الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة.. إبداع متواصل

فريدة النقاش

2014 / 1 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الثورة إبداع متواصل، هذا هو التعبير الذى قفز إلى ذهنى وأنا أتجول فى ميدان التحرير بين آلاف البشر السعداء من النساء والرجال والأطفال الذين توافدوا منذ صباح السبت الماضى الخامس والعشرين من يناير ليحتفلوا بعيد ثورتهم، وتفننوا فى ابتكار السعادة بالتعبير عن الفرح فى تحد صريح لقوى الظلام والإرهاب.

ومرة أخرى يفاجئ الشعب المصرى العالم ويحتشد بالملايين ليرسل رسالة فحواها أنه لن يسمح للإرهاب بأن يهزم ثورته أو يدفع بها حتى إلى التراجع بسبب الخوف من الإرهاب، أو حتى بسبب عجز الحكم القائم عن تحقيق أهداف الثورة أو وضع شعاراتها موضع التطبيق.

وحين يواصل الشعب صناعة الثورة فإنه فى الوقت ذاته ينتج ثقافة إذ يَكُفُ عن أن يكون متلقيا، ويتحول إلى مبدع ومرسل، وقد عرفت المكتبة العربية حتى الآن عشرات الكتب التى تابعت ظاهرة الإبداع الثقافى الشعبى التلقائى من أناشيد ورسوم جرافيتى وأغنيات بعضها معروف المؤلف وأغلبها مجهول المؤلف، وهو ما عرفته كل ثورات الشعب المصرى وانتفاضاته عبر العصور، وأصبح هذا التراكم الإبداعى نبعا لا ينضب للفنانين وعلماء الأنثروبولوجى والنفسى ونقاد الأدب والمؤرخين.

وأسهمت الثورات كافة – وهى تشكل قفزات نوعية فى المجتمع وفى ثقافته من مرحلة فى تطوره لأخرى أكثر تقدما – فى إنتاج قيم للمجتمع الجديدة وأخذت هذه القيم تسرى فى وجدان الشعب وتحفر لنفسها مجرى عميقا فى تطوير الشخصية الوطنية وهى تتخلص فى ظل الثورة من العناصر السلبية فى تكوينها.

وعلى سبيل المثال فإن المجتمع الطبقى وإن لم يسقط أو يجرى إلغاء الطبقات فإن روح المساواة التى تنتجها الثورة تفعل فعلها فى نفوس الكادحين الذين يرفضونه معنويا فى سلوكهم وفى الواقع العملى وهم يقاومون أى نوع من الاستعلاء الاجتماعى أو تداعيات مثل هذا الاستعلاء الذى يمارسه عليهم رجال ونساء الطبقة المهيمنة والمالكة لوسائل الإنتاج ويصبح معنى المساواة قيمة عليا فى حياتهم حتى بالرغم من الفروق الاجتماعية الهائلة.

وينتج الاحتشاد من أجل هدف بدوره قيما جديدة حين يولد التآخى والتضامن والمحبة بين بشر لم يعرفوا بعضهم بعضا من قبل، وتصبح هذه القيم التى لا تدرك الجماهير أنها قد أنتجتها فعلا جزءاً أصيلا من عتاد المستقبل وعدته لاستمرار الثورة ومواجهة أعدئها، وبناء المجتمع الجديد الذى تنشده، وتلهم هذه القيم جماهير غفيرة فى حركتها باتجاه المستقبل، وتفتح أمامها آفاقا جديدة حين يقودها الوعى الثورى إلى التعرف على التجارب الثورية للشعوب والتى قادت هذه الشعوب إلى الإطاحة بالظلم والظالمين وتغيير حياتها إلى الأفضل.

وقد أسهمت هذه الشعوب فى خلق منظومة القيم العالمية والمثل العليا التى حاصرت دوائر الاستغلال والفساد والاحتكارات الكبرى وإن كانت الأخيرة لاتزال قائمة وتمارس كل أشكال العنف المادى والمعنوى ضد الكادحين فى بلدانها وعلى مستوى العالم.

ويحرك الوعى الثورى الطاقات الكامنة فى الجماهير التى غالبا ما تكون هذه الطاقات قد غابت عنها فى السياق العادى للحياة اليومية إذ يستهلكها البحث المضنى عن الرزق وهو شحيح، وما يثيره هذا البحث عن الرزق من ألم فى المجتمع المنقسم بين أغلبية فقيرة وأقلية تحتكر السلطة والثروة، قالت عنها إحدى عالمات الاجتماع أى عن هذه الأقلية إنها بالكاد تملأ حافلتين بالركاب.

تجلى وعى الجماهير الثورى فى كل ميادين مصر وشوارعها فى احتفالها بعيد الثورة حين ارتفعت الأعلام وعلت الزغاريد والأناشيد والهتافات والمطالبات بمحاسبة الإرهابيين وعقابهم بما يستحقون، وهو الوعى الذى يلمسه بوضوح كل من تبادل الحوار مع نماذج من هذه الجماهير التى مثلت كل فئات المجتمع المصرى وطبقاته وغالبيتهم من الكادحين والبسطاء.

قلت لنفسى بعد أن خرجت من الميدان مشحونة بالفرح والأمل إن الشعار الرابع من شعارات ثورة 25 يناير.. أى الكرامة الإنسانية لم يكن مصادفة بل هو أساس جوهرى من أسس الثورة وبعض حصادها العظيم، ولن يفرط المصريون فى هذا الحصاد أبدا وهم يراكمون خبراتهم الثورية منذ القدم ويبنون عليها، فلا غرابة أن تبقى شكاوى الفلاح الفصيح حاضرة من العصور القديمة، ولا أن تظل شعارات ثورتى القاهرة الأولى والثانية ضد الحملة الفرنسية راهنة، أو تعيش فى وجداننا أغنيات ثورة 1919 وننسج حتى الآن على منوالها.

فمن ذا الذى لا ينحنى لإبداع هذا الشعب وعبقريته وإصراره على السير قدما نحو استكمال ثورته لآخر مدي.. من؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثورة هياج متواصل
محمد بن عبد الله ( 2014 / 1 / 30 - 09:59 )

الثورة هياج وتهييج متواصل. عقيم في نتائجه مفلس في فكره

هياج وراءه جمع من المراهقين فكرا والمتآمرين قصدا

لم تأتي ثورة واحدة في التاريخ بشيء مفيد بدء من الثورة الفرنسية التي جلبت سنوات من الارهاب ثم الثورة اللينينية ومعها الخراب. لم تنجو فرنسا ويعاد بناء الدولة فيها إلا بعد وثوب الجنرال بونابرت على الحكم وفشل حلمه بامبراطورية يتوارثها مع اخوته ثم ابنه ولم ينقذ اوروبا منه إلا تحالفها ضده واعادة الأمور إلى نصابها في فرنسا..هياج اجرامي ارهابي تبعته سلطة عسكرية طامعة انتهت بالهزيمة (النكسة !)..هتلر وبونابرت صنوان توأمان
أما ثورة روسيا البلشفية فلا تحتاج إلى تبيان أثرها المدمر حتى أن أعتى المؤدلجين فيها اضطروا إلى إعلان فساد وفشل الشيوعية وتخريبها للنفوس وللبلاد رغم التضحيات البشرية من أجل تلميع الظاهر وتغطية كم الخراب في بنية البلاد

الثورة الوحيدة الناجحة كانت (الثورة الصناعية) نجحت في أوروبا والغرب ثم نجحت ولا زالت في الشرق


2 - ابداع القتل ومن دولة مدنية الى عسكرية انقلابية
عبد الله اغونان ( 2014 / 1 / 30 - 10:05 )
ابداع وأي ابداع
كم عدد القتلى؟
وكيف تحول الشعار من يسقط حكم العسكر الى
تسلم الأيادي
ضاعت الهمم وعقمت أرحام المصريات وانساق السياسيون الى أحضان دولة العسكر
وهاهي النتيجة
والمسلسل الدرامي مستمر وستبدي لكم الايام والعسكر قد دخل المستنقع
فارتقبوا
وسيعلم الانقلابيون أي منقلب ينقلبون

اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟