الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عاش عاش الاتحاد....أكبر قوة في البلاد أو -من مغامرات عم حسين-

محمد المثلوثي

2014 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


في كثير من المشاهد التلفزيونية حيث عبق أنوثة إتحاد البورجوازيين ممتزجا بتجهم التسلطية الشرقية لإتحاد العمال، لا شيء يفسد الجو الحميمي ذاك غير زلات اللسان الغبية لرابطة حقوق الانسان و"حمارها الوطني" اللعين.
أما حفل تدشين البروليتاريا لمقرها الجديد، الذي لا يقل فخامة عن مقر إخوانها من "البورجوازيين الوطنيين"، فإنه قد احدث إنقلابا في الحبكة القصصية، حيث لم يعد الأمر متعلقا بتلك العلاقات الغرامية المافوق طبقية، بل بمصاهرة شرعية بين عائلات ذات نسب رفيع. ولو أن الأمر، من جهة، إحتاج لترقيع غياب النسب الرفيع بإهدار سنوات من أموال انخراطات العمال. مثلما إحتاج، من جهة أخرى، لترقيع البكارة، التي هي ليست من شيم الأرستقراطية العريقة، بعمليات تجميل مؤلمة من خلال ظهور البورجوازيين بالمظهر غير اللائق، الذي يشفي غليل "جرحى الانتخابات"، كمعارضة رسمية جدا لحكومة الترويكا. هذه الأخيرة، لولا المظهر "البلدي" لرئيس مجلسها التأسيسي، لكانت أشبه بمجموعة أجلاف ريفيين نزحوا حديثا لمراكز السلطة الحضرية، ومادة تهكم الفنانين الذين اكتشفوا فجأة مواهبهم الثورية في سوق نخاسة وسائل الاعلام.
طبعا، ولكسر الجو البروتوكولي، كان لا بد من جلب بعض "الشباب" المأجورين أو المتحمسين ليحقنوا الصفقة بدبكتهم الثورية: عاش عاش الاتحاد..... أكبر قوة في البلاد.
والمهر، وهو شرط لازم حتى وان كان الزواج عرفيا على الطريقة السلفية الأكثر تحررا في هذا العفن الأخلاقي البورجوازي المنافق، لا بد وأن يكون أغلى من مرتب موظف بسيط متقاعد، مهما أضفنا له من علاوات ومنح المسؤولية النقابية، لذلك احتاج الأمر لمساهمات أعضاء العائلة الموسعة: أما شقيق العريس فقد ساهم بأن أسقط عن شقيقه كل ديونه السابقة، وسلمه شهادة خلاص عن كل الصكوك بدون رصيد التي ظل يصدرها منذ ولادته. وحتى إن كان حفل تسليم الشهادة على ضفاف طبرقة، في الأوتيل حيث انتصبت أمام بابه خيمة اعتصام بعض العمال المطرودين، إحتاج لمفاوضات مضنية ومشاكسات عائلية وبعض "المصروف الزايد" و"لجان تنظيم" مفتولة السواعد، ففي كل الأحوال خرجنا بتحوير معجمي رائع سيتكفل بمقتضاه شقيق العريس بإعادة صياغة كل بياناته ومنشوراته السرية والعلنية من خلال حذف مصطلح "بيروقراطية نقابية" واستبدالها ب"قيادة الاتحاد". أما أبناء البلد الأصليين فكان يكفي أن يرسلوا ثلاثة عشر سفيرا من سفرائهم الى البطحاء الشهيرة، بكل ذلك الموكب الأوروبوي الفخم، حتى يقنعوا بقية المنافسين على قلب الأميرة، بحكومتهم وروابطهم وصقورهم وحمائمهم، بأن صاحبنا له رصيد ائتماني موثوق، وأنه عليهم الاستعاضة عن الجنس الحقيقي بالاستمناء اللذيذ الحالم، وعن دم إفتضاض بكارة العروسة بدماء شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذين جسدا القربان الأعظم على مذبح إلاه الدولة المقدس. وأما أبناء العمومة بباروكاتهم الليبرالية التي يخفون بها بورجوازيتهم الصغيرة المتسلقة وآثار الندوب التي خلفها صراعهم ضد شباب إعتصامي القصبة المتوحشين، فان تقاطرهم على البيت المتواضع لموظفنا البسيط المتقاعد كان كافيا لإقناع أهل العروسة بأن عريسنا "ولد عايلة"، "عاقل"، و"متربي" و"الفايدة في الهنا"...
لكن رغم كل شيء، فعلى العريس، حتى من باب الشكليات، أن يقدم للعروسة هديتها. وبما أن صاحبنا لم يتعود إلا على إصدار الصكوك بدون رصيد، فإنه ما كان له إلا أن يقدم هدية ليست له ولا يمكن حتى كراؤها. وهذه حكاية "الهدنة الاجتماعية" التي لم يعرف أحد، الى الآن من أين أتى بها عم حسين وكيف ستتصرف فيها وداد. وحتى يبقى الأمر سرا عائليا تم لف الهدية بإحكام، واختصار المراسيم، ليهب "الشباب" المأجورين والمتحمسين بدبكتهم الثورية: عاش عاش الاتحاد... اكبر قوة في البلاد.
لسوء حظ القراء فالقصص الرومنسية قد إنقرضت تحت لعنات "معطف" غوغل و"محاكمة" كافكا. واللغة الأدبية قد انحدرت من سمو عليائها الفخم الى فجاجة "مدار الجدي" و"الخبز الحافي" و"تلك الرائحة"، لينهي "دون كيشوط" كل أمل في عودة أبطال أسطوريين من نوع "أشيل" اليوناني أو حتى "عنترة ابن شداد" العربي الأسود. فالعقدة القصصية في قصتنا هذه لم تأت، كما جرت العادة، من رفض عائلة العروسة الأغنياء لخطيب ابنتهم "القعر"، بل جاءت، وعلى غير توقعات الراوي، من عشيرة العريس الممتدة من قفصة الى سيدي بوزيد مرورا بالقيروان والقصرين والكاف وصولا الى أحياء "الياجور" الأحمر في التضامن والملاسين. ففي بلد إشاعاته أكثر من حقائقه، بفضل الفيسبوك، من السهل أن تسري الحقيقة في شكل إشاعة. وما حاول إخفاؤه صاحبنا في موضوع الهدية أصبح موضوع فضيحة أسرية، حيث تصبح الإشاعة أهم بكثير من الحقيقة. ف"الهدنة الاجتماعية" التي "قربطها" عم حسين بشرائط ملونة، وكتب عليها كل كلمات الود التي يمكن أن يكتبها العبيد لأسيادهم: "مصلحة الوطن"، "الحفاظ على المؤسسة"، "السلم الاجتماعية"، "العقد الاجتماعي"، "حماية القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني".....الخ، وتسلمتها وداد وهي تقرأ: "مصلحة الأعراف"، "مراكمة الأرباح"، "وقف نزيف الاضرابات والاحتجاجات"، "تجميد الأجور"....الخ، هذه "الهدنة الاجتماعية"، وتلك الكلمات المبهمة ترجمها طبالو "الحوم": "أقعدوا عاقلين"، "أعطونا الرياض"، "أصهارنا البلدية ما يحبوش الشطيح العربي"، "عرس البلدية ما فيهش كسكسي باللحم"، "عرس البلدية ما فيهش مزود وراب"، "شدوا بلايصكم حتى نعيطولوكم"....الخ. وهكذا، وكلما كثرت الأوامر والنواهي، كانت "العرب" تتجمع في حشود، و"أسمع يالي ما سمعتش" "ولدنا حسين باعنا للبلدية". وقام "واحد محتحت" قال: "حالتنا متعبة أصل" (لا ننسى أن كاتب القصة "متعلم" على الطريقة "البلدية" ويخشى هو أيضا الكلمات الفاحشة مثلما يخشى الأطفال التبول في سراويلهم)، ثم قام آخر بلغة تدل على أنه ممن يسمونهم "أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل" وصرخ بما بقي له من جهد: "التشغيل استحقاق يا عصابة السراق". وغمز أحد "النبارة" هامسا: "في سبرنا العرس ما يكون كان ب17 ديسمبر، 14 جانفي متاع البلدية وما يشرقش علينا". وبطبيعة الحال فكل المشاكل ناتجة بالأساس عن سوء فهم متبادل. فوزير المالية مصر على أنها "زيادة طفيفة"، وجماعة القباضة مصرون على تطبيق القانون "إلي ماهوش طفيف". وأناس تقول "بالحق إرهاب" بينما يقول آخرون "فيلم". وواحد يقول "شفتهم بعيني"، والآخر يقول "هذاكا تورناج". و"البلدية" يقولون "أمن جمهوري" و"العرب" تقول "خلايق الحاكم". وفي التأسيسي جماعة يحبوا "شريعة ربي" وجماعة يحبوا "شريعة الغاب". وكلما قام أحدهم يطالب بشيء إلا وانبرى له "السارفير" مجيبا: "أوكي توا ندستروهولك". و"تفرشكت" الحكاية. "التلافز" تقول "منحرفين" و"العرب" تقول "هاذوكم متاعنا". يقوم واحد "مثقف" وبمزيج من الفرنسية والدارجة والفصحى المفخمة " أونفان بكلكم منحرفين"، والفيلسوف يقول "العرب منحرفون بالقوة"، وعالم الاجتماع يقول "منحرفون بالفعل"، وعالم النفس يقول "ناقصين حنان"، وخبير الدراسات الاستراتيجية يقول "مؤامرة خارجية"، والخبير الاقتصادي يقول "الأزمة عالمية ويلزمنا نكبسوا السنتورة"، والزعيم العمالي يقول "يجب أن نعيد الاعتبار لقيمة العمل". التفتت وداد لموظفنا البسيط المتقاعد وهمست له " شيري ركحلي جماعتك، موش لازم منها ها الهدية بالفضايح". صاحبنا إتجه لشقيقه صاحب الصيت في "التركيح": "وينهم جماعتك". فهب "الشباب" المأجورين والمتحمسين، وتحلقوا لحماية العريس والعروسة: عاش عاش الاتحاد.... اكبر قوة في البلاد.
أخيرا علت موسيقى الباي، وأجهش الجميع بالنشيد الوطني الذي تمت تنقيته من كل الشوائب الثورية العالقة وصقلت أبياته على طريقة الأناشيد المدرسية، وتعانق الجميع (بما في ذلك الكافر والمكفر) على نخب "دسترة" حق التعبير وحق الملكية. أما "العرب" الذين خرجوا من المولد بلا حمص ولا "كمية" ويئسوا حتى من "كعبة بقلاوة" فقد عادوا لمنازلهم وتسمروا أمام التلفزيون لمتابعة المغازلات الرومنسية المحرمة بين شقيقين من رضاعة العرق الحلال وهم في حالة انتصاب فوضوي تنذر بالخطر.
الكاتب لا يعرف مدى مطابقة الأسماء والأحداث لأسماء وأحداث واقعية. وخشية من محاكمة عادلة في ظل قضاء مستقل تماما، فإنه نصح الراوي بأن ينبه القراء بعدم تصديق الكاتب في كل أكاذيبه وتشويهاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية