الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرواية ومراحات الرمال البيضاء

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2014 / 1 / 28
الادب والفن


لو سؤئلت اليوم: ماهي الرواية بعبارة واحدة؟، لأجبت دون تردد: إنها محاولة الإجابة على سؤال: بم يتميز أهل المدن؟!، وهذا يعني، في أول ما يعنيه، أن الرواية مدينية، طرحا وبيئة وقالبا حياتيا و(تعقيدا) فكريا، وإنها تستمد فخامة متنها (في الطرح والمعالجة) من حياة وتعيقدات الحياة المدينية وطرق تفكيرها (المتطورة)، قياسا لحياة أو نظام الحياة في الريف، بحسب الفهم النيتشوي (نسبة إلى نيتشه)، وبغض النظر عن حيثيته الآنية طبعا، والقائل بأن التقدم يمكن أن يكون تقهقريا والتقهقر تقدميا.. ومن هنا، وعليه، تقوم أو تتأتى فكرة أن الرواية هي الجنس الأكثر حيوية بين أجناس الأدب، وكذلك في كونها الجنس الأكثر ملامسة وتجسيدا وبحثا لتعقيدات الإنسان الداخلية، رغم أنها الأقل جرأة لذلك الطرح، قياسا إلى الشعر.
ولكي أشرح فحوى إشارتي الأخيرة، المقارنة بجرأة الشعر، أقول أن الرواية تتعلق بعالم الإنسان غير النقي، فكرا وسلوكا، ومحاولة إعادته إلى إصوله خارج حدود سيطرة العقل والمنطق: حواس وغرائز، ومحاولة تسجيلها كحاضر فاعل لا يجوز طمره أو السكوت على وجوده وحقيقة دوره الأساسي، لإنتاج الفعل الحياتي، تحت دعوى رفض العقل وقيم (الافلاطونيات) له.
وأظن إنه صار بمقدوري الآن أن أقول (شارحا مقولة إجابتي: بم يتميز أهل المدن؟) أن صيغ التعقيد التي أفرزتها حياة المدن، وما فرضه هذا التعقيد من مساومات على القيم الفطرية الصالحة، صارت قوانينا، ورصد مفاعيلها - رغم عدم الإعتراف بمشروعيتها - صار هو روح الرواية ومتنها (الحيوي)، الجاذب فنيا وجماليا!
وهذا الفهم يقرر، رغم فجاجته في كونه فكرا بديلا، أن المدينة أفرزت... بل أنتجت فكرها الخاص وفرضته كواقع، وهو ما يجب تناوله، وهو ما يمد الرواية بمادتها الحيوية ويمنحها مادة النجاح الفنية، على وجه الخصوص، لما ينطوي عليه من تعقيدات... وإيضا إشكاليات فكرية وبنيوية، مازال الفهم الإنساني يقف حائرا أمامها ويرفضها منطق عقله (الإفلاطوني)... أي الراكد أو المحافظ.
وعلى هذا الأساس وإنطلاقا منه، تحولت الرواية من شكلها الإستاتيكي البكائي (التراجيدي)، إلى بحث مضن وتحليلي لما يمتاز به أبناء المدن، تفكيرا وسلوكا ومرونة في عملية إنتاج القيم البديلة أحيانا، والمتطورة أحيانا أخرى، وبحسب درجة جهامة الوضع السياسي الذي يحكمهم.
ولكن هذا لا يعني أن شكل الرواية او هويتها المدينية تمثل وجهها القاتم، بل على العكس، فهي تمثل وجهها الناضج والممتلئ والمشع، فنيا وفكريا؛ والأهم دفاعها عن إنسانية الإنسان وأحقيته بذاته وبجوانبها الفطرية... بل وحتى البدائية التي أتى عليها العلم وفروض (العقل المحض) وضرائب الحضارة الحديثة، والتي صارت حياتها الحديثة – المدينة – الصورة الأنصع على إغتصاب الإنسان في إنسانيته وحريته.
وهذا لا يعني أيضا، الإعلاء من شأن المدينة، كما فرضت علينا قوانين الإقتصاد والسياسة الحديثة، لذاتها، بل يعني الغوص فيها حتى آخر زقاق معتم، من أجل تحطيم جدرانها، المغتصبة لحرياتنا، وتقويض بناها، كمفاهيم ثقافية، لتطل مدننا الحديثة والمتنورة على مراحات الرمال البيضاء التي تداعبها أمواج بحارنا، (لا بحار السلطات البلدية والسلطات العسكرية، تحت مسمى خفر السواحل والثكنات العسكرية الحامية للأمن القومي) لنمارس رياضة السباحة والركمجة والتسكع وبناء قصور الرمل التي، بدل أن تنازعنا السلطات الرسمية على ملكيتها، تزرع لنا حدائقها بالورود الحمراء وتؤثث لنا غرفها بالأحلام الوردية الهادئة، التي تغني رواياتنا (المدينية) القادمة بالمزيد من التطلع والغنى الفكري!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة


.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد




.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم


.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?




.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد