الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السوري المتعجرف

منعم زيدان صويص

2014 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


كان خطاب وليد المعلم المطوّل في مؤتمر جنيف في 22 كانون ثاني، واحدا من أمثلة كثيرة على تعجرف النظام السوري واستهتاره بشعبه واحتقاره للمعارضة وتمسكه بقيادته واستمرارها بأي ثمن. لا نتفق أبدا مع من يقول إن النظام السوري يحب سوريا والشعب السوري أكثر من معارضيه، بل نقول أن النظام السوري يضحي بسوريا، أرضا وشعبا، في سبيل بقائه في السلطة، ولو على أرض يباب وجثث السوريين. كنا نأمل، على إمتداد الثلاث سنوات الماضية، أن يغيّر هذا النظام من سياسته ويُظهر أنه يحب سوريا وشعبها أكثر مما يحب أن يبقى في الحكم. لقد أنتقدنا هذا النظام منذ البداية لضيق أفقه واستهتاره بالشعب السوري وباحتجاجاته السلمية، ولكننا، رغم ذلك، أيّدنا بقاءه مؤقتا، لأنه الأقوى عل الساحة وأنه يسيطر على الجيش ويستطيع أن يحتوي الجزء الأكبر من المعارضة ويشركها في الحكم لإيقاف الحرب الأهلية وتجنب التقسيم. غير أن آمالنا تبخرت تدريجيا عندما لجأ إلى سحق الآلاف واستعمال القوة المفرطة وحتى أسلحة الدمار الشامل التي طالما فاخر بأنها تحقق "التوازن الإستراتيجي مع العدو الصهيوني."

غير أن ما يهمنا في هذا المقال هو الإهانة التي وجهها وليد المعلم إلى الأردن دون أن يسميه، قائلا أنه "ضعيف، يؤمر ويأتمر." لقد درج هذا النظام على معاملة جيرانه -- الأردن، ولبنان، والزعامات والمنظمات الفلسطينية -- بطريقة إستعلائية، معتبرا أنها يجب أن لا تكون دولا مستقلة بل أتباع له، تأتمر بأمره. ففي لبنان لم يكن هناك سفير سوري إلا في عام 2009، بعد أكثر من ستة عقود على أستقلاله.

بعد هروبه من سورية إلى باريس في نهاية 2005، قال عبد الحليم خدام، الذي خدم النظام السوري بإخلاص في لبنان عدة سنوات، أن حافظ الأسد وأنور السادات ، بعد حرب1973، وصلا إلى نتيجة مؤداها انه ليس باستطاعتهما أن يتغلبا على إسرائيل بالقوة. مصر أعلنت ذلك صراحة وبدأت بالاستعداد للتفاوض مع إسرائيل، وأما سورية فقررت أن تجعل من لبنان ساحة حرب إستنزافية مع إسرائيل كورقة ضغط لإجبار إسرائيل عل الإنسحاب من الجولان. وكانت في الحقيقة حربا إستنزافية بامتياز، لأنها استنزفت لبنان تماما، ولم تستنزف إسرائيل أبدا بل ضاعفت من قوتها. لقد استخدم النظام السوري المقاتلين الفلسطينيين وحزب الله لمحاربة إسرائيل من جنوب لبنان وليس من الأراضي السورية، وأدى هذا إلى تدمير الجنوب اللبناني عدة مرات، وتحويل حزب الله إلى دولة داخل دولة بالتعاون مع إيرن، التي لها أهداف أخرى في المنطقة. ورغم تضحيات اللبنانيين، بالنيابة عن سوريا، لم تنسّق الأخيرة مع أي لبناني، ولم تسْتشرْ أيا من حلفائها اللبنانيين عندما قبلت الوساطة التركية في المفاوضات مع أسرائيل. هل كان من المفروض على لبنان أن يُدمّر، وبدون فائدة، في حرب بالنيابة، دفاعا عما يسميه النظام السوري "قلب العروبة النابض؟"

أما الأردن فكان عليه أن يتحمل جور شقيقته سوريا، تحت هذا النظام. حتى سد الوحدة إستغله النظام السوري لمضايقة الأردن، لأن هذا النظام يعرف مدى حاجة الأردن للمياه، فأصبح في الحقيقة سد "الفُرقة." ورغم أنه فتح أبوابه للاجئين السوريين، خلال السنوات الثلاث الماضية، تعرض الأردن لانتقادات النظام الذي وجه إليه كل أنواع الإتهامات. أما السفير السوري في عمان فيشعر أن من واجبه إنتقاد، وتوجيه الإتهامات بكل حرية، لأي مؤسسة أو مسؤول أردني لا يكرر مزاعم النظام أو يكيل المديح لرئيسه، ولو لم يكن سفيرا لسوريا لطردته الحكومة الأردنية شر طردة منذ مدة طويلة. فأقل ما يقال أن تصرفاته وتصريحاته تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية. وربما كان خطأ الأردنيين منذ تأسيس دولتهم أن حبهم لإخوتهم العرب كان أكثر من حبهم لأنفسهم.

أما الزعماء الفلسطينيون فقد عانوا الأمرين، لأن النظام السوري كان يردّد المبدأ، الذي طوره جورج بوش في حرب العراق: "أنت إما معي أو علي." وعندما بدأ ياسر عرفات يدعو إلى "القرار الفلسطيني المستقل،" أطلق حافظ الأسد عليه مصطفى طلاس ليرميه بأقذع الصفات التي لا يمكن أن تخرج إلا من فم طلاس، وكل المسؤولون الفلسطينيون الأحياء يذكرون ما قال. أما قادة حركة حماس، والزعامات الفلسطينية داخل سوريا، فقد قاست كثيرا من تدخل المخابرات السورية في شؤونهم. وعندما بدأت الحرب السوريه، أعلن خالد مشعل أن حركة حماس ستقف على الحياد. ويسرد نائب مشعل، موسى أبو مرزوق، قصة ما حصل في مقابلة تلفزيونية قائلا أن الحكومة السورية إتصلت بهم وأبلغتهم أنها لا توافق على ذلك، وأنه يجب عليهم أن يحدّدوا موقفهم بوضوح: إما مع النظام وإما مع المعارضة، وبهذا أُجبروا على الخروج.

أما أحمد جبريل، زعيم الجبهة الشعبية - القياده العامة، فهو حالة خاصة، فربما يكون الفلسطيني الوحيد الذي يحمل الجنسية السورية، لأن أخواله سوريين وكذلك أنسباؤه، وهو مقرب جدا من النظام، وقد إنضم منذ البداية، ولا يزال، هو ومنظمته، للقوات السوريه التي دكت مخيم اليرموك وجوعت ساكنيه الفلسطينيين حتى الموت. ويمكن القول أن من بين الذين تاجروا بالقضية الفلسطينية، وهم كُثر، كان النظام السوري الرابح الأكبر، فقد إستمر ثلاثة وأربعين عاما يحكم سوريا كنظام "عائلة ممانعة،" وكان الشعب الفلسطيني وقضيته الخاسر الأكبر.

صحيح أننا عارضنا ونعارض إمداد المنظمات التكفيرية والمتطرفة بالسلاح لأن هذا يطيل أمد الحرب ويجعل أي حل معقول بعيد المنال، ولكن النظام تجاهل خطورة الأوضاع في المنطقة والمصالح السياسية للاعبين الأساسيين. فبدل أن يدعو زعماء المعارضة إلى سوريا ويقدم بعض التنازلات لهم ويتحالف معهم ليتمكنوا من الإشتراك في الحكم، ويبرهن أنه يحب سوريا أكثر من كراسي الحكم، سمح لقوات من حزب الله وإيران بدخول المعركة، وهكذا دوّل الحرب وجعلها طائفية بامتياز، ووصل إلى نقطة اللاعودة.

بعد توقيع المعاهدة المصرية الإسرائيلية، عُقد مؤتمر قمة عربي في بغداد في تشرين ثاني عام 1978 لبحث موقف الدول العربية من مصر. وفي حركة إستعراضية، قرر الزعماء العرب طرد مصر من الجامعة العربيه وسحب سفرائهم من القاهرة. معظم الزعماء العرب لم يكونا واثقين من صحة ما فعلوه، ولم يراعوا ظروف مصر. وأسست الحكومة السورية إذاعة خاصة موجهة ضد النظام المصري. واستمرت الحملات السورية في عهد حسني مبارك، الذي هاجمه مصطفى طلاس بطرقه البذيئة قائلا، بأن الولايات المتحدة "عرفت من تعين خليفة للسادات، فقد عينت إبن ظبه وأمه الطرطبة، حسني مبارك." وإذا كان بعض القراء لايعرفون هذا التعبير فليبحثو عنه في غوغل.

وتدريجيا إكتشف الزعما العرب أن مقاطعة مصر كانت خطأ، و"أن غياب مصر عن الساحة العربية ترك فراغا سياسيا هائلا،" ولتصحيح هذا الخطأ كانت الأردن أول دولة تعيد علاقاتها مع مصر في 25 أيلول 1985، وتلتها سوريا بوساطة من الملك الراحل حسين. وسرعان ما تحسنت العلاقات بين الأسد ومبارك وبلغت حدا غير مسبوق، وكأني بالأسد يغني: "ورجعتُ، ما أحلى الرجوع إليه."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا