الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن ضرورة ترويض الإسلاميين

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2014 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


من الواضح جيداً الآن أن ثورات الربيع العربي المنطلقة من تونس بداية 2011 قد أحدثت شرخاً عميقاً في الدفاعات التقليدية لمنظومة الدولة الوطنية بجميع البلدان التي انتقلت إليها شرارة الثورة فيما بعد. وقد استغل الإسلام السياسي هذه الثغرة للنفاذ سواء بقوة الصناديق أو السلاح إلى مفاصل الدولة الرئيسية، حيث صناعة القرار وآليات تنفيذه. وكرد فعل غريزي من مؤسسات الدولة، لا سيما الجيش الوطني، ضد استشعارها خطراً جدياً على وجودها ذاته متمثلاً في أيديولوجيا وممارسة أحزاب وجماعات الإسلام السياسي كان طبيعياً أن تستجمع ما قد تبقى لديها من وسائل القوة والعنف في مواجهة هذا الخطر الوجودي المحدق. فكما يتضح بجلاء من تجارب الحالات الثلاثة العراقية والسورية ثم المصرية بدرجة أخف، قد أصبحت مؤسسات الدولة الرئيسية، بتنسيق وقيادة من قواتها المسلحة، على استعداد تام لدفع أي ثمن حفاظاً على وجودها، المعادل بدرجة أو بأخرى لوجود الدولة الوطنية التقليدية بتنظيمها الأساسي القائم منذ التحرر من الاستعمار بداية من النصف الثاني من القرن الفائت.

الإسلام السياسي، سواء الشيعي أو السني، لم يكن الطرف الأقوى في معادلة الإطاحة بحزب البعث ونظام صدام حسين من الحكم، ومن ثم فتح ثغرة واسعة للوصول إلى مفاصل الدولة الوطنية العراقية التقليدية. الأمريكيون هم من فعلوا ذلك، لكن الإسلاميين هم الذين قد حصدوا جل مواقع النفوذ وصنع القرار في دولة ما بعد صدام. رغم ذلك، بعد تشكيل جيش وطني جديد بدعم أمريكي، قد نجح الساسة العراقيين الجدد في أن يستردوا تدريجياً مصير الدولة الوطنية من أيدي المرجعيات والميليشيات الدينية. على سبيل المثال، قد نجحت الدولة الجديدة في القضاء على التحدي الذي شكله لها جيش المهدي بقيادة الزعيم الديني الشيعي مقتدى الصدر بجنوب البلاد ثم، بمساعدة الصحوات، استطاعت أن تحد من هجمات تنظيم القاعدة والجماعات الدينية السنية المتطرفة بالمحافظات الغربية؛ وتأتي تحركات الجيش العراقي مؤخراً لإعادة الانتشار هناك في محاولة لتهدئة انتفاضة شعبية وتجفيف فلول القاعدة كمثال آخر على التقدم الذي تحرزه العراق الجديدة بالاعتماد على جيش وطني جديد باتجاه استعادة نفوذ الدولة على كامل ترابها، أو على الأقل داخل الحدود التي قد ورثتها عن دولة صدام.

كذلك لم يكن الإسلام السياسي هو الذي أسقط نظام حسني مبارك في مصر بعد 25 يناير. لكن الإخوان المسلمين بدعم واضح من مجمل أطياف الإسلام السياسي هم الذين قد نجحوا في النفاذ إلى مواقع السلطة وصنع القرار وبسط سيطرتهم على الحكم في دولة ما بعد مبارك. رغم ذلك، بعد 30 يونيو 2013، استطاعت الدولة المصرية التقليدية بالاعتماد على جيشها الوطني أن تستجمع قوتها وتقلب الطاولة على حكم الإخوان وتتخلص، ربما لزمن طويل قادم، من هذا الخطر المتصور على وجودها كما استشعرته في طريقة تعامل ممثلي الإسلام السياسي في السلطة مع مؤسساتها الحيوية.

كمثال ثالث، في سوريا قد بدأ الحراك الشعبي ضد حكم حزب البعث السوري ونظام بشار الأسد مدنياً بدرجة جوهرية، ليفتح الباب تدريجياً أمام ولوج الإسلاميين الذي وصل بعد ثلاث سنوات إلى تمكين بعض الجماعات المتطرفة من إحكام سيطرتها على مناطق سورية كاملة في أنحاء متفرقة من البلاد. وبصرف النظر عن موقف نظام الأسد والجيش العربي السوري المتحالف معه من هذه الجماعات، يلاحظ أن حتى جماعات المعارضة المدنية والجيش السوري الحر المتحالف معها قد استشعرت جدية الخطر الذي تشكله هذه الجماعات المتطرفة على وجود ومستقبل الدولة السورية ذاتها، ومن ثم اضطرت إلى فك الارتباط بها والوقوف في خندق واحد ضدها مع الجيش العربي السوري. هكذا، أياً ما كان الجيش الذي سيخرج منتصراً من الحرب الأهلية السورية، لن يجد الإسلام السياسي هناك مكاناً مريحاً يسع مشاريعه الكبرى لمستقبل هذا البلد والمنطقة من حوله.

نجاح الإسلام السياسي في التغلغل إلى مواقع التأثير والسيطرة أثناء المراحل الأولى لخلخلة أركان الدولة الوطنية التقليدية في هذه الأقطار العربية الثلاثة الكبرى لا يعكس قوة حقيقية قادرة على الثبات والاستمرار بقدر ما يكشف عن وجود ثغرة في البناء التقليدي لتلك الدول استطاع أن ينفذ عبرها الإسلام السياسي؛ وهذا النفاذ، في الوقت نفسه، لا يلغي حقيقة وقوة الحراك المدني الشعبي ضد هذه البنى القاصرة لتلك الدول الوطنية التقليدية وعجزها عن استيعاب طاقات الشعوب وتلبية متطلباتها الأساسية على مدار عقود طويلة من الزمن. الإسلام السياسي بمفرده أضعف من أن يشكل تهديداً جدياً حتى على الدولة الوطنية التقليدية بتنظيمها القاصر. لكن كلما انفتحت ثغرة في دفاعات الدولة، سواء بفعل قوى تدخل خارجي أو بجهود حراك شعبي داخلي، عندئذ سوف تنكشف بجلاء مدى الخطورة التي يستطيع أن يشكلها الإسلام السياسي على مصير الدولة الوطنية العربية.

الإسلام السياسي بجناحية السلمي والعنيف لم يعترف بشرعية الدولة الوطنية ولم يهادنها يوماً واحداً منذ ظهوره إلى الوجود في أعقاب سقوط الخلافة الإسلامية في اسطنبول بعد الحرب العالمية الأولى. لكن هذا الموقف المؤدلج والعدائي لا يجب أن يمنع الدولة الوطنية العربية من إمكانية التطور والانفتاح على المطالب المشروعة لشعوبها كما قد عبرت عنها بوضوح ثورات الربيع العربي. وفي النهاية، يؤمل أن يؤدي الاشتباك الجاري فيما بين مؤسسات الدولة من جهة وجماهير الإسلام السياسي في المقابل إلى ’ترويض‘ الإسلاميين في مرحلة ما متأخرة وإدخالهم إلى حظيرة دولة وطنية حديثة- التي يجب أن تكون ذات بنية أكثر تطوراً وديمقراطية وشمولاً مقارنة ببنيتها الأولى حتى تتمكن من استيعاب هؤلاء الوافدون الجدد. في النهاية، الدولة الناجحة هي هذه القادرة على ترويض واستيعاب جميع أبنائها، وبالأخص هؤلاء الذين قد يشكلون خطراً عليها في لحظة ضعف عابرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سخرية واسعة لإعلان جامعة صنعاء استضافة الطلاب المفصولين من ج


.. تشديدات وحواجز حديدية تعيق الوصول إلى كنيسة القيامة في القدس




.. زوجات المرشحين.. كيف يخضن سباق انتخابات 2024 الأميركية؟


.. مطاردة مثيرة بين سيارة شرطة وسائق متهور بمدينة نوتنغهام البر




.. لماذا منعت إيران مسلسل الحشاشين؟