الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجودية الرواية

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2014 / 1 / 27
الادب والفن


يعد ظهور دستويفسكي ـ رغم أنه لم يظهر في هذا الجانب بنصاعة الصورة التي ظهر بها ألبير كامي، على سبيل المثال ـ نقلة حازمة في تاريخ الرواية لمنحه إياها هوية تصنيفها الفلسفي... أو المرجعي ـ على وجه الدقة ـ لهويتها أو ما تمثله وتحتويه من كتل رؤيوية، بكونها الصخرة التي تتعرى عليها الفلسفة الوجودية، قبل لحظة جلوسها على مصطبة جدلها.. طبعا هذا يعني أن الرواية وجودية، وأيضا إنها تمتلك أهم عناصر الإستفزاز الفلسفي، المنظور والملموس بصيغة (اليومي) أو من حلقاته الأقرب للقبول والإستيعاب... حلقة الأدب السلسة.
لسنا هنا في معرض تحديد أفضلية أو الثناء على دستويفسكي، بل نحن بصدد تحديد اللحظة الفارقة في توجه الرواية في أن تكون وسيلة الكشف وإسلوب التعبير عن فكرة: أن إعلاء شأن العقل العلمي كان على حساب الأنا الفردية وروح الطبيعة فيها، وهو ما أنتج ثورة الذاتية والتمرد ضد العقلانية المحضة (التي روجت وتروج لها ماكنة بروبجندا سطات العالم الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية الرسمية) والتي دحضتها ممارسات تلك السلطات ذاتها، على الأقل في الحربين الكونيتين والإحتلال الإسرائيلي لأراضي الشعب الفلسطيني وحرب إحتلال العراق، على سبيل المثال السريع لا الحصر.
حقيقة الأمر ان الحرب العالمية الثانية، على وجه الخصوص، هي التي أشرت أن حياتنا بحاجة للمزيد من الحيوية و(الحياة العارية) وللمزيد من التأمل الروحي، والتخفف من أعباء ما قبل الموت... والمؤدية إليه، وأظن أن هذا بالضبط ما طالب به كتاب، الفيلسوف الوجودي كولن ولسن (اللامنتمي)، الذي أعتبر في منتصف خمسينيات القرن الماضي، المشخص لمرض العالم، والذي أتفق الجميع معه، نقادا وفلاسفة وأكاديميين، على إنه عالم بلا قيم.
وإذا كان أموند هوسرل هو من قيض للفلسفة أن (تكف عن تقليد العلوم البحتة والطبيعية التي تتصرف بأفكار مجردة عن الحقائق الوجودية) كما يقول إرنستو سوباتو، فإن عملية تمكين دستويفسكي للرواية (من وجوديتها) قد نضج عبر جهد الفلاسفة الوجوديين الذين كتبوا فلسفتهم عبر وسيلة الرواية وأفععموها بروح الأدب السلسة، كسارتر وكامي، ومن تبعهم في الرؤية، التي إستحكمت عبر سلاسة الرواية إلى يومنا هذا، حتى صار بمقدورنا اليوم القول بأن الرواية وجودية، وأن أهم أحكامنا النقدية (غير الفنية أو الأدبية) على نجاح الرواية صار مقدار إقترابها من محك (وجوديتها) وإشتغالها على هذا المحك، طرحا ونقاشا وإثارة للأسئلة.
وبلغة التبسيط نقول، ان أهم ما أنجزه، منحى تطويع الرواية للفلسفة الوجودية كان تحقيق مبدأ إثارة الصيد للقانصين وتلوينه بالألوان المشعة والبراقة، لتسهيل عملية صيده وسط غابة ورافة الظلال وحفيف أوراقها مؤنس وأرضها بلا حفر ولا مطبات، لأن الإنسان في النهاية هو أقرب إلى روح الشاعر منه إلى روح العالم؛ الشاعر الذي (ينظر إلى الشجرة ويصف اهتزازات أوراقها دون أن (يأخذ بالتحليل الفيزيائي للظاهرة، ولا يلجأ إلى مبادئ الحركة، ولا يفحص بمساعدة القوانين الرياضية ومضات الضوء، لأن ما يعنيه هو الظاهرة ذاتها، والشعور البسيط الذي يخامره أثناء الإستمتاع في تلك اللحظة)، كما يقول إرنستو سوباتو أيضا.
مما لا شك فيه أن انسان القرن الواحد والعشرين والقرن الذي سبقه، يعيش حالة توتر وتمزق وضياع ويقف على حافة نهاية موحشة تماما، وهذا الوضع المتشاكل هو الذي فرض على الرواية أن تتفرغ لمواجهة هذا الواقع المأزوم بذاته وفي ذاته، وفي أن تكون ـ الرواية ـ في وضع المواجهة غير المأزوم إلا في أسئلته الناقرة لزجاج مكاتب العقل الصانعة للأزمات التي قلصت على الإنسان زمنه الضروري وجعلته مجموعة من الإستثناءات التي تجبره على الهروب إلى غابات أفريقيا وصحارى القطب الجليدية مع أدوات صيد بدائية... وراديو ترانستور لحالات ضيق الصدر الإستثنائية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة


.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد




.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم


.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?




.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد