثك الدينى وتدرس مصادره وملابساته التاريخية وتمحّصه وتنقده. عليك أن تعرف معالم تاريخ قومك، وأن تدرس إنجازاتهم وأخطاءهم وكبواتهم. وعليك أن تتشرّب تراثك الوطنى وتتذوّقه, لكنك لن تكون إنسانا إلا إذا وضعت كل ذلك فى إطار سعى الإنسان الحثيث لأن يكون إنسانا.
الإنسانية كيان واحد. لكى تكون إنسانا يجب أن يكون انتماؤك لذلك الكيان الواحد.
مدينة 6 أكتوبر، مصر، 25 يناير 2014
بينما قنوات التليفزيون تبثّ صور الدماء والدمار من جرّاء تفجيرات يوم الجمعة 24 يناير كتبت هذا الكلام الذى يبدو بعيدا عمّا يحدث. فهل هو حقـّا بعيد عمّا يحدث؟ هل يمكن أن نتجاوز الدماء والدمار إذا لم نجعل إنسانيتنا فوق كل شىء آخر؟
http://khashaba.blogspot.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا