الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوريون بين الصفقة والحل السياسي

بدر الدين شنن

2014 / 1 / 27
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


وانعقد مؤتمر " جنيف2 " في موعده . وكان جلسة طويلة وحيدة ، ليذهب السوريون بعدها ، برعاية " الإبراهيمي " إلى حوارهم ، بحثاً عن حل مجهول السمت والمقومات ، للحرب .. وللنزاع على تقاسم السلطة . وتمخض عنه حتى الآن ، حقيقة أن الرهان على أن يمنح " مؤتمر جنيف 2 " نفسه صفة الهيئة الدولية ، ويصدر رغباته بصيغة قرار ، تبنى عليه مواقف وقرارات دول وازنة ، وحركة رأي عام واسع ، كما مؤتمر " جنيف 1 " قد سقط ، وسقط معه أيضاً الرهان الساذج ، على أن يتخذ هذا المؤتمر قرارات ملزمة للسوريين في طرفي النزاع . فلا " جربا " الإئتلاف المعارض حصل على إقرار مطلبه الرئيس " بتنحي بشار الأسد " ، وتشكيل هيئة حكومية عاجلة تضع السلطة بين يديه . ولا " معلم " الخارجية السورية حصل على الدعم الدولي المنشود ضد الإرهاب في الحرب السورية .

وسار المؤتمر وفقاً لمستويات المتغيرات القطبية الدولية المتحركة ، وتقاطع المصالح الستراتيجية الدولية ، ووفقاً لمتغيرات موازين القوى السورية الداخلية ، العسكرية ، والسياسية ، والشعبية ، ومتأثراً سلبياً إلى حد كبير ، بعدم السماح للمعارضة في الداخل بحضور المؤتمر ، وبسحب دعوة إيران لحضور المؤتمر بعد أن وجهت إليها الدعوة رسمياً ، على خلفية أن قوات لها تشارك في القتال الدائر في سوريا ، بينما دعي وحضر ممثلو الإئتلاف المعارض المسلح في الخارج ـ وممثلو دول ترسل وسائل الموت بكل أنواعها إلى سوريا مثل المملكة السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة وفرنسا .

وهذا ما شكل إساءة كبيرة للمعارضة السورية ، وللشعب السوري ، ولإيران ، واستفزازاً لافتاً لأطراف معينة ، كانت الغاية منه إطلاق ردود أفعال ، تؤدي إلى تأجيل المؤتمر ، أو إفشاله قبل أن ينعقد . كما شكل انتقاصاً واضحاً من أهمية المؤتر ، الذي أكد رعاته إبان حملة تسويغه ، على التعويل عليه كمخرج سياسي سلمي شبه وحيد ، لإنقاذ سوريا من جحيم الحرب ، عبر الحوار السوري ـ السوري ، والتوافق لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية . وقد انعكس ذلك على المؤتمر ضعفاً ملحوظاً ، وحوله إلى مهرجان خطابي ، وإلى تكرار المواقف التي عقد المؤتمر لتجاوزها .

ما يستثنى من نطاق المهرجان ، هو ما قدمه راعيا المؤتمر ، وهما ، وزير خارجية روسيا الاتحادية ، ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ، في بداية أعمال جلسة المؤتمر . حيث كانت مداخلة كل منهما ، هي بمثابة رسالة لأصدقائه من السوريين ، تتضمن الخطوط العريضة التي يرغب ، أن يتمسكوا بها ، وأن تتحول في الحوار السوري ـ السوري لاحقاً ، إلى أسس اتفاقات ، يبنى عليها الحل السياسي للأزمة السورية . وقد كشفت المداخلتان ، أن هناك تبايناً مستجداً في مواقف الدولتين ، تمثل بانعطافة أمريكية ، تجاوزت طروحاتهما المشتركة ما قبل المؤتمر . مثل العودة إلى مواقف " مطالبة بشار الأسد بالتنحي " و " تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات ، تبدا منذ الاتفاق عليها بإدارة المرحلة الانتقالية . بمعنى تمكين " الإئتلاف المعارض " من الاستحواذ على السلطة ، بدون العودة إلى الشعب السوري ، الذي من حقه وحده ، أن يقرر مصيره . وهذا يتجاوز إلى حد واضح أساسيات الحل السياسي المطابق للمطالب الشعبية المشروعة ، المتمثلة بالانتقال الديمقراطي السلمي الذي يؤيده الشعب .. إلى سوريا جديدة .. موحدة .. علمانية .. ديمقراطية .

وكان واضحاً أن هذه الانعطافة ، تستهدف رفع معنويات من حضر المؤتمر من المعارضة ، ومنحه وزناً بارزاً ، لتعويض ضعفه الذاتي ، وتغطية وضعه الميداني ، الناتج عن اقتتال الجماعات المسلحة ، التي أدت إلى وصول " الجيش الحر " الذي تعول عليه ، إلى حافة التلاشي ، وعن تقدم القوات المسلحة الحكومية في عدد من المواقع الهامة في أكثر من منطقة ، والحدث الأبرز في هذا التقدم ، هو عودة مطار حلب الدولي إلى السيطرة الحكومية بعد حصار طويل ، والبدء في استخدامه .
وقد انعكست مداخلة كل من راعيي المؤتمر على السوريين في المؤتمر . فمن جهة استقوى " جربا الإئتلاف " جيداً بمداخلة وزير الخارجية الأمريكي ، وكرر مسائل التنحي والمرحلة الانتقالية التي رددها الوزير الأمريكي . ومن جهة أخرى ، ارتكز " معلم الخارجية السورية " على ما تضمنته مداخلة وزير الخارجية الروسي ، وخاصة التأكيد على أن السوريين هم من يقررون مصيرهم ، والتمسك بالسيادة الوطنية ، ومقاومة الإرهاب .
والمثير للسخرية من بين مداخلات الوزراء العرب والأجانب الحاضرين في المؤتمر ، هو مخاطبة سعود الفيصل لأحمد الجربا بصاحب " الفخامة " وهذا لقب رئيس الجمهورية ، مستهتراً بالحاضرين ، وبالقانون الدولي ، ومتجاوزاً بعقلية قروسطية حق الشعب السوري باختيار رئيس جمهوريته وحكامه .

الجميع .. الصادق منهم .. والمنافق .. تحدثوا بأشكال مختلفة عن معاناة الشعب السوري وآلامه . لكن الجميع تمحورت مداخلاتهم حول السلطة . حول أن يبقى الرئيس الحالي .. أم يتنحى . وحول من ينبغي أن يكون رئيس الدولة السورية المقبل وقائد سلطاتها ومؤسساتها .. الجربا .. أم الأسد .. لم يقدموا المسألة بهذه الصيغة حرفياً . لكنهم قدموها حسب خبراتهم الدبلوماسية ، أو حسب أحقادهم وعصبياتهم المفوتة ، التي عبر عنها بشكل سافر كل من وزير خارجية المملكة السعودية سعود الفيصل ، ووزير خارجية قطر " العيطة "
والجميع كانوا حريصين على إخراج ما في دواخلهم من آراء ورغبات ، إيجابية ، أو سلبية ، تتعلق بالشعب السوري ، والأزمة السورية . غير أن الانطباع الذي يتكون لدى المراقب ، من مشهد مؤتمر " جنيف2 " هو أن ما تداوله الحاضرون في مداخلاتهم ، لم يكن مجرد تبادل آراء غايته التوصل إلى التقاطع .. والتلاقي .. والتوافق في وجهات النظر ، من أجل السلام والأمان في سوريا . بل كان تعبيراً عن تهديدات مشفرة متبادلة ، تعني إن لم يتجه المؤتمر ، وحوار السوريين في المؤتمر ، إلى الخضوع لما يريده هذا الطرف أو ذاك ، فإن أوار الحرب سيشتد ، والتدمير سيشمل مساحات أوسع ، والفوضى الإرهابية ومنعكسات وارتدادات الأزمة السورية ستتجاوز الحدود السورية إلى بلدان مجاورة .. وحدود بلدان أخرى هي أبعد منها .

لقد كان يمكن اختصار كل الإجراءات والمدماخلات المترادفة ، المعقدة ، بصيغة بسيطة واحدة ، تقارب بإيجاز، كيف ينبغي أن يكون العمل منذ الآن ، من أجل إنقاذ سوريا من غزو الإرهاب المتدفق مثل غزو المغول والتتار عبر حدود الجوار وبدعم الدول المدعية صداقة سوريا ، وتمكين الشعب السوري من إعطاء رأيه .. واتخاذ قراره .. بشفافية تحظى بغطاء دولي صديق حقاً ومحايد .. في اختيار رئيسه .. وتحديد مستقبله .
والسؤال الحق هنا ، هو لماذا لم ينحو المؤتمر هذا المنحى ، طالما عقد أصلاً ، حسب الطروحات المعلنة مسبقاً ، للوصول إلى هذه النتيجة . بل وأخذ ، تحت التهديد بالمقاطعة ومتابعة الحرب ، منحى يحصر عمله ، وحواره ، ومفاوضاته ، بكيف .. ومتى يتم التنحي وتقاسم .. أو انتقال السلطة ؟ ..
والسؤال الحق هنا أيضاً ، هو ماذا يعني مواصلة الحرب الإرهابية ـ وكأنها دراما مسلية ـ بالمعايير الوطنية والإنسانية ، لاسيما ، وأن التهديد في حال تنفيذه ـ وسوف ينفذ بسبب بنية الجماعات المسلحة الارتزاقية الدموية المتطرفة وتعددها ـ سوف يدفع بتداعياتها إلى الخروج عن السيطرة في آجال قريبة ، وإلى انتقال الكارثة السورية إلى الشعوب والبلدان الأخرى ؟ ..

ما يقدمه مسار المؤتمر حتى الآن من دلالات ، بما فيها بعض اللقاءات " التفاوضية لكسر حاجز التباغض " حسب معايير الدبلوماسية ، هو في غاية السوء والبشاعة . لأنه يقدم ثمار اندماج المصالح الشخصية ، والحزبية ، والفئوية مع المصالح والقوى الخارجية الاستعمارية ، في عداء سافر للمصالح الوطنية ، والدولية الراغبة بالأمان ، والاستقرار ، والسلام ، ويمهد لإفشال المؤتمر ، والتهرب من مسؤولية الدمار والدماء وتواصل الكارثة في سوريا ، وانتشارها على مساحات بلدان أخرى كما حدث مؤخراً في مصر ولبنان .

إن كل الذي جرى ويجري باسم " مؤتمر جنيف2 " يسير ، مهما مدد فن الدبلوماسي " الإبراهيمي " بأجله ، نحو الفشل . لأنه يجري نحو " الصفقة " بين النخب السياسية السلطوية ، أكثر مما يجري نحو الحل السياسي الشعبي الديمقراطي ، ولأنه ’يخشى في آن معاً ، من أثر فشل " الصفقة " على مصير السلطة المتنازع عليها في سوريا ، ومصير المصالح الدولية في الإقليم بعامة ، أكثر مما ’يخشى من أثر فشل " جنيف2 " على الشعب . والخوف الأكبر الذي لم يحسب حسابه " غباء " في مسار المؤتمر ، هو الخوف من الشعب ، عندما يدرك قواعد ومفاعيل اللعبة " الجنيفية " .. وتتحرك إرادته .. ليقرر هو مصيره بنفسه .. في حاضره ومستقبله .

ما يعني بكلمة موجزة .. إن من يختار الحوار في أي زمان أو مكان ، خارج " الصفقة " من أجل تحرير سوريا من الإرهاب .. ومن أجل أن يعم السلام والأمان والاستقرار والحرية كل مكان .. وكل إنسان فيها .. يختار الوفاء للشعب .. ويمثل الشعب السوري حقاً . ومن يحاور .. ويناور .. ويخادع .. وينسق مع الأجنبي اللدود ، من أجل انتزاع نصيب يرضي جشعه من كعكعة السلطة والثروة .. يختار المزيد من الدماء والكارثة للشعب .. ولايمثل الشعب السوري في شيء .

قد ينجح حوار " الصفقة " تحت ضغوط .. وبتشجيع من قوى إقليمية ودولية لها مصلحة في ذلك . لكن " الصفقة " لن تجلب سوى سلام عابر .. ومهادنة مفخخة .. لأن " الصفقة " معنية بتلبية مصالح النخب السياسية السلطوية من غير اهتمام جاد بالمصالح والمطالب الشعبي المشروعة التي فجرت الأزمة .
المطلوب .. هو حل سياسي ديمقراطي شامل .. يقرر الشعب شكله ومضمونه عبر الآليات الديمقراطية والوطنية والإنسانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس