الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنيف 2: عُقد ولم يُعقد

جوان ديبو

2014 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يحفل التاريخ بالعديد من حالات النزاع التي لم تستقم معها الحلول التوافقية الترقيعية الوسط ( اللون الرمادي ) ، وأبت تلك النماذج ( القلاقل ) الرضوخ والإذعان للسكينة والهدوء إلا على قاعدة ( يا غالب يا مغلوب ) او ( يا ابيض يا اسود ) ، مع ما عنيت من أثمان باهظة في البشر والحجر, وبصرف النظر فيما اذا كانت البدائل التي في جعبة المنتصرين راقت للثائرين ام لا.
ومع بالغ الاسف والحزن , يبدو ان الحالة السورية تتبوأ صدارة هذه الشاكلة من المنازعات السياسية والمسلحة, في ظل الغياب والتغييب التاريخي المتأصل والمتجذر للغة الاعتدال والوسطية , التي طالما تشدق بها السوريين على مر تاريخهم , والتي سقطت في واد سحيق في اول امتحان حقيقي تعرضت له , والتغييب القسري للغة السياسة ومفرداتها الرئيسية كالواقعية والحقائق والمعطيات. وبعد ارتكاب النظام الأهوال والفظائع على وتيرة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً بعد الحرب الكونية الثانية ، على امل إطفاء جذوة الحراك الجماهيري السلمي أولاً ، والمسلح لاحقاً ، بعد استفراده بالشعب الاعزل , وتأكده مرارا وتكرارا بصعوبة حدوث التدخل العسكري للاطاحة به , او على الاقل للجمه وردعه , بحيث لم يعد في وارد التنحي او التسليم، لأن في ذلك فناءه فيزيائياً , مع ما تعنيه هذه الحقيقة من تعرض رموزه للتصفية والملاحقات القضائية وعمليات الثأر والانتقامات الفردية والجماعية , التي ستكتسي دون ادنى ريب صورا واشكالا مختلفة قد تفوق المعقول في احايين كثيرة.
وبعد ان أتقن الدور المنوط به في تخريب البلاد والعباد لحدود الاحترافية والإبداع ، لدرجة لم يعد بمقدور القائمين والممولين لهذه اللعبة القذرة ( المنتجين والمخرجين ) الاستغناء عن نظام ممانعة ومقاومة الشعب في استكمال مسرحية الرعب الى مطافها الأخير ( مثوى البلد).
قلما تقاطعت وتلاقت المصالح الدولية والإقليمية للقوى المتناقضة في النزاعات السياسية والمسلحة لدرجة الأوج والذروة والكمال ، كما في النزاع الدولي الإقليمي الدائر رحاه على الرقعة السورية ، حتى باتت فرضية الاستسلام والانسحاب او حتى الارتخاء من طرفي الصراع في أداء الدور الموكل اليهم هرطقة وتخريف وتدجيل , وغير قابل للتطبيق او ربما حتى للجدال، واذا كانت تلك الفرضية قابلة للتناول والتداول في أروقة صانعي اللعبة واللاعبين في البدايات ، فإنه من الصعب إن لم يكن محالاً تخيله الآن بعد ان تمرغت لا إنسانية عديد أطراف النزاع السوري الدولي الإقليمي في وحل ومستنقعات القتل والاجرام بحق شعب اعزل كل ما اقترفه وجناه انه فكر وسعى يوما الى تذوق طعم ربيع الحرية والديمقراطية ، التي حرم منها لعقود خلت على ايادي العصابة الاسدية الحاكمة ، وانه لو كان على ربع دراية بما سيجلب عليه جنوحه وجموحه ومغامرته في الإقدام على المطالبة بربيع الحياة، لفكّر ألف مرة قبل ان يخطو خطوة واحدة على الدروب الشائكة والملغومة، ولمّا اقدم على ذلك ، ولفضّل الخريف الذي أدمنه بنقائصه ومثالبه والخلود فيه , على اللعب بالنار او الارتماء الى دائرة جهنم والانتحار، بعد ان تآمر كل العالم ضده واغتالوا حلمه الجميل وهو في المهد.
يستشف من الكلمات ( الخطب ) النارية التي القيت في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر جنيف ٢-;- ، ان أبواب الحل السياسي في سورية بالصيغة ( الغامضة ) المأمولة المتداولة في أروقة الدبلوماسية الدولية المنافقة ، موصدة بإحكام قلّ نظيره ، وان مفاتيحها نائية كبعد الأمل وفقدانه لدى السوريين في حيازة أدنى مستويات العيش والإنسانية والكرامة ، وكنأيي البسمة عن شفاه أطفالهم، وان جنيف ٢-;- ( اذا كتب له العيش والانطلاق ) لن يكون نزهة قصيرة الأمد على دروب سالكة ، لا بل وكما يبدو سيكون على النقيض من ذلك تماماً ، طريقاً وعراً غير سالك محفوفاً بالمخاطر ، بسبب تراكم النفاق الدولي والاقليمي وجبروت الطغمة الحاكمة في دمشق , وغباء وسذاجة وبدائية المعارضات السورية المتعددة.
مضامين الكلمات وطريقة القاءها وتضاريس الوجوه المتجهمة ، لم توحي بأن هناك أجواء مؤتمر للصلح ، وكانت أشبه بأجواء المحاكم ومرافعاتها ، او بمهرجانات الخطاب والبلاغة او كمن يحضر نفسه لجولات لاحقة اكثر دموية وشراسة , او بمحاولات دؤوبة لتسويق الخطابات المتناقضة وللتشهير والتجريح والإهانة في عملية استعراض العضلات ( لغوياً ) وهذه المرة وجهاً لوجه.
الأسلوب الذي تحدث به وليد المعلم ينم عن ان النظام ما زال قوياً على الأرض ويحقق المزيد من التقدم ميدانياً، وانه ليس في وارد مسألة تنحي الأسد نهائياً ، وهذا يستحضر في الاذهان القاعدة القديمة الجديدة للنظام وهو انه لا يفقه غير منطق القوة ، فهو أساس بناءه وتاريخه وديمومته ولا يمكن ان يزول إلا بذلك المنطق والأسلوب الذي اغتصب من خلاله السلطة في غفلة من الزمن والتاريخ.
تمسكن كثيرا احمد الجربا باسم الشعب المنكوب المسكين ، ولكنه يدرك في قرارة نفسه انه حضر المؤتمر مع ائتلافه الهزيل مكرهاً لا بطلاً ، وانه لم يكن يملك خيارات اخرى تمنكه من الاستمرارية والصيرورة في حال العزوف عن الحضور , وان المعارضات السورية المختلفة تتآكل تدريجياً سياسياً وعسكرياً على الارض , بفعل التشرزم الذي يفتك بها , وارتهانها اللا محدود للاجندات الخارجية المتضاربة , واختراقها من قبل عملاء النظام.
يحدونا الأمل جميعاً بوضع نهاية قريبة للمأساة السورية المروعة رغم المعطيات والوقائع التي لا تشي بذلك ، ويبقى بصيص الأمل الخجول معلقاً على الرعاة لاڤ-;-روڤ-;- وكيري في الضغط على وكلائهم لتقديم التنازلات في سبيل الوصول الى صيغ وتفاهمات توافقية في حدودها الدنيا حول الجوانب الانسانية فقط كفتح ممرات الى المناطق المنكوبة الخاضعة لحصار جائر من قبل جيش النظام كوسيلة للتركيع والخنوع ، املاً للتخفيف من معاناة السوريين في الداخل.
قد يكون من المبكر الحكم على المؤتمر وما سيفضي اليه , الا انه وكما يقال حسب المثل السوري الشائع ( المكتوب باين من عنوانه ) , ويبدو ان الجميع حضر المؤتمر وقال كلمته باستثناء الشعب السوري المنكوب المسكين , لذلك فان جنيف 2 عقد ولم يعقد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله