الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


           مؤتمر جنيڤ-;- 2 محطة للحلّ أم للتصعيد ؟ 

محمود جديد

2014 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية



                           مؤتمر جنيڤ-;- 2 محطة للحلّ أم للتصعيد ؟ 
                                                          محمود جديد 
   علّمتنا تجارب الشعوب أنّ البعض عندما يواجهون مطبّات صعبة أو منعطفات حادّة يفقدون توازنهم ، ويقعون في حيرة وارتباك ، وتشوّش في الرؤية ، وخاصّة بين صفوف الانتهازيين الذين يسرعون للالتحاق بأطر سياسية أخرى ، أويتخلّون عن تنظيماتهم الأساسيّة على أنغام عالية من التبرير والصخب والصراخ ، وفي الوقت نفسه ، قد يزيد إيمان البعض ويحثٰ-;-هم على بذل المزيد من أجل متابعة المسيرة بكلّ إرادة و تصميم ... 
وهاهو مؤتمر جنيڤ-;- 2 أصبح واقعاً  ملموساً نتفاعل حوله ، وننفعل به ، ونراقب ونواكب جلساته على الرغم ممّا أصاب شرائح واسعة  من السورييّن من إحباط ومرارة بسبب سيناريو إخراجه ،  وحفلة الشتائم والاتهامات وتشويه الحقائق ، ونشر الغسيل الوسخ أمام العالم أجمع  ، ...ونتيجة لهذا كلّه ابتدأ البعض يتكهّن بفشله من يومه الأوّل ... 
ونحن لم نُفاجَأ  بما حدث في جلساته العلنية تحت أضواء الكاميرات من مهاترات ،  وعرض المواقف بسقفها الأعلى لأغراض تفاوضية تكتيكية ، وإرضاء للموالين .. لأنّ المناخ سيتغيّر وراء الأبواب المغلقة ، ويبتدئ الجدّ والضغط  والامتحان العسير .. 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، هل انعقد المؤتمر من أجل الحلّ أم التصعيد ؟ 
إنّ كلّ مراقب ومتتبّع لتطوّر الأحداث والأزمات في العالم يرى أنّ العديد منها قد ابتدأ يتّجه نحو الحلّ منذ لقاء كيري - لافروف في موسكو بتاريخ 7 أيار / مايو / 2013 وعلائم الارتياح الكبير  التي بدت عليهما وتصرّفاتهما عند عقد  مؤتمرهما الصحفي عقبه ... وأعتقد ك بأنّ الخطوط العريضة الأساسيّة للكثير من القضايا الدولية قد تمّ التفاهم عليها ، ورُبِطَت برزنامة محدّدة هي منتصف عام 2014 .. فسارت الأمور بسلاسة حول الملفّ النووي الإيراني بعد سنوات من التعقيد ..وحُِقنَ الملف الفلسطيني بجرعة منًشّط جديدة ..، وطُبِخ الملف الكيماوي السوري بيسر وسهولة على أنغام سيناريو ضجيج التهديد بالضربة الأمريكية لسورية ، وتناغم عرض كيري في الصيف الماضي بمقايضته مع إلغاء الضربة والسرعة في الاستجابة السورية مع تقديم المعطيات والمعلومات المطلوبة على جناح السرعة ، وعرضها في زيارة المعلّم إلى موسكو وتواجد نائب وزير خارجية إيران هناك في الوقت نفسه .. وفي هذا السياق جاء اقتراح كيري بوقف النار في حلب كمحطّة أولى على هذا الطريق ، وتلقّف النظام السوري هذا العرض بخفّة ورشاقة والقفز بسرعة مجدّدا إلى موسكو أيضاً لتقديم الظرف المختوم المطلوب إلى لافروف  ..وكلّنا يعلم أنّ الأمور قد أُنضِجَت على نار هادئة على الرغم من تقديمها على شكل  وجبة سريعة ... 
أمّا حصّة مؤتمر جنيڤ-;- 2 من التفاهم الآمريكي - الروسي فقد بدت واضحة من خلال توزيع المهام بين كيري ولافروف بتوكيل الخارجية الأمريكية بملفّ وفد المعارضة السورية المشاركة فيه ، والخارجية الروسية بمتابعة شؤون مشاركة الحكومة السورية ووفدها المفاوض .. غير أنّ هذا التفاهم خيّب آمال الكثيرين ، وبدا دور أصابع فورد ( السفير الأمريكي السابق في دمشق ) غير النظيفة في ( توضيب ) الوفد المعارض المشارك في المؤتمر ومسخه بوفد من قسم من  الإئتلاف   ، والذي بدت ملامحه منذ عدّة أشهر ، وكان أبرزها تجاوز دور اللجنة التحضيرية التي كانت معيّنة من قبل المعارضة السورية لمتابعة وتهيئة مؤتمرها المقترح في قرطبة ، وتكليف الجانب الاسباني حصراً من قبل الأمريكان في الإشراف على انعقاده ، ووضع / ڤ-;-يتو / على حضور الأخوين : الدكتور هيثم منّاع ، وصالح مسلم العضوين البارزين في قيادة هيئة التنسيق ، وتجاهل هيئة التنسبق كتشكيلة سياسية مشاركة في اللجنة التحضيرية واقتصار الدعوة لعضوين فقط بصفتهما الشخصيّة ( حضر المؤتمر 151 شخصاً ) .. وكذلك قطع الطريق على لقاء القاهرة للمعارضة السورية الذي كان قيد الإعداد له في ظلّ أجواء إيجابية من أجل توحيد جهودها والاتفاق على المشاركة في مؤتمر جنيڤ-;- 2 بوفد موحّد  ، ورؤية سياسية متّفق عليها .. ويبدو أنّ فورد كان يستهدف إبعاد القوى الوطنية الديمقراطية المؤمنة طواعية وعن سابق قناعة وإيمان بخيار الحلّ السياسي كطريق وحيد صالح لإيقاف العنف المزدوج ، وإنقاذ ما تبقّى من سوريّة من براثن الحرب المجنونة ، ووضعها على سكّة التغيير الوطني الديمقراطي  .. وخاصّة أنّها معارضة تتّصف بجانب كبير من الاستقلالية ، ومسلّحة برؤية سياسية تركت بصماتها على جميع المبادرات السياسية الأخرى ، وقد قدّمت  اقتراحات وحلولاً  أثبتت تطور الأحداث صحّتها .. ولكن الخيار الذي يفتّش عنه فورد هو معارضة مطواعة متلهّفة للسلطة ومؤهّلة للعب دور مجلس الحكم الانتقالي سيّئ السمعة الذي فبركه  وأداره / بريمر / في العراق بعد غزوه واحتلاله في عام 2003 ، وبشكل مباشر ومكشوف .. وكلّ مَن تابع وراقب دور فورد في لقاءات الإئتلاف في اسطنبول ، ولهجته الآمرة الناهية ، واهتمامه ورعايته ( الأبوية ) لوفده المفاوض في مونترو وجنيڤ-;- يتوصّل إلى قناعة بأنّه سيكون بريمر الثاني   بنسخة جديدة ولكن أشدّ خطورة ، لأنّ دور الآول كان واضحاً جليّاً يستفزّ  مشاعر الشعب العراقي ، أمّا الثاني سيمرّر ويسوّق بضاعته بالسوق السوداء ومن وراء الستار ممّا يقلّل من انعكاساتها السلبية على مشاعر السوريين ، وخاصّة بعد كلّ مالاقوه من عذاب ومعاناة مريرة ...
وعلى كلّ حال ،  إنّ شروط عقد المؤتمر السيّئة تعطي مؤشّراً واضحاً على النوايا الأمريكية تجاه الحلّ ، ولكنّ تجاهل الروس  لذلك وبرودة أعصابهم قد يعود لإدراكهم بشكلية حضور الوفدين ، لأنّ الهدف منه هو إيجاد الغطاء السوري لعقد المؤتمر ومن ثمّ تمرير التفاهمات الأمريكية الروسية على الطرفين المتفاوضين في ظلّه وتحت الضغط الدولي ...
أفق واحتمالات  المفاوضات الراهنة  والمقبلة : 
------------------------------------------
    إنّ نجاح المؤتمر يتوقّف بشكل أساسي على الإرادة السياسيّة لدى راعيي المؤتمر ، الطرفين المشاركين فيه أو التي قد تلتحق بهما مستقبلاً  ، ومدى توفّر النوايا الصادقة من قبل الجميع للسعي الجادّ على إنجاحه ، وعلى المنهجيّة السليمة المتّبعة ...  ووفق تصوّرنا من المستحسن الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:
- نظراً لحالة الاستعصاء الدامي المستمرّ من المفروض أن لا يتوهّم أحد من الطرفين أنّه جاء ليرغم الآخر على الإذعان لمشيئته ، أو أنّ دوره سيكون الأخذ دون العطاء .. 
- من الواجب والمنطقي والمألوف  أن يطرح كلّ طرف وجهة نظره بسقفها الأعلى ، وفي حالتنا الراهنة يُعتبَر طرح ضرورة وضع مكافحة الإرهاب كأفضلية أولى قبل البدء بالعملية السياسية هو السقف الأعلى الذي يبتغيه النظام  ، ومن المنطقي أن يفهمه الطرف الآخر بأنّه مناورة ومحاولة للتهرّب من الاستحقاقات المطلوبة منه وفقاً لتفاهمات جنيڤ-;- 1 .. وفي الوقت نفسه فإنّ إصرار الطرف المعارض المشارك على البدء ببحث كيفيّة تنفيذ ما يتعلّق بهيئة الحكم في المرحلة الانتقالية والمخوّلة بصلاحيات تنفيذية كاملة سيعتبرها وفد النظام بأنّها مسألة سابقة لأوانها ونقطة خلافية جوهرية ، كما سيعتبر أنّ شرط تنحّي بشار الأسد ، أو تسليم سلطاته إلى هيئة الحكم تجاوزاً لسيادة سورية ودستورها ، ولا ينسجم مع تطوّر الأوضاع الميدانية الراهنة في سورية ... 
- ولهذا كلّه ، فمن المفروض أن يسعى الطرفان المتفاوضان إلى التفتيش عن نقاط الاتفاق الممكنة بين سقف الحدّ الأعلى والأدنى لكلا الطرفين ... وهنا يبرز دور الإبراهيمي وراعيي المؤتمر من أجل اعتماد وفرض المسائل الأقلّ تعقيداً ، والتي يمكن تدوير زواياها وطرحها ، والإقلاع  بها ، أي البدء بالأسهل والسير بها خطوة خطوة ، وثمّ التقدّم نحو المسائل الأكثر تعقيداً وصعوبة ...   
- أصبح من المسلٰ-;-م به والمطروح أنّ راعيي المؤتمر قد سلٰ-;-ما ببقاء بشار الأسد حتى انتهاء ولايته في منتصف هذا العام ، وهما يدركان جيّداً بأنّه لم يصل إلى درجة الاستسلام حتى تطالب المعارضة بتنحيته ، وأنّ مثل هذا الشرط المسبق سيُعتبر خطّاً أحمر من قبل النظام السوريّ وسيدفع وفده لوقف المفاوضات ، والتوجّه نحو التصعيد الميداني أكثر فأكثر ..
- إنّ طرح المسائل الإنسانية من إغاثة وإفراج عن الجرحى والمرضى ، والمدنيين المعتقلين الذين لم يشاركوا في حمل السلح ، والمختطفين لدى المجموعات المسلّحة أمور قابلة للبحث وغير مستعصية على الحلّ ...
- إنّ وقف إطلاق النار  سيكون متعذراً حاليّاً بسبب وجود أطراف مسلّحة محليّة ووافدة مشتبكة في القتال ، وترفض العمليّة السلمية وتعلن جهاراً نهاراً أنّ هدفها إقامة الخلافة الإسلامية ، ولا بدّ من تحقيق حدّ أدنى من التفاهم بين الطرفين المتفاوضين على طريقة معالجة الموضوع ، والتفتيش عن دعم دولي ، وضمانات عربية وإقليمية ودولية .. وإلّا سيبقى هؤلاء المتمرّدون على الحل السياسي ذريعة وحجّة قوية للنظام السوري للتنصّل من أيّ التزام بوقف إطلاق النار .. وإزاء ذلك يمكن تجزئة الأمر ، ومحاولة تطبيقه في أماكن محدّدة يمكن السيطرة عليها والتحكّم بها وقابلة للتجريب .. ونرى أنّ حلب تُعتبر من المناطق المعقّدة والمتشابكة وغير صالحة لذلك .. وهذا ما أشرت إليه في 14 / 1 / 2014 ، باعتبار أنّ مدينة حمص أكثر ملاءمة وقابلية للنجاح لمثل هذا التوجّه ( وهذا ماتمّ السير به لاحقاً )
 ... 
- إنّ المسائل الصعبة والتي تبدو مستعصية في اللحظة الراهنة يجب تأجيلها إلى مراحل لاحقة قد تكون أكثر ملاءمة ، وخاصّة إذا تمّ إنجاز خطوات ملموسة ، وبناء حدّ أدنى من الثقة بين الطرفين ، وبذلك نضمن استمرار المفاوضات وإبقائها على سكّة الحلّ .. وقد تأتي تطوّرات ميدانية مساعدة لحلحلة استعصائها ... 
- إنّ مسألة ترشيح بشّار الأسد لولاية جديدة ، وتبعيّة الوزارات السيادية ، وخاصّة الداخليّة والدفاع وما يرتبط بهما من أجهزة أمنيّة من المسائل الصعبة جدّاً .. وليس بالمنظور القريب وفقاً للمعطيات الراهنة أن يتوصّل الطرفان المتفاوضان إلى اتّفاق حولها ، وهنا يبرز دور رعاة التفاوض في إيجاد وتقديم أفكارجديدة  قابلة للتطبيق لحلّ هذه المسائل المعقّدة وفرضها على الطرفين ...     
- إنّ تأجيل المؤتمر لجولة جديدة يصبح ضرورة من أجل إصلاح الخطأ أو الخلل الذي تمّ بشكل تعسّفي في تشكيلة وفدالمعارضة المفاوض  ، ومحاولة إشراك أوسع طيف ممكن من الفصائل المتواجدة في الداخل غير المشاركة في الحكم ، على الأخصّ هيئة التنسيق باعتبارها التشكيلة السياسيّة التي اعتمدت الحلّ السياسي ونظّرت له ، وتركت رؤيتها بصمات واضحة على المبادرات الأخرى بدءاً من مبادرة الجامعة العربية في تشرين الثاني عام 2011 وصولاً إلى تفاهمات جنيڤ-;- 1... كما طرحت حلولاً لكثير من المسائل المثارة لاحقاً لاقت استحسانا وقبولاً من جهات عديدة  ... 
آفاق التصعيد : 
---------------   على الرغم من استبعاد التصعيد في المنظور القريب ، ولكن لا يمكن نفيه بالمطلق ، وقد يأتي على شكل اعتداءات إسرائيلية على أهداف سوريّة حسّاسة ، أو بتقديم سلاح إضافي نوعي للمجموعات المسلّحة بشكل مباشر من أمريكا ،  أو حلفائها بهدف تحسين أوراق المعارضة وخلق معطيات ميدانية ضاغطة على النظام لإجباره على قبول ما كان يرفضه من شروطها ومطالبها ، وقد يعود البيت الأبيض ثانية  إلى ورقة التهديد بضربة واسعة على أهداف سوريّة مختارة .. وتنفيذ خيار التصعيدمن قبل الطرفين  سيسرّع في تدمير ما تبقّى من سورية ، لأنّ حلفاء النظام لن يسلّموا بذلك ، وسيزيدون من وتيرة وحجم مساعداتهم له .. وبالتالي ،  يمكن أن يشتدّ  أوار الحرب المجنونة الدائرة بين الطرفين الآن ، ويوصل الأوضاع إلى قاع الهاوية ، ويستكمل تحوّل سوريّة إلى دولة فاشلة ينتشر آثارها وانعكاساتها ومخاطرها إلى جميع دول الجوار السوري وربّما المنطقة بأكملها ، وهذا الطريق الوعر لا أحداً مستعدّاً له في المرحلة الراهنة - حسب تقديرنا -.. ومن هنا ، نرى بأنّ خيار الحلّ المفروض دوليّاً هو الأكثر رجحاناً مهما اعترضته من صعوبات وطال طريقه وحمل معه من سلبيات   .. ولذلك يجب على كافة أطياف المعارضة المؤمنة بالخيار السياسي طريقاً للحل أن تتوحّد في جبهة معارضة قوية ، وواضحة الرؤية ، مع التحلّي بالصبر والتصميم والثبات من أجل تحسين  شروط الحلّ ، واستمرار السير على طريقه  حتى تحقيق الأهداف الوطنية في التغيير الديمقراطي الجذري الشامل بعيداً عن الحسابات التكتيكية الرخيصة والانتهازية والاستئثار ... وأن لا تقودنا الظروف الصعبة وما يرافقها من إجحاف لهذا الطرف أو ذاك إلى الكفر بالحلّ السياسي ، والغرق في دائرة اليأس والإحباط ، أو الانحراف والتوجّه نحو خيارات وقرارات خاطئة ..
في : 27 / 1 / 2014  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول دفعة من المساعدات تصل إلى غزة عبر الرصيف الذي أنشأته الق


.. التطبيعُ السعودي الإسرائيلي.. هل يعقب التهدئة في غزة أم يسب




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة جثث 3 رهائن قتلوا في هجوم حماس


.. وفد جنوب إفريقيا: قدمنا طلبنا للمحكمة ليس لأننا حلفاء لحماس




.. سعيد زياد: الفشل المتراكم للاحتلال هو من سيخلق حالة من التصد