الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الكردية في الأمة الديمقراطية

سيهانوك ديبو

2014 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


القضية الكردية في الأمة الديمقراطية
سيهانوك ديبو

ملخص

قال ماركس ذات خيبة: "التاريخ يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة.." تُرى ماذا يكون قوله هذه الأيام وعن المرة الثالثة؟
ما قصده ماركس في المرتين الأولى و الثانية كانت بمثابة تحليل في الانزياح الصائر للثورة الفرنسية ، و المخصوص بالمأساة و المهزلة كأنه حول المتعلق بتعيين جنرال بعد عزل آخر.
من مرحلة الانزياح في الحراك الثوري السوري إلى مرحلة العنف و منها مباشرة إلى المهزلة و بإجماع دولي و باجتماع ذات الظلاميين و ذوات السلطوية؛ بعد أن كادت جنيف 2 أن تتحول إلى استحقاق تاريخي و لكنها كما وردناها في مقال سابق إلى الخطأ التاريخي سيّما دخولها إلى عالم البازار و الصفقة و النتيجة حتما ستكون اللاحل أو في أحسن الأحوال تمهيدا للحل و هذا يتطلب أيضا المزيد من العنف و الدماء، لكن و بالمقابل تطل الثورة في روج آفايي كردستان بأبهى حللها و بكل مكوناتها، و الطيف هو المتكون في طبيعته من سبع ألوان، و طيف روج آفا أكثر منه بقليل.
و إذا ما ابتعدنا عن الخلط الذي يحاول البعض نفثه في أتون مرحلة تاريخية تمر بها روج آفايي كردستان، و المتعلق بتعويم التفصيل و ارتكاز الناتج والمنتج عنه و جعله هو الأساس، و من أجل ذلك و من أجل أن لا يكون التعويم مستمرا لا بد من طرح التساؤلات العضوية التالية: ما هو الأساس المغيب في القضية الكردية ببعديها الوطني و القومي؟ و ما هو مفهوم الأمة الديمقراطية ، ما الغاية منه: هل هو وضع النسب تحت القدم كما يحلو للبعض تسميته؟ أم هو رفع الأنساب و اعتبارها حوامل النهوض المجتمعي؟ أو ربما قد تكون نقطة الارتكاز التي فتش عنها أرخميدس كي يرفع العالم كله، فهل تكون حل الأمة الديمقراطية نقطة ارتكاز لنهضة الشرق عبر البوابة السورية وعبر الكرد و كل المكونات كحوامل للتغيير ؟

اللطخة السوداء في تاريخ الكُرد الحديث

المصادر التاريخية و الأبحاث التي تناولت بخصوص الكرد في بلاد الكرد كثيرة و كبيرة، و كلها دالة على تاريخانية الكرد في البوتقة التي يعيشونها حتى الآن، فهم الساكنون الأولوّن و على كل أشكال التجمع الديمغرافي الحضاري بدءا من حضارة المجتمع الزراعي في سومر و ميتان و الامبراطورية الهوريية و عاصمتها " واشو كاني – رأس العين –" و الامبراطورية الميدية الأولى و الإمارات التي نشأت في القرن الوسيط و الدول ذات الصبغة الدينية ( المروانيين - الأيوبيين ) و الحكم الذاتي للكرد في كردستانهم الحمراء من 1924 و حتى 1929 و جمهورية مهاباد 1946 و الحكم الذاتي للكرد في باشور و اقليمهم الفيدرالي و وصولا إلى الادارة الذاتية في روج آفايي كردستان.
في مقالة سابقة لي و الموسومة ب (الكرد بين اتفاقية لوزان 2 و جنيف2 ) و التي نشرتها الحوار المتمدن-العدد: 4215 - 2013 / 9 / 14 ، أعتقد وفقها أن اللطخة السوداء و التي لا نزال بُحكمِ من ندفع أثمانها؛ كانت في لوزان 2، و أن الرغبة الدولية و في عشرينيات القرن العشرين أرادت ابتلاع هذه الخارطة، و كان ( عصمت إينونو ) الليبرو السيء في اتفاقية لوزان الثانية في 24 تموز 1923 حيث تؤكد مجريات اتفاقية لوزان (الأولى) أن المفاوضات التي مثلت الجانب الكردي حينها يوسف ضياء باشا ممثل الحكومة العثمانية في السويد آنذاك و الذي دعى في الجولات الأولى إلى الحقوق الكاملة للكرد. لكن المفاوضات باءت بالفشل مما أدى إلى تبعثر و وقف عملية التفاوض، مما حذا بأتاتورك أن يعيد عناصر طبخة لوزان (الثانية) و لكن بأسلوب جديد و بعناصر جديدة من بينهم كرد ( يستسيغهم ) القوميين الجدد للترك، و كان من بين المفاوضين الكرد آنذاك" برنج زاده فوزي بك و زولفو زاده زولفو " ، و اللذان دعيا أن يمثل المكون التركي و المكون الكردي إينونو نفسه، و الأخير لم يترك شائبة لتقويض و الاجهار الكامل على الحلم الكردي، و تُذْكَرُ محاضر الجلسات النهائية أن الممثل الكردي لم يكملها، و إنما قبل مجيئهما إلى أنقرة أشارا أكثر من مرة إلى رئيس الهيئة البريطانية لورد جونسون أن الكرد و الترك أخوة لا خلاف بينهم و عليه سيكون ممثلهم في التوقيع النهائي عصمت إينونو نفسه ....إننا أخوة كررها إينونو في تلك الاتفاقية ثم حذفها من كل القواميس، و هو نفسه الذي ضغط على ستالين ( تقاطع المصالح الدولية ) من أجل زعزعة و من ثم القضاء على الحكم الذاتي الأحمر عام 1929 و توزع الكرد السوفييت إثرها على أكثر من عشرة جمهوريات سوفيتية؛ بعد الاعتقالات الألفية و المجازر الألفية أيضا بحقهم. في لعنة لوزان 2 يقول مظهر دودري:
{ وبعد الانتهاء من إبرام معاهدة لوزان في 16 / 11 / 1923 والتي أُنْكِرتْ فيها جميع الحقوق الكوردية. تم بعدها الإعلان عن تأسيس الجمهورية التركية، التي مارست الإجحاف وكل أصناف الظلم والعدوان بحق كورد تركيا...} .

في معنى الديمقراطية و مفهومها
من الصعبِ صياغةُ تفسيرات مفعمة بالمعاني في علمِ الاجتماع، من دون القيام بتعريف المصطلحات والنظريات الأساسية. فعلم الاجتماع نفسه بعيد عن الإجماع في الرأي حتى بشأن تعريف ذاته.
بالرغم من أن مفهوم الديمقراطية مفهوم قلق يشبه إلى حد ممكن مسألة اضطراب الماء في نهر جاري، ذلك لعدم وجود مسألة حاسمة لتبديات الديمقراطية ذاتها و خاصة عند انسيابها و حكمها، و الديمقراطية رغم عراقتها و تاريخانيتها و رغم كل أشكالها : العددية، و التوافقية، و شكلها المبدع في المؤسساتية، إلا أنها تحبو عندما يتعلق الأمر(بالسلطة) و السلطة واجبة في العملية الديمقراطية، و تكاد تكون أباً شرعياً لها، فاجتماع البشر في أول اجتماع لهم و خروجهم من المشاعية الطبيعية و الانتقال إلى الوضعية البشرية ؛ احتاجوا إلى الديمقراطية من أجل الثروة و السلطة، و كلاهما الجرح الذي لن يندمل في تاريخ الشعوب حينما أصر ذلك المارق مدعيا أن قطعة الأرض هذه لي ( ملكية)، و احتاج إلى التثبيت إلى اجتماع و ديمقراطية من أجل (السلطة).
و منذ ذلك الوقت تقوم الديمقراطية و تتصحح مستمرة كلما توائم أساساً على مبدأ سيادة الأمة، بمعنى أن الشعب والأمة يشكل في مجموعه كياناً (معنوياً ) متموجد في شكل مستقل عن الأفراد المشكلين لهذه الأمة، يمارس السلطات بنفسه، أو عن طريق ممثليه، فيحدد من يحوز السلطة، ومن له الحق في ممارستها، ولا معقب عليه في ذلك؛ لأنه صاحب السيادة. و هذا هو أصل مفهوم العقد الاجتماعي و الذي اختاره ( الانسان الحاذق) بملء اراداته، و ( الانسان الحر) بكامل وعيه و الذي كانت ضرورة للاجتماع، حيث أن الحياة في مرحلة المشاعة الطبيعية لم تكن ملبية له و لرغبته و لحريته كما يؤكد ذلك كلا من " روسو" و" جان لوك" ؛ خلافا ل" هوبز" الذي رنا إلى العقد الاجتماعي أنه من أجل السلطة و تحقيق الأمان، و الهوبزيين الجدد " أنظمة الاستبداد" قاربوا تلك الرؤية الهوبزية فباعوا الأمن للمجتمعات التي تسلطوا عليها مقابل السلطة المطلقة، و التي ادعى بعض المنافقين أنها مستمدة من الله، فسارعوا في دور عباداتهم أن الحاكم " المستبد" هو الحاكم بأمر الله و هو أمير المؤمنين " الخليفة الخامس.
والسيادة في الأمة الديمقراطية لها شكلان:
شكل ( متمدد) خارجي: يخص بمسائل تنظيم علاقة سيادة المؤسسات و الهيئات التي تشكل الدولة من حيث علاقتها مع نظرائها من الدول الأخرى الجارة و البعيدة، بشكل يضمن استقلالية القرارات فيها دون أن وصاية، فأية وصاية تفقد الأمة سيادتها و تتبعثر فيها الديمقراطية و تتحول المؤسسات من سيادية إلى سلطوية.
وشكل( موجّه) داخلي: و يخص بمسائل التنظيم المؤسساتي و ينظم شكل العلاقات بين الفرد و الأفراد ، و بينهم و بين المؤسسات التي يعملون و يجدون فيها أنفسهم، و كونفيدرالية المؤسسات كلها تنتظم ضمن سيوان الدولة العليا و المميزة بالسيادة، و تحقيق مسألة الانتماء بعد تحقيق مسهب في الحقوق و الواجبات تخفت صوت السلطة و تكون موجهة إلى الجانحين و الذين لا يجدون أنفسهم ضمن هذه المؤسسات، يقول إنجلز في ديالكتيك الطبيعة : إن مجتمعا تزول فيه أسباب السرقة لن ترتكب فيها السرقات، و الذي يرتكبونه هم إما حمقى أو مجانين" . و بمقاربة هذا الديالكتيك عدم وجوب السلطة تؤدي إلى ضمورها، و هذا يتحقق فقط في مبدأ السيادة. وكل سلطة تمارس مثل هـذه الأعمـال ولا تستند إلى مبـدأ سيادة الأمة تعتبر سلطة غير مشروعة. السلطة المشروعة هي بمثابة " القوى الخفية" التي تدعم السيادة لأنه ليس بالضروري في مجتمع الأمة الديمقراطية أن تنال ثقة الشكل الخارجي من الأمم النمطية.
في مفهوم الأمة الديمقراطية

يقول المفكر و القائد الكردي عبدالله أوجلان في المجلد الخامس" مانيفستو الحضارة الديمقراطية، القضية الكردية و حل الأمة الديمقراطية" : ( الأمة الديمقراطية هي الأمةُ المتعددةُ الهوياتِ والثقافاتِ والكياناتِ السياسيةِ مَقابِلَ وحوشِ الدولةِ القومية ، و أن كفاحاتُ الأمةِ المتطلعةِ إلى الدولةِ والدولةِ المتطلعةِ إلى الأمة، هي المؤثِّرُ المِحوريُّ في الواقعِ الدمويِّ للعصر. وتحقيقُ مُلاقاةِ الأمةِ مع السلطةِ والدولة، هو المنبعُ العَينُ لقضايا عصرِ الحداثة، والتي إذا ما قارنّاها مع القضايا الناجمةِ من الدولِ الديكتاتوريةِ والسلالاتية، سنَجِدُ أنّ القضايا في عصرِ الحداثةِ تنبعُ من أمةِ الدولة، وأنّ هذا الوضعَ يُشَكِّلُ أكبرَ فارقٍ بينهما. فالدولةُ القوميةُ التي هي إحدى أشدِّ المواضيعِ تعقيداً في علمِ الاجتماع، تُعرَضُ وكأنها عصا سحريةٌ وأداةٌ لحلِّ جميعِ القضايا المناهِضةِ للحداثة. بينما مضموناً تَجعَلُ من القضيةِ الاجتماعيةِ الواحدةِ أَلفاً. والسببُ في ذلك يَعودُ إلى تسريبِها جهازَ السلطةِ حتى أدقِّ الأوعيةِ الشعريةِ للمجتمعات. والسلطةُ بِحَدِّ ذاتِها تُفرِزُ المشاكل، وتنمُّ عن القمعِ والاستغلالِ كقضايا اجتماعية، نظراً لطابعِها الكمونيِّ لرأسِ المال المُنَظَّمِ في هيئةِ العنف....)
و من هنا لا بد التمييز بين أمتين، ليس كما يعتقدها بعض في تهجمهم غير المبرر على هذه النظرة و هذه النظرية، يعتقد هؤلاء أن المراد من مفهوم الأمة الديمقراطية هو الاشارة إلى مفهوم أمة لا ديمقراطية بالأساس، هذا مفهوم مقوض و خاطئ و سببه موجّهٌ بوجود بالفعل أمتين منها الأمة الديمقراطية التي تظهر بعد فشل و ويلات الأمة النمطية كأمة سابق للحل المطروح في الأمة الديمقراطية، و الشكلية النمطية التي نجدها جلية في روج آفا الملحقة إلى سوريا كجزء من هذه الأمة النمطية أيضاً و التي أتت و ترسخت بفعل الغريب الذي أحدث تقسيمات في الجغرافية، و أقر دساتير غريبة و ادعى هذا الغريب ( الاستعمار الامبريالي في بدايات القرن الفائت) أن هذا هو عقدكم فهل أنتم عليه مدبرون.؟
اتفاقية فرساي في عام 1918التي وضعت فلسفة سياسية مشينة من أجل صناعة حدودنا، من أجل صناعة سورية كدولة مستحدثة ما بعد مرحلة الاستعمارية، و كان الكرد فيها غير موجودين كجغرافية مستحدثة أيضا، و هنا لا بد التنويه إلى أن المشكلة التي تعرضت لها القومية الكردية متحولة بفعلها إلى قضية وطنية بامتياز، كانت بسبب تللك الممارسات الخارجية ( الخرائط و الدساتير) و أيضاً بسبب الممارسات التي اعتمدتها السلطات المرتبة على ظهورها خارجيا" حتى اللحظة" و العقلية الاستئصالية التي اعتمدتها أنظمة الاستبداد بخاصية الاستعلاء القومي و دساتيره المؤدلجة و الاجراءات اللاإنسانية تجاه الكرد بدءا من المشروع الذي أسقط الجنسية عن عشرات الآلاف من الكرد اتخذتها سلطة همجية بأمر من أسيادهم الهمج و أبقت عليها كل أنظمة الاستبداد المتلاحقة. من أجل ذلك نرى أن في الدولة القوموية تتشكل على الدوام القوة النابذة الرافضة بفعل الاستعلاء القومي المطبق بحقهم أنهم بالفعل رهط الكهنة و الرهبان السومريين، كما يشير إليهم أوجلان بين اللحظة و الأخرى و في كل مجلداته.
فهل لنا في روج آفاييه كردستان أن نتحول إلى دولة قومية نمطية لا نأخذ بعين الاعتبار عناصر المجتمع في روج آفا ( كقوة نابذة مستقبلية) ؟ طبعا إذا كنا في الأساس نملك صفة الانتقال. و في هذا المنحى يقول أوجلان : أنّ مجتمعَ الأمةِ النَّمَطيّةِ الذي تَرمي إليه الدولةُ القومية، يُنشِئُ مواطنين مُصطَنَعين ومُزَيَّفين، مشحونين بالعنف، يَبدون متساوين (حقوقياً كما يُزعَم)، إذ عُمِلَ على مُساواتِهم ببعضِهم بعضاً بِبَترِ جميعِ أعضاءِ المجتمعِ بِمِنشارِ السلطة. هذا المواطنُ متساوٍ مع غيرِه حسبَ التعبيرِ القانونيّ، لكنه يعاني أقصى درجاتِ اللامساواةِ في جميعِ ميادينِ الحياةِ فرداً وكياناً جماعياً....)
و عليه فأن الأمة الديمقراطية تتحقق في ظل مؤسساتها المتشكلة و غير المعتمدة على تصنيف واحد و لون واحد و علم واحد و لغة واحدة، إنما العكس تكون الشراكة ذهنية وثقافية بعد أن كان العداء ( حتى اللحظة أيضا) عداء ذهنية و عداء ثقافة، الذهنية التي فرزها المستعمر من أجل اقصاء الكرد و أكدتها سلطات الاستبداد الكومبرادورية ( التي خلقتها) حالة متقدمة من ثقافة اللانتماء بسبب عدم وجود الامة الديمقراطية التي تفرز سيادة الانتماء إلى الوطن فقط، و بالطبع المرحلة التي نعيشها في روج آفا هي أشبه بثورة العبيد في تراقيا بقيادة سبارتكوس عام 73 قبل الميلاد. و بوجود هذه الذهنية و رواسب الارتشاح العدمي في الفكر النهضوي يجعل باستمرار وجود ( الحاجة) التي تخلق للانتقال الى الذهنية الجديدة و تعتبر هي المحركة لتاريخ روج آفاييه كردستان ، و في هذه الحالة فإن الصراع الايديولوجي كائن و نشط و هو على أشده، لا كما يعتقد البعض أن نهاية الأيديولوجية صريت قبل أكثر من عشرين عاما و نيّف. و بسبب عدم قيام الحداثة الرأسمالية و علم السوسيولوجيا المستقى منها بتناول شكل الأمة الديمقراطية، بسبب هيمنتها الأيديولوجية، فالصراع بين الأيدولوجيات لا يمكن انتهائه أو الانتهاء به، خاصة في ظل انتفاء المساواة كقيمة مجتمعية يبحث عنها الانسان منذ فجر بشريته متنقلا من المجتمع الطبيعي إلى المجتمع الوضعي و من ثم سيعود إلى المجتمع مرة أخرى لكن هذه المرة بشكل نوعي – أدري؛ و ليست المشاعة وحدها هي القائمة و إليها فقط المصير.
و الكرد في روج آفاييه كردستان تعرضت قوميتهم للسطو الدلالي و بمباركة دواخلية من عناصر المجتمع السوري وفق التنميط و الاستهلال للامة النمطية التي ركزت عليها أحزاب قوموية استمدت شعاراتها مثلا" كل شيء في سبيل الوطن" من مبدأ الأمة الفاشية نفسها، و هنا مربط القلق المعرفي " الابستيمية" و الذي كشرت عن أنيابها ضد مفهومي الهوية السورية و المواطنة السورية بالنسبة لعموم أبناء سورية، و الكرد منهم بشكل مخصوص. من هذا المنحى و أمور كثيرة فرضت على الكرد و في مناطق وجودهم أن يكون لهم محلان : إما في الدرك السفلي كقومية مقموعة في مجتمع الأمة النمطية، و إما في القمة العليا ( مثل غيرهم) في مجتمع الأمة الديمقراطية، و الظروف المعيوشة و دقائق الأمور تفرض على الدوام أن يكون الكرد هم محرك التغيير الحاسم بسبب تحولهم إلى قوى نابذة من أجل التغيير. فالحل الكردي يكمن في التغيير حتى تحقيق الأمة الديمقراطية و الدرج ...الجسد ...الفعل ...التأسيس ؛ في هذه الحالة هو عن طريق الادارة الذاتية الديمقراطية ( حتى اللحظة مرة ثالثة).
أي أن مبدأ سيادة الأمة الديمقراطية تقوم على نظرية العقد الاجتماعي، وخلاصتها أن المجتمع الطبيعي يسبق المجتمع الوضعي و يعلوه ، و أن الأمة الديمقراطية سابقة في وجودها على السلطة ، ومن هنا نرى المفكر أوجلان دوام الاشادة عليها في مجتمع (الكلان) السابق للمجتمع الوضعي الذي نشأ عنه العقد الاجتماعي، وحقوق الأمة الديمقراطية كذلك سابقة على السلطة، وهي حقوق لصيقة بالأمة، والجماعة الحرة و الحاذقة هي التي أوجدت السلطة ( الادارة في مجتمع الادارة الذاتية الديمقراطية)، بناءً على عقد بينها وبين الشعب الذي انتظم و لا يزال في الكومونات كملبية لمسألة الانتماء، و المبشرة بعودة الهوية، و المنتظمة في المجالس الشعبية و الأحياء و القرى و المدن و تنظيم المرأة و بنسبة 40% هي مسألة غير قابلة للنقاش بسبب طبيعة مفهوم الأمة الديمقراطية التي تستدعيها عناصرها و من تلك العناصر حق المرأة هو كحق الحياة، و كل ذلك يمثل الرؤية السياسية الاجتماعية و مسألة التنظيم في الادارة الذاتية الديمقراطية ، بموجبه تنازلت الأمة الطبيعية عن بعض حقوقها في سبيل إنشاء هذه السلطة، على أن تكون الأمة هي صاحبة السيادة باعتبارها شخصاً معنوياً له إرادة تتكون من مجموع إرادات الأفراد، وعليه، فإن الدولة و بناء على هذا العقد لا تتمتع إلا بالقدر الذي تنازل عنه الأفراد، وبغرض حماية الحقوق والحريات التي لم يتنازلوا عنها ، فهي ملزمة باحترام الحقوق والحريات السابقة على وجودها، والتي ما وُجدت الدولة إلا لحمايتها و منها مؤسسة حق الدفاع المشروع و التي هي مقِرّة في كل اجتماع بشري ( قديم و حديث). و هذه هي نتيجة وصل إليها أغلبية علماء الاجتماع و المفكرين مثل بوفندروف و توماس سميث و كانط و جون لوك و روسو و ابن خلدون و هيغل و ماركس و أيضا أوجلان.

هل للكُرديِّ الريحُ فقط ، أم هل كان سقراط و غاليليو كرديين أيضاً ؟

في عام 399قبل الميلاد وُجِّه لسقراط الاتهام الاتي ((أن سقراط آثم لأنكاره آلهة الدولة الرسميين وإقحام آلهة غريبه، وهو آثم كذلك لإفساده الشبيبة في أثينا، و وفق ذلك عليه بتجرع السم وقتل نفسه بيده ))هذا هو الحكم الذي صدر على سقراط، وكان بإمكانه أن يبرئ نفسه من التهم لو دافع عن نفسه بشكل اعتيادي لأن القرار فاز بزيادة 30 صوت عن النصف من 501 صوت( ديمقراطية عددية)، وبدلا من هذا تهكم بسخرية على القرار و بدل من محاولة كسب عطف المجتمع الأثيني ، ألّب الناس عليه ، وعندما صدر الحكم عليه كانت السفن المقدسة (ديلوس )قد سافرت ويعني عدم تنفيذ الحكم قبل عودتها وألا أعتبر خرقا للطقوس الدينية، وهذا يعني ان سقراط امامه شهرا واحدا ليلتقي بعائلته وتلاميذه، و كان من الممكن و وفق تلميذه ( أقريطون) أن سقراط كان بإمكانه أن يعدل الحكم الجائر بحقه، أو على الأقل أن يهرب، لكن قوة الجمال و الخير التي كانت تسكنه و تحكم على كل أعماله، و فلسفته بالأساس كانت لأجل ذلك، لم يستطع أن يفعل عكس قناعاته بل فضل الموت بدلا أن تموت الفلسفة الخيّرة فيه، لا شك كانت ادانة سقراط عملا شائنا في محاربة الأفكار الحرة وان كانت طريقة اعدامه رحيمه وشريفه و افضل بكثير من طرق الموت التي ابتكرها حكام هذا العصر الذين يستخدمون البراميل لقتل الناس و النابالم الذي ضيع آلاف الكرد في باشوره لأنهم كانوا فقط كُرد( مجزرة حلبجة 1988) و في باكوره مجزرة ديرسم و عشرات المجازر و الهجرات المليونية، و إفراغ مناطق كاملة من سكانها الكرد ...الخ، لقد كانت اغتيال الحقيقة و اغتيال سقراط فقط لأنه قال الحقيقة كاملة غير مجزأة، مثل حقيقة الكرد أنهم شعب و ليسوا نصف شعب بنصف قضية و بنصف حل، الأمة الديمقراطية كفكر وفلسفة هي كل الحل، و في هذا الحل يعيش الكرد مثل غيرهم من الشعوب مخلدين مثل سقراط و فلسفته.

غاليليو أيضاً
قضى غاليليو ست سنوات في تأليف أشهر عمل له وهو (حوار النظاميين العالميين الرئيسين) وهذا الكتاب هو تأييد لنظرية كوبرنيكوس، ولكن سلطات الكنيسة أخذت تلاحق غاليليو بسبب اعتقاداته وموقفه من نظرية كوبرنيكوس وبعد أخذ ورد ومحاكمات من قبل محاكم التفتيش حكم عليه أن يشجب أمام الجمهور وجهة نظره وهي أن الأرض تدور حول الشمس، وقد قام العالم بقول هذا التصريح أمام الجمهور بعد المعاناة والتعذيب ولكنه نظر قبل اعدامه الى الشمس وقال ولكنها لا تزال تدور, رغم ذلك فإنها تدور.‏ غاليليو من رجالات عصر النهضة الأوروبية حورب من قبل الكنيسة البابوية صاحبة السلطة والجبروت والعقل الواحد والفكر الذي يأبى أن يكون لها معارض بسبب أفكاره الفلكية وتبنيه نظرية كوبرنيكوس أن الشمس هي مركز الكون والمخالف لأفكار الكنيسة، أعتقد أن تلك النظرية و نظرية المجتمع الديمقراطي في الأمة الديمقراطية تتقاربان إلى درجة التطابق و خاصة في الرفض، و رجالات الكنيسة السلطويون و الذين كانوا وقتها مصدر سوء و سببا في تدهور الأوضاع في أوربا القرون الوسطى، رجالات الكنيسة هم نفسهم رهبان دولة سومر و هم نفسهم دعاة الفكر القوموي ( عربيا- تركيا- فارسيا- كرديا)، لذلك لا نجد أن اختبائهم لمحاربة هذه الذهنية الثورية في الفكر و الرؤية و الممارسة، ناتج أيديولوجيتهم المتبوعة و المصَادرة ...هؤلاء على نفس الدين و الطين.
لكن ماذا عن صديق الكرد و الانسانية و عاشق ريتا ( اليهودية) محمود درويش؟ و الذي أكد أنه ليس للكردي سوى الريح، أعتقد كل ما قصده درويش كان عن الرياح التي تدخل بين الكردي و الكردي نفسه، تشتت الكرد يجعلهم محاصرين بالرياح و هذه مرّةٌ، و مرة أخرى انقسام الكردي عن مكونات شاركهم التاريخ و الميزوبوتاميا، سواء كان الانقسام رجس من عمل القوموية أم رهبان الأديان أم من ردة فعل الكُرد أنفسهم و تحول البعض في دوائر خاصة بهم وحدهم.

استنتاج

كنتيجةٍ لتعقد القضية الكردية و جب إيجاد حل نوعي لها، و بسبب اختلاط و وجود الوشائج بين الكرد و بين المكونات الأخرى، فالحل القادم لن يكون منفرداً مثل المشكلة التي تعانيها سورية منها منفردة وهي اشكالية التغيير و التحول الوطني الديمقراطي، و كنتيجة للحلِّ الديمقراطيّ كان وجوب الأمة الديمقراطية حلاً غير منقوص للكل و هذا ما بيّناه سابقا. الأمة الديمقراطية هي ادارة الشعب بذات نفسِه، و بتحقيق تحوُّلِه الوطنيِّ والتحول إلى أمة عبر التسيسِ اللازمِ لأجلِ ذلك و هنا القصد في الادارة الذاتية الديمقراطية كمنحى ( اجتماعي- سياسي) . و على حد تعبير أوجلان نفسه : (....الأمرُ لا يقتصرُ فقط على التسيس، بل إنها تجهدُ لإثباتِ جدارةِ الشعبِ في التمكنِ من تحقيقِ التحولِ الوطنيِّ وتكوينِ نفسِه كأمةٍ ديمقراطيةٍ من خلالِ مؤسساتِ الاستقلالِ الذاتيِّ المعنيةِ بحق الدفاعِ الذاتيِّ و الميادين الاقتصاديةِ والحقوقيةِ والاجتماعيةِ والدبلوماسيةِ والثقافية، دون اللجوءِ قطعياً إلى التدويل أو التحولِ السلطويّ.....)
وعلى حدِّ تعبيرِ هيغل، فهي الحالةُ المجسَّدةُ للإلهِ الهابطِ على وجهِ الأرضِ تزامناً مع الثورةِ الفرنسية. وتفسيرُ هيغل ذاك، محاكمةُ بالغةُ الصواب. فبقدرِ ما نحفرُ وننبشُ في الدولةِ القومية، تستعرُ بالمِثلِ من تحتِها أوثانُ آلهةِ العصورِ الوسطى والأولى. وعليه، لن نستطيعَ فهمَ أو تحليلَ أيةِ قضيةٍ وطنيةٍ أو اجتماعيةٍ كانت، ما لَم نستوعبْ الوجهَ الباطنيَّ للدولةِ القوميةِ بهذا المنوال. لذا، فحلُّ الأمةِ الديمقراطيةِ هو حلُّ القضيةِ الوطنيةِ الأكثرَ سِلماً وحريةً وعدلاً وخلواً من الدماءِ فيما يتعلقُ بالمجتمعاتِ البشريةِ والمجموعاتِ الأثنيةِ ومختلفِ الأصنافِ والفئاتِ الاجتماعيةِ التي مزَّقَتها الحداثةُ الرأسماليةُ إرباً إرباً، وأَغرَقَتها في بحورٍ من الدماءِ عبرَ حروبِ الدولتيةِ القوميةِ الناشبةِ في غضونِ القرونِ الأربعةِ الأخيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف