الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقطة ماء عالقة

محمود الزهيري

2014 / 1 / 26
الادب والفن


مازال الشعور بالوحدة يملأ المكان .. المكتبة .. المطبخ .. موقد الغاز صار عليه صدأ يبدو أنه قديم
بقايا طعام تعفنت علي أحرف الموقد , صنبور المياه مبلل من أسفله , ونقطة ماء عالقة بفمه ولايوجد من حراك ليسقطها في الحوض لتحدث صوت يكسر سكون المكان
دلف مرة أخري لحجرة المكتبة , صار التراب ناعماً كبودرة التلك , ويعتلي كل شيء ,.. المكتب .. الكرسي .. الأباجورة .. وكل الكتب التي تبدو في أرفف المكتبة أو تعلو كتب أخري علي سطح المكتب ,, تبدي له كتاب قد شرع في قراءته منذ شهور , وانقطع عنه لأسباب لم يعد يعرفها هو , حدث نفسه بصوت يكاد يكون مسموع : إنه تاريخ الإنسان , كم هو كتاب تمني أن تكتمل صحبته حتي نهاية الرحلة , إلا أن أحداثاً جساماً قطعتها رغماً عنه حين هجر المكان فجأة وعلي غير استعداد , بعيداً عن أصوات زخات الرصاص , ورائحة قنابل الغاز التي ملأت جو المكان , ورائحة دخان خانق منبعث من احتراق إطارات السيارات القديمة , هتافات وشعارات وشتائم تحتويها الهتافات والشعارات مختلطة بأصوات زخات الرصاص المطاطي والرصاص الحي .. رائحة البارود وقنابل الغاز المختلطة برائحة الدماء , ندم ندماً شديداً حينما ذهب للحلاق وأزاح شعر وجهه, ذهب للميدان هو وصغيره" ...." .. رائحة الغاز المنبعث من هوايات محطة مترو الأنفاق , والقادمة مع الرياح من شارع محمد محمود جعلت وجهه ملتهب , وإبنه الصغير يكاد يختنق , يهرب سريعاً , ويبحث عن مكان لايكون تحت مهب الريح لينقذ صغيره ..
يالها من زكريات , كادت تقترب من عامها الثالث , قالها بصوت خفيض , والأن تذكر تاريخ الإنسان , وفصوله الإحدي عشر , وللتو بدأ في قراءة الكتاب ليجد عقله متماس مع الفصل الأخير في الإنصياع للمواطنة والوطن والمواطنين والمساواة في المواطنة .. كأنه كان يكتب الفصل الأخير مع المؤلف , ليؤكد علي إنسانية الإنسان فقط بغير تمييز بين إنسان وآخر علي أسس مجرمة تحرض عليها الهويات المجانية كالأديان والعقائد والطوائف والمذاهب , ليصل الأمر للقبائل والعشائر والعائلات , بخلاف نزعات اللغات واللهجات والألوان والجهويات الجغرافية , هكذا أراد أن يؤكد علي تلك المباهج المنتجة من جملة القيم والمباديء والمثل العليا التي تحرض علي إنسانية الإنسان , وتسعي لتهيئة المجتمع بعيداً عن مناخات الوصايات الدينية والوصايات السياسية , أو الإيديولوجيات العقيمة أحياناً والمخنثة أحيان أخري , فهو من كان منذ صغره يكره كهانة رجال الدين في أسلوبهم وعرضهم للقضايا الدينية , و النار والجنة والنعيم والجحيم , وفي ذات الوقت كان يرفض صور الجنرالات وشموخهم المصطنع في أبهة تزدري التماس مع التواضع وقيم الصدق مع الذات ومع المجتمع , كان لايأبه كثيراً لرجال الدين , ورجال السلطة , ولايرتاح كثيراً حينما تضطره الأمور للتواجد مع رجال المال والإقتصاد..
في تلك الأثناء , ومع هذه الزكريات , سمع أهازيج وأفراح وصوت الطبل والمزمار البلدي يغني ويهتف وينشد للجنرالات والوطن .. ولاعناً بهتافاته لمن تحالفوا معهم ضد الإنسان المجرد , ليعود الإحتفال بمن قتلوا , وأصابوا , وهتكوا الأعراض , هو ذاته عيد الخروج عليهم .
في هذه اللحظة حدث نفسه وهمهم متذكراً أحزانه التي لم يمتلك قدرة الإقدام علي هجرانها ليصير قلبه وعقله وكأنهما في المنفي , وفي كل مرة كلما اجتر زكرياته كأنه يريد أن يخرج من القمقم , ولكنه أصر علي أن يخرج من هذا القمقم الذي صنعه بإرادته , وحين أراد الخروج للمشاركة في إحتفالية الإنسان المجرد مطبقاً مفاهيم الفصل الأخير من كتاب تاريخ الإنسان , سقطت نقطة الماء من فوهة صنبور المياه لتكسر سكون المكان , ولتبدأ فصول كتاب جديد سيصنعها هو بإرادته للعيش والحرية والكرامة الإنسانية !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?