الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاريع تنتهي وأخرى تبدأ:مطلب التغيير بين هيكل والظواهري وأم العواجز

هويدا طه

2005 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في أسبوع واحد نقلت إلينا الفضائيات ثلاث علامات.. إن دلت على شيء.. فهي تدل على التداخل- وربما التفاعل- الذي يحدث بين مشاريع متناقضة، قبل أن يتفوق أحدها على البقية، فقد بدأت قناة الجزيرة بعد توقف لأشهر.. بث أحاديث محمد حسنين هيكل ثانية، من خلال برنامج (مع هيكل)، وكذلك بثت القناة شريطا جديدا يحمل رسالة.. من الرجل الثاني في فرقة الهائمين العرب بين جبال تورا بورا.. أيمن الظواهري! إضافة إلى نقل بعض الفضائيات.. بسخرية متوارية أو بتعجب خفي أو ببرود.. لخبر (كنس السيدة) أحدث وسائل التظاهر في مصر.. احتجاجا على عنف الحكومة وقمعها للمواطنين، الجديد بالطبع في ذلك المشهد الثالث.. ليس حدث (كنس ضريح السيدة) نفسه.. تقربا لها وطلبا لمساعدتها في درء الظلم، فهو ظاهرة اجتماعية مألوفة.. يلجأ إليها المصريون البسطاء في التراث الشعبي المصري.. لذلك يسمونها (أم العواجز) أي نصيرة الضعفاء، ولكن الجديد هو توظيفه كوسيلة للتظاهر، من قبل متظاهرين شباب.. أغلبيتهم الساحقة نشطاء سياسيون ومتعلمون مثقفون.. يعرفون وزن العادات الشعبية في الثقافة المصرية.. ويأملون عبر استخدامها جذب تلك الفئة المسحوقة من الشعب المصري.. وليسوا بالضرورة مقتنعين بها.. وليسوا بالطبع.. على ما يعلم أغلبنا عنهم.. مصدقين لما فيها من لاعقلانية.. كرستها قرون متتالية من استقالة العقل من الثقافة العربية!
ماذا يجمع بين تلك الحالات أو المشاريع الثلاثة.. تحليل هيكل للحالة العربية عموما والمصرية خصوصا، وخطبة الظواهري العصماء، وكنس ضريح السيدة؟! كلهم يدورون حول ما يسمى (مطلب الإصلاح)، وكلهم يطرحون رؤاهم لتحقيقه.. وكلهم يشرحون أسباب الانهيار في عالمنا العربي من وجهة نظرهم.
هيكل.. شبه العالم العربي ببطل قصة الكاتب أوسكار وايلد، صورة دوريان غريي، وهي قصة تحكي عن شاب انتشى بجماله المبهر فأقنعه الشيطان بصفقة مفادها.. ألا ينزوي دوريان غريي خوفا على جماله وأن يعيش الحياة ويرتكب كل الخطايا.. مقابل أن لا تنعكس نتائج حماقاته على وجهه الجميل.. وإنما على صورة مرسومة له وموضوعة في مكان ما بالمتحف، وهذا ما سوف يقدمه له الشيطان، وقد كان.. إلى أن جاء يوم ساق فيه الفضول صاحبنا الجميل ليتعرف على نتائج أعماله المنعكسة على صورته.. وعندما كشف عنها الغطاء.. اكتشف وجها قبيحا مشوها متوحشا.. فغضب.. ولم يملك إلا أن يمزق الصورة بسكين وهو حانق على قبحه الوحشي، وفي اللحظة التي مزق فيها الصورة انتهت الصفقة.. فانتقل القبح والوحشية من الصورة إلى بطلنا نفسه، وهكذا.. فبعد نجاح العربي في الظهور بمظهر جميل في لحظة أكتوبر 73 .. وذلك حسب هيكل.. فإنه استجاب للشيطان (هنري كيسنجر.. كما أوحى هيكل بذلك) وراح يرتكب كل الخطايا.. لكنه- العربي- لم يرق حتى إلى فضيلة اكتشاف قبحه بنفسه.. كما فعل غريي، وإنما كشفه له العالم.. بعد أن صار ذلك العربي القبيح عبئا عليه، وبغض النظر عن إغراق هيكل المعتاد في الوصف المسهب لحالة العرب (العامة) فقد كان التشبيه قويا معبرا، وعندما انتقل للحديث عن الحالة المصرية.. كان على غير عادته التي التزمها طوال أكثر من ربع قرن.. والتي كان فيها غامضا في موقفه من مبارك.. لا يمسه ولا يهشه! فقد جاء توصيفه للحالة المصرية هذه المرة قويا.. منتقدا مبارك واصفا بقاءه في الحكم بقوله (وكأنه لقطة من فيلم كرتون تجمدت على الشاشة لمدة 24 عاما)! وبغض النظر عن السؤال التقليدي.. الذي طالما فرضته على الكثير منا متابعة أحاديث وكتابات هيكل: لماذا لم يقل ذلك منذ زمن.. ولماذا يقوله الآن؟ فإنه يمكن لنا أن (نبتلع) الإجابة التي نعرفها مسبقا.. ونمضي في متابعة ما يطرحه، فهيكل يطرح رؤية للتغيير مفادها أنه لا بأس من استمرار مبارك لفترة أخرى أو جزء من فترة أخرى.. حسب ما تمليه الظروف أو ربما القدر.. شريطة أن تتكون لجنة سماها (أمناء الدستور) لوضع دستور جديد للبلاد.. تبدأ معه مصر مرحلة جديدة.. مبنية على شرعية جديدة تتكون على أساسها جمهورية برلمانية حقيقية.. للوهلة الأولى.. يبدو هذا المشروع الذي يطرحه هيكل.. مشروعا (حكيما)، مشروع متوقع من رجل (وسط العصا)، وهو مشروع يطرح في النهاية أمل الجميع، لكن هيكل لم يشرح- ربما لأنه لا يعرف على وجه اليقين- كيف ستمضي أمور هذا المشروع بتلك (السلاسة) الواعدة التي يأمل فيها... أمناء للدستور؟! وتسليم سلس من مبارك للسلطة بناء على دستور جديد؟! السلطة التي يعرف أنه لو تركها حيا.. سوف تفتح عليه أبواب جهنم.. لما راكمه من نهب وعنف وقمع وبيع للبلاد وسكانها على مدى ربع قرن؟.. إذا كان هذا ممكنا بهذه السلاسة.. فلماذا إذن نضع جميعا أيدينا على قلوبنا توجسا من الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة؟! هيكل سيظل أبدا يأمل في هذا النوع من (التغيير من أعلى).. الرجل مخلص بشكل عجيب لهذا المشروع السلطوي، رغم ما يحمله من معلومات تبدو (كنزا) ورغم ما توفر له من خبرة وثقافة وقراءة كثيفة للتاريخ.. ورغم ما قاله عن (عقد اجتماعي جديد) وعن دستور (تمليه الشعوب).. لكنه رغم كل ذلك.. يأمل في تغيير فوقي سلس.. لا أدري.. ما الذي لا نفهمه بالضبط في فكر هذا المثقف الكبير؟!
أما أيمن الظواهري.. ورسالته الأخيرة.. فليس أمامنا إلا أن نتذكر كيف كان وقع هذه الرسائل المسجلة التي كان يرسلها بن لادن والظواهري على مدى السنوات القليلة الماضية.. ثم نراقب كيف هو أثرها الآن على المواطن العربي.. لنعرف أننا أمام مشروع.. تعلن الاستجابة الضئيلة للغاية.. التي لاقاها من الناس المشغولين بهموم عصرهم.. إفلاسه وقرب نهايته.. بعد أن كان كابوسا ثقيلا متواصلا منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 .. بعد أن كانت رسائله التي يحّملها حلمه الخاص بإعادة (فتح مصر) على يديه!.. بعد أن كانت رسائله ورسائل بن لادن- كبيرهم الذي علمهم السحر- تجرجر المصريين إلى الشوارع رفضا لحكم برويز مشرف! وبغض النظر عن اللامبالاة- التي يستحقها هذا الطرح عن جدارة- التي استقبلت بها رسالته الأخيرة.. وخاصة حديثه عن (حق النساء في التظاهر)! من يصدقه على كل حال! فإن طرحه لمشروع (الدولة الدينية) في وقت ينكشف فيه إنسانيا وعالميا.. قبح فكرة (احتكار البعض للحقيقة الربانية المطلقة) يجعل من مشروع صاحبنا الهائم في الجبال.. شيئا من قبيل حواديت جدتي!
مشروع ثالث تطرحه حركات التغيير (الشعبية) في العالم العربي عموما وفي مصر خصوصا.. ومثالنا هنا حركة كفاية.. تحاول تلك الحركات أن تتصدى للفساد وتطالب بحرية التعبير.. من خلال الظهور بملمح إنساني مألوف عالميا ومرحب به دوليا.. بالتظاهر السلمي.. مرة بالشموع.. كما الأوروبيين والآسيويين.. (إذ أن الشموع الشاعرية ليست رمزا عربيا.. فالعرب على كل حال لم يعرفوا قبل تلك اللحظة في تاريخهم.. التظاهر باستخدام الشموع والزهور وما شابه! اعتادوا على وقع رسائل بن لادن التظاهر برفع السيوف والمصاحف!) ومرة باستلهام خفيف الظل للعادات الشعبية كرفع المكانس في وجه ضباط الأمن!.. ومرة بالتظاهر الصامت.. أو رفع لافتات معبرة عن موقف ما.. مثل تكميم المتظاهرين لأفواههم تعبيرا عن رفض القمع لحرية التعبير.. وغير ذلك.. مما صار (شفرة) متبادلة عولميا بين المتظاهرين الشباب في أنحاء العالم.. هذا المشروع الشعبي الذي يعد بكثير من التفاؤل.. تواجهه صعوبة التنبؤ بالخطوة المقبلة، إذ أنه انطلق (عفويا)، لذلك يدبر خطاه دائما كرد فعل لما تواجهه به الأطراف الأخرى، سواء كانت المعارضة الكلاسيكية.. التي شعرت بالحرج أمام نجاح تظاهرات هؤلاء الشباب.. وهي التي توقفت عن تسيير المظاهرات منذ أحداث يناير عام 77 بحجة قانون الطوارئ.. فإذا بهؤلاء الشباب يتظاهرون متجاهلين الطوارئ وقانونها، أو الحكومة التي استشعرت الخطر لأول مرة.. بعد أن كانت مطمأنة لحالة (السبات العميق) للمصريين.. الذي ظنته أبديا، أو المراقبة الأمريكية التي تريد تفصيل (تغيير) حسب قياساتها الخاصة، ربما يصبح مشروع كفاية أكثر صلابة بعد انعقاد المؤتمر الوطني العام.. المزمع عقده يوم الثالث والعشرين من هذا الشهر، فتصدر عنه مطالب محددة.. مرحلية.. تمهد لانطلاقة مختلفة.. لها فعل واضح وليس رد فعل، فتلك العفوية التي انطلقت بها حركة كفاية أدت دورها.. وهي سبب نجاحها (وحب) الناس لها، وكان لها الفضل في إيقاظ كل تلك الحركات.. حتى صار مألوفا أن تجد على الساحة (كفاية وبناتها)! فعلى وزن اسمها الأصلي (الحركة المصرية من أجل التغيير) ولدت بناتها الأخريات.. شباب من أجل التغيير.. محامون من أجل التغيير.. أطباء من أجل التغيير.. إلخ، وهناك على الطريق (في الأيام المقبلة) حركة ستولد في منطقة الخليج باسم (مصريون في الخارج من أجل التغيير)، ربما نتناولها بالتفصيل الأسبوع القادم، وهذا بحد ذاته فضل لتلك الحركة الشعبية العفوية.. سيذكره لها التاريخ.. لكن السؤال المطروح الآن.. بخصوص هذا المشروع (الشعبي).. وماذا بعد؟ وكيف بعد؟ فالعفوية تبدأ مشوار التغيير.. لكن إتمامه يكون (بالتخطيط).. لا بالعفوية.
مشاريع ثلاث.. قد يمضى أحدها مكرها إلى ماضي التاريخ الذي جاء منه أصلا.. ويطرح الآخر نفسه على استحياء بحكمة واعتدال الشيوخ.. أما المشروع الثالث فيدعمه عنفوان الشباب.. لكنه ما زال (حائرا) فيما يمكن أن يكون في المقبل من الأيام.. وفي كل الحالات نتساءل وأيدينا على قلوبنا.. تُرى.. رياح مَن تلك.. التي ستأتي بما تشتهي السفنُ؟!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟