الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو كان الله رجلاً

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2014 / 1 / 28
كتابات ساخرة


ثلاثة من عشرة..لم أحصل يوماً على علامة تفوق تلك العلامة في جميع مراحلي الدراسية في مادة التعبير..أجد أكثركم مندهشاً..بالله عليكم كيف تتأملون أن تنمو الموهبة في ظل الحصار المفروض على عقلك!!..دائماً ذات المواضيع المكررة الغبية و التي تحاصرك عقلياً و تجعل القلم يرتجف بين أناملك خاصةً لو كانت مرفقة بعبارة "لديك 40 دقيقة لتنتهي من الكتابة".

كنت دائماً محاصرة بـ "حب الوطن" و "عيد الأم"..و عندما أفلت من معتقلهما أسقط في فخ "العطلة الصيفية"..و عندما أتمكن من الخروج بعد شق الأنفس من ذلك الفخ و أسير عدة خطوات و أنا متخوفة زائغة النظرات أتعثر في "شهر رمضان" أو "العيد".

كان كل ذلك يُعتبر بالنسبة إليَّ عذاباً يمكن تحمله مقارنة بموضوع "تعبير حر"..فهو فعلياً أبعد ما يكون عن كلمة "حر"..فكيف تكون حر في التعبير إذا كانت قائمة الممنوعات تكاد تزيدك طولاً!!..الحديث عن الجنس و الدين و السياسة و الذات و المعتقد و المذهب و الحب و العبثية و كل ما يخطر ببالك هو مصادر و ممنوع فكم من "الحرية" سيتبقى لديك في عقلك قبل روحك لكي تسكبه على الورقة التي أمامك!!.

إحدى زميلاتي في العمل –و للمفارقة صديقتي في ذات الوقت- طلبت مني ذات يوم أن تقوم بامتحان طالباتها في مادة التعبير في وقت حصتي مع بقائي معهن لأمنعهن من الغش و كأنهن سيجدنَّ ما يستحق الغش!!..و عندما بدأت بتوزيع الأوراق كانت وجوه الطالبات تكشف عن مأساة أعرفها لفرط ما عشتها في السابق..العيون الحائرة و الجبين الذي تشعر و أنت تشاهده أنه يحاول اصطياد إلهام غاب و أندثر و ليس مقدمة لموضوع تعبير للصف الثاني ثانوي!!.

كان الموضوعان هما "حب الوطن" و "الوحدة اليمنية" و على الطالبة الاختيار بينهما..مضت عشر دقائق و لم أرى أياً منهن قد تمكنت من إنهاء السطر الأول..حينها طلبت من الطالبات الإنصات إليَّ و أخبرتهن أن يتجاهلن ما أمامهن و سأعطيهن موضوعاً مختلف قليلاً ليكتبنَّ عنه..فسألتهن:"لو كان الله رجلاً فماذا سيقلنَّ له؟؟"..البعض ضحك من التشبيه و البعض الآخر صمت مشدوهاً و مرتعباً و لكن لم يعترض أي أحد..لماذا؟؟..لا أعلم حتى هذه اللحظة..هل كان عدم الاعتراض غائباً لأننا لا نربي أطفالنا على مناقشة الأوامر أم لأن الأمر راق للأغلبية؟؟.

عندما قمت بتغيير الموضوع بدأت التعابير تختلف "قليلاً"..البعض كان يكتب و كنت أرى كيف أن الأذنين تكاد الدماء تنفجر منهما من شدة الخجل..فصاحبتهما تمارس أشد الخطايا "فُحشاً" في حياتها و هي تخيل الرب..و البعض كان منهمكاَ و لكنه متخوف من تشتيت عواطفه و الذوبان في ملكوت الرب و كينونته لممارسة الاعتراف عن الخطايا المُندثرة و التي كانت تبدو الرغبة في الاعتراف بها جلية في عيون البعض لولا الخوف من قراءة "الآخرين" لها..و البعض الآخر كان منسجماً لدرجة جعلتني أشك أنها تتخيل الحبيب و ليس الرب..فملامحها تبدي عشقاً ظاهراً طال كتمانه.

امتلأت الأوراق بحديث غير "مُقَّيد" ..لم يعتريني الفضول لأقرأ ما كتبن لأني ببساطة لمحته في انسيابية أقلامهن و تحرر أرواحهن و لو جزئياً و تعابير وجوههن..و إن كنت على ثقة أني منحتهن لحظة "تحرر" سأُعاقب عليها لاحقاً و لن أندم عليها أيضاً لاحقاً..فعلاقتنا بالله يسودها نوع من الرعب يُشابه الرعب القوطي أكثر مما يسودها من الحب..لأننا بكل بساطة لم نتعود أن نحب الله كما تعودنا أن نخافه..لم نتعود أن نعشقه و نتماهى معه و نذوب من الوجد إليه بقدر ما تعودنا على تخيله بأبشع الصور مقروناً بأفظع صور العقاب..لعلنا بالفعل نحتاج أن نتخيله رجلاً لعلنا نتعلم عشقه بدلاً من تخيله وحشاً سيلتهمنا في أي لحظة..لعلنا نحتاج أن نمنح أنفسنا قبل الآخرين الفرصة للتعبير عن حبنا تجاه الله دون الخوف من العواقب لجرأتنا في التصريح و التعبير عن ذلك الحب.

بعدها –كما هو متوقع- أُوقفت عن عملي لمدة أسبوع فصلاً تأديبياً لسببين..الأول و هو الظاهر أني تعديت على احترامي لزميلتي و قمت بتغيير امتحانها دون الرجوع إليها و دون وجه حق..و الثاني المستتر و هو أني اخترت موضوعاً إلحادياً و وقحاً و جعلت الطالبات ينسقن وراءه ليكتبن عنه.

نادمة؟؟..أبداً و لا للحظة لأني ببساطة منحت الآخرين لحظات من الحرية ليحاولوا أن يمارسوا ذواتهم فيها دون "تأطير" لها..لا بأس إن كان محاولتهم ليست بالمتقنة أو المُتخبطة و لكن المهم أن يشعروا أنهم عندما يمسكون بالقلم لن يعانوا بل سيتحرروا من كل شيء..فأي روح ستبدع عندما تكبر و قد قيدت قلمها و عقلها و روحها!!..أيهما أفضل أن أشعر عندما أمسك بالقلم بتصارع الأفكار و تزاحمها لكي تسبق الأخريات لرأس قلمي أم عندما أشعر باللاشيء؟؟..لم أندم لأني رأيت كيف أن عشق الرب لا يُسبب عند الكتابة عنه حالة كراهية الذات و الورقة "الفارغة"..لعلنا بالفعل نحتاج إلى أن نتخيله ذكراً أو أنثى لنبثه همومنا و لحظات ضعفنا و غرورنا..لعلنا نحتاجه "بشرياً" لأننا لم نعد نتمكن من التواصل معه و هو بصورته الإلهية المُرعبة في وجداننا الجمعي..لعلنا نحتاجه بتلك الصورة لنمارس آدميتنا معه و نصارحه بكل لحظات ضعفنا اليومية..لعلنا نحتاجه لنعترف إليه بلحظات شبقنا الإنساني بكل ما يملكه سوانا و نخبره بأسرارنا التي نخشى أن تُدفن معنا في قبورنا دون أن "تُحكى" في حصة التعبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها


.. الناقد الفني أسامة ألفا: السوشيال ميديا أظهرت نوع جديد من ال




.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي