الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خَبَر غير سار للاجئين الفلسطينيين في الأردن!

جواد البشيتي

2014 / 1 / 27
القضية الفلسطينية


جواد البشيتي
ثمَّة دُخان يتصاعد من قضية (كانت نَسْياً منسياً) هي قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفي بُعْدِها الأردني على وجه التحديد؛ ولا دُخان بلا نار؛ فإنَّ هيئة سِرِّيَّة أَلَّفها الديوان الملكي الأردني، منذ ستَّة أشهر، تختص بملف اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وبجانبه الخاص بالتعويضات على وجه الخصوص، وتضم "نخبة من المستشارين والباحثين والخبراء"، قد توصَّلت إلى نتيجة في منتهى الخطورة، وكان لها وَقْع الصاعقة على أصحاب القرار السياسي.
"الهيئة" اكتشفت، إذْ بحثت، وتعمَّقت في بحث، الجوانب القانونية الخاصة بحقوق التعويض، "وجود نصوص في القوانين الدولية تحرم اللاجئ من حقوق التعويض جميعاً، اعتباراً من لحظة تمتُّعه بجنسية وحقوق مواطَنة الدولة الملجأ".
وكان رئيس الديوان الملكي الأردني الدكتور فايز الطراونة، والذي يقود عمل تلك "الهيئة"، قد اعلن مؤخَّراً أنَّ الدولة الأردنية هي "صاحبة الحق في التفاوض على حقوق مواطنيها اللاجئين الفلسطينيين".
لقد اتَّخَذ الطراونة من تجنيس الأردن للاجئين الفلسطينيين ذريعة لإعلان أنَّ الدولة الأردنية هي صاحبة الحق في التفاوض على حقوق مواطنيها اللاجئين الفلسطينيين؛ أمَّا "الهيئة" فاكتشفت الآن أنَّ كارثة ستلحق بهؤلاء اللاجئين بسبب التجنيس نفسه.
هذا "الخبر" لا يعدو كونه بالون اختبار؛ فالغاية الكامنة فيه هي اختبار استعداد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، والذين يُصنَّفون الآن على أنَّهم مواطنون أردنيون من أصل فلسطيني، لقبول، وتَقَبُّل، فكرة "تعويضهم مالياً عن خسارتهم حقهم في العودة إلى حيث كانوا قبل تشريدهم وتهجيرهم"؛ فهؤلاء يُراد لكل فَرْد منهم أنْ يَقْبَل أمرين: التعويض المالي، والبقاء في الأردن بصفة كونه وطنه النهائي (فلا عودة له إلى ما أصبح الآن يسمَّى إقليم دولة إسرائيل، ولا حتى إلى إقليم دولة فلسطين لدى قيامها، وإذا ما قامت).
مُسرِّبو هذا "الخبر"، مع من يقف وراءهم، ومع الصحافيين الأدوات الذين اسْتُعْمِلوا في نشر وإذاعة "الخبر"، إنما يبتغون أمراً واحداً بسيطاً هو أنْ يشرع اللاجئون الفلسطينيون في الأردن يتجادلون، ويجادلون، في هذا الأمر فحسب. إنَّهم يريدون أنْ يسمعوا جمهوراً واسعاً متَّسِعاً من هؤلاء اللاجئين يقولون: كلاَّ، إنَّ لنا كل الحق في التعويض المالي؛ ولسوف نستميت في الدفاع عن حقِّنا في الحصول على ما نستحق من أموال التعويض!
"الاكتشاف" ليس اكتشافاً؛ إنَّه "أداة لاكتشاف" مدى قابلية اللاجئين الفلسطينيين في الأردن للتخلِّي "الآن (والتي هي ظرف زمان عربي وفلسطيني في منتهى السوء)" عن حقِّهم في العودة في مقابل حصولهم (أفراداً) على التعويض المالي.
نحن يوسف يا أبي..
إنَّهم عشرة ملايين فلسطيني، ثلاثة أرباعهم في "خُلْد المنافي" يعيشون؛ حياتهم كلها انتقال من تهجير إلى تهجير؛ فمن وطنهم هُجِّروا أوَّلاً، ثمَّ هُجِّروا، بـ "قوَّة الخوف منهم"، من "دنيا حقوق الإنسان"، ومن "دنيا حقوق المواطِن"، فهم بشرٌ لا حقَّ لهم في التمتُّع بـ "حقوق الإنسان"؛ أمَّا "حقهم في العودة" إلى حيث كانوا فتلاشت "واقعيته" بـ "قوة منطق القوة"، وأصبح القول به قولا بـ "الوهم" و"الخرافة"، بحسب "منطق السياسة الواقعية".
"الفلسطيني" هو تراجيديا "إنسان بلا حقوق"، مُثْقَلٌ بـ "الواجبات"، التي منبعها "الخوف منه"، وإنْ ألبسوه لبوس "الخوف عليه". عليه أن يفعل هذا أو ذاك، وليس له الحق في أن يفعل هذا أو ذاك.
خاطبوه دائماً بهذا "القول البليغ": إنسَ حقك في التمتُّع بـ "حقوق الإنسان" و"حقوق المواطَنة" حتى لا تنسى "حقكَ في العودة"، الذي ينبغي لكَ أن تنساه حتى نتذكَّر حقكَ في التمتُّع بـ "حقوق الإنسان" و"حقوق المواطنة"!
وهُجِّر أيضا.. هُجِّر من "حقِّه في خبزه السياسي"، فلا رأي له في "مفاوضات الحل النهائي"، التي غايتها أن تَجِدَ شيئاً يشبه تلكَ "الثلاثين من الفضة"، فيُعوِّضونه به خسارته "حق العودة"، الذي إن ظلَّ مستمسِكاً به سيعود؛ لكن ليس إلى حيث كان.. وإنَّما إلى حيث يمكن أن يكون. إلى "إسرائيل" لن يعود؛ لأن ثمَّة "حقائق" منيعة، تمنع "حقه في العودة". إلى "الدولة الفلسطينية"، قد "يعود"؛ لكن "قد" هذه شرعت تتحوَّل الآن إلى "لن".
إنَّ استمساك العرب بـ "حقِّ العودة"، أو بـ "الحل العادل الواقعي المتَّفَق عليه" لمشكلة اللاجئين، أو بـ "رفض التوطين"، لا معنى له ولا صدقية ولا قيمة عملية، إنْ لم يُتَرْجَم بفعل بسيط وصغير هو السماح للاجئين الفلسطينيين بتنظيم أنفسهم بأنفسهم، ليس من أجل أن يتسلَّحوا بالحديد والنار، ولا من أجل أنْ يفتحوا النار على إسرائيل من حيث يقيمون، ولا من أجل أنْ يصبحوا دولة في داخل دولة، وإنَّما من أجل أنْ يقولوا للعالم أجمع: هذا هو رأينا نُدْلي به، وهذا هو موقفنا نعبِّر عنه، من خلال هيئات انتخبناها بأنفسنا ولأنفسنا.
وإنَّني لأتمنى أنْ تقف الدول العربية من وجود اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها الموقف نفسه الذي وقفه ليبرمان (ونتنياهو) من وجود ما يسمَّى "عرب إسرائيل" في دولته؛ فهذا الرجل أبدى، غير مرَّة، إصراراً على عدم توقيع اتفاقية للسلام مع السلطة الفلسطينية قبل أنْ تلبِّي له مطلبه، ألا وهو نقل "عرب إسرائيل" من "منزله"، وضمِّهم إلى مواطني الدولة الفلسطينية المقبلة.
أليس من حقِّ العرب أنْ يقولوا لإسرائيل إنَّنا لا نريد بقاء اللاجئين الفلسطينيين عندنا، وإنَّنا، من ثمَّ، لن نوقِّع معكَ اتفاقية للسلام، أو لن نستمر ملتزمين لها، إلاَّ إذا أخذتِ اللاجئين من عندنا؟!
أتمنى أنْ تجرؤ الدول العربية على أبداء هذا "العداء الإيجابي" لوجود اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، فوحده هذا "العداء" هو ما يُقْنعني بأنَّ الدول العربية معادية حقَّاً للتوطين.
ذات مرَّة، تحدَّث الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن "حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة (إلى ديارهم في إقليم دولة إسرائيل)"، فدعا الإسرائيليين إلى الاعتراف بهذا الحق، مؤكِّداً (وكأنه يطمئن إسرائيل) أنَّ اللاجئين "لن يعودوا"؛ لأنَّ اللاجئ، وعلى ما زَعَم الرئيس المخلوع، لديه من "المصالح الشخصية" ما يمنعه، أو ما يجعله ممتنعاً، عن العودة (إلى يافا وحيفا واللد..).
أمَّا لماذا يستمسك اللاجئ الفلسطيني بحقِّه في العودة ما دام "واقعه (الحياتي الشخصي)" يدفعه في اتِّجاه آخر، معاكس ومضاد، فهذا التناقض هو ما حَمَل الرئيس المخلوع على حلِّه بقوله إنَّ السبب سيكولوجي (نفسي) في المقام الأوَّل، فاللاجئ يريد أن "يشعر" بأنَّه قد نال حقه في العودة، فإذا حانت لحظة القرار والاختيار فإنَّه سيقرِّر ويختار "الامتناع عن العودة".
إنَّه يقول لإسرائيل "اعترفي بحق العودة؛ لأنَّ اللاجئين لن يعودوا"؛ وكأنَّ مهمة الحُكَّام العرب أن يتوفَّروا على إجابة سؤال "لماذا سيقرِّر اللاجئ عدم العودة؟"؛ أمَّا سؤال "كيف يمكننا، وينبغي لنا، أن نمكِّن اللاجئ من العودة، وأن نشجِّعه عليها بوسائل تشبه تلك التي تزيِّن له عدم العودة؟"، فهذا ما لا مصلحة لهؤلاء الحكَّام في أن يسألوه، وأن يجيبوه.
واليوم يقول اللاجئون إنَّ أي رئيس دولة عربية لا يملك التنازل عن حق العودة؛ وإنَّ اللاجئ الفلسطيني نفسه لا يملك التنازل عن حق العودة؛ لأنَّ هذا "المُتنازَل عنه" ليس بالشيء المُمْتَلَك، أو الذي يمكن أن يُمْتَلَك، امتلاكا شخصيا، فالأبناء والأحفاد من حقِّهم الذي لا ريب فيه أن يعلنوا تخلِّيهم عن هذا التخلَّي؛ لأنَّ حق الإنسان في وطنه ليس بالحق الذي إذا تنازل عنه السلف وَجَبَ على الخلف أن يظل ملتزما هذا التنازل؛ ولأنَّ الحقوق القومية والتاريخية للشعوب لا تزول إلا بزوال الشعوب نفسها، ولا يمكنها أبداً أن تزول بتخلي فَرْد، أو أفراد، عنها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
عبدالغني زيدان ( 2014 / 1 / 27 - 13:32 )
استاذ جواد تحياتي لك بما انني فلسطيني واعيش في الاردن ولدي الجنسية ولكن الحكومة والعالم اجمع يعلم تماما اننا مواطنون من الدرجة الثانية او حتى الثالثة رغم الرقم الوطني والجواز وحق الانتخاب فضلا عن ان مستوى التمثيل الفلسطيني ممنهج بشكل يرضى زعماء بعض العشائر والديناصورات حسب وصف النظام
المهم لست مطلعا على الاسس القانونية للتعويض ولكن ارجوك عيجب علينا التركيز على حقيقة واحدة ان عملية التعويض لايملك قراراها لاجىء ولا اي دولة مهما قدمت وللقضية والاجئيين
بكل صدق اخي العزيز لن يكون هنالك قبولا كبيرا للتعويض ويكفينا اننا قد بدئنا النقاش وظهرت بعض الفتاوى التي تحرم عملية التعويض والتي اصلا ستكون من جيب السعودية والامارات لا من اسرائيل او صندوق الدولي للاسف الانسان الفلسطيني لا يملك من يمثله بحق لا من مفكريين ولا من حكومات ولا حتى من اي الحركات حسبنا ان حكومة غزة هي الوحيدة الراعية للثوابت الفلسطينية نوعا ثم ملف الاجئيين الاردنيين لا يجب ان يحظى باهمية بالمقارنة مع فلسطيني لبنان وسوريا والشتات لان الفلسطيني في الاردن يتمتع بمزايا كثيرة تعطيه القدرة على الاندماج والتطور وفق اليات المجتمع الاردني


2 - تعقيب
عبدالغني زيدان ( 2014 / 1 / 27 - 13:33 )
استاذ جواد تحياتي لك بما انني فلسطيني واعيش في الاردن ولدي الجنسية ولكن الحكومة والعالم اجمع يعلم تماما اننا مواطنون من الدرجة الثانية او حتى الثالثة رغم الرقم الوطني والجواز وحق الانتخاب فضلا عن ان مستوى التمثيل الفلسطيني ممنهج بشكل يرضى زعماء بعض العشائر والديناصورات حسب وصف النظام
المهم لست مطلعا على الاسس القانونية للتعويض ولكن ارجوك عيجب علينا التركيز على حقيقة واحدة ان عملية التعويض لايملك قراراها لاجىء ولا اي دولة مهما قدمت وللقضية والاجئيين
بكل صدق اخي العزيز لن يكون هنالك قبولا كبيرا للتعويض ويكفينا اننا قد بدئنا النقاش وظهرت بعض الفتاوى التي تحرم عملية التعويض والتي اصلا ستكون من جيب السعودية والامارات لا من اسرائيل او صندوق الدولي للاسف الانسان الفلسطيني لا يملك من يمثله بحق لا من مفكريين ولا من حكومات ولا حتى من اي الحركات حسبنا ان حكومة غزة هي الوحيدة الراعية للثوابت الفلسطينية نوعا ثم ملف الاجئيين الاردنيين لا يجب ان يحظى باهمية بالمقارنة مع فلسطيني لبنان وسوريا والشتات لان الفلسطيني في الاردن يتمتع بمزايا كثيرة تعطيه القدرة على الاندماج والتطور وفق اليات المجتمع الاردني


3 - اللعب في النار
رائد الحواري ( 2014 / 1 / 27 - 18:37 )
لا احد ينكر الدور الخطير الذي يمارسه الاردن، فمنذ ان احتلال الجزء المتبقي من فلسطين وله تأثير سلبي على القضية الفلسطينية، من هنا نحن نعلم ان هناك عدد كبير من الفلسطينيين يرغبون في العودة الى فلسطين لما وجدوه من ذل في دول الشتات، ونحن شبه جازمين بان العديد منهم يفضل (خم) في بلده على قصر في المنفى، وهنا نذكر بقول الشاعر التركي ناظم حكمت، السجن في الوطن افضل من القصور في المنفى-


4 - أبعاد حق العودة
نضال الربضي ( 2014 / 1 / 28 - 07:51 )
تحية طيبة للأستاذ جواد و الإخوةالأخوات المعلقين،

إنسانيا ً للفلسطيني حق العودة إلى دياره و لا يملك أحد منعه. لكن المشكلة هي في واقعية هذا الطرح. الرابط التالي يوضح أن أكثر من 5 مليون فلسطيني هم المعنيون بهذا الحق:

http://www.plands.org/arabic/articles/031.html

و الأسئلة التي يجب أن نسألها بالضرورة:

-هل تتسع الأرض ديموغرافيا ً لهم و للإسرائيلين معاً؟
-هل تخدمهم البنى التحتية لدولة إسرائيل و لكياني السلطة و غزة؟
-هل يستطيعون الإندماج في المجتمع القائم؟
-هل سيقبلهم إخوتهم من العرب أو أعداؤهم من الصهاينة؟
-كيف ستعمل الدولة عندها و ما هو شكلها؟ و هل هي قادرة على استيعاب 5 مليون شخص جديد؟

السؤال الأهم:
-هل يريد فعلا ًهؤلاء ال 5 ملاين ترك الحياة التي يعيشونها في دولهم و بناء حياة جديدة في أرض جديدة؟ هل تم استفتاؤهم لمعرفة من يريد العودة و من سيقبل بالتعويض؟

يا جماعة الخير خلينا واقعين: إذا كان عرب إسرائيل يرفضون رفضا ً تاما ً الانضمام للسلطة الفلسطينية و يفضلون الجنسية الإسرائيلية و امتيازاتها فكيف بعرب أمريكا و أوروبا؟

نحب فلسطين لكن الإسرائيلي غيّر الواقع على الأرض.

لكم احترامي.

اخر الافلام

.. تزايد القلق بشأن صحة الرئيس الأمريكي بايدن والبيت الأبيض يحا


.. الخلافات في الداخل الإسرائيلي.. تشابكات تعقد المشهد بسبب حرب




.. تركيا تغلق الحدود مع سوريا عقب اندلاع أعمال عنف في البلدين


.. حصانة الرئيس.. بايدن يعلق على قرار المحكمة العليا بشأن ترامب




.. كلمات صمود لطفلة من غزة تتشح بعلم فلسطين