الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإمعان في تخريب التعليم العمومي يفجر غضب التلاميذ في المغرب

مهدي رفيق

2014 / 1 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بعد أقل من شهر على مصادقة البرلمان المغربي على قانون المالية لسنة 2014 الذي يقوم على أساس التقشف ومراعاة التوازن المالي لميزانية الدولة، في مقابل ضرب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للغالبية العظمى من المغاربة، خرج تلاميذ المغرب بدورهم للاحتجاج كاشفين عن هشاشة قاعدة السلم الاجتماعي والاستقرار والاستثناء المغربي التي تتغنى بها الحكومات المتتالية، فبعد إضرابات كبيرة لسكان الأحياء الشعبية ولطلبة الجامعات والأساتذة والمعطلين حاملي الشهادات العليا وموظفي الحكومة، وكذا العمال ضد سياسة التقشف التي تفرضها حكومة البنك العالمي بالمغرب، خرج، في بداية هذا الاسبوع، الآلاف من التلاميذ في اكثر من مدينة مغربية وفي مقدمتها الدار البيضاء وخريبكة وبني ملال وتمارة وأكادير والجديدة ووجدة وغيرها، احتجاجا على تدني مستوى التعليم الثانوي والاعدادي، وعلى تردي المنظومة التعليمية برمتها التي تقوم على انعدام المساواة بين أبناء الأغنياء الذين يلجون أحسن المؤسسات وينتظرهم مستقبل زاهر ومحفز، وبين أبناء الفئات الفقيرة والشعبية الذين يجدون أنفسهم، في أحسن الاحوال مكدسون في أقسام تفتقر لأبسط شروط التحصيل العلمي.، في الوقت الذي لم تجد الدولة حرجا، في الاستمرار في تزويق حربها ضد التعليم العمومي بمساحيق الجودة والإصلاح.

ويندرج برنامج "مسار" في إطار استكمال التوجهات التي أقرها "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" والتي تهدف بالأساس فيما يتعلق بمنظومة التعليم الثانوي إلى تكريس نخبويته بحيث أن نسبة التمدرس في التعليم الثانوي لا تتجاوز 44 %، في حين تصل في تونس مثلا إلى 65%، حسب الوثيقة المرجعية التي أعدتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي في نونبر 2009 حول "الاستراتيجية الوطنية لتطوير البحث العلمي في أفق 2025".

وتهدف مذكرة وزير التربية الوطنية الموجهة، في 29 نونبر 2013، إلى مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ونواب الوزارة ومديري المؤسسات التعليمية إلى إرساء مكون التقويم والامتحانات في إطار منظومة مسار للتدبير المدرسي بالنسبة للسلك الثانوي التأهيلي والإعدادي والإبتدائي. ويهدف هذا النظام الجديد الذي يقوم على المعالجة المعلوماتية لنقاط التلاميذ من طرف جهاز الإدارة على الحد من صلاحيات الأساتذة في تقييم تلاميذهم في حين يقوي من دور الإدارة بهذا الخصوص، بحيث ستنحصر وظيفة أطر التدريس على تعبئة ملف التنقيط وإيداعه بالإدارة التي ستتولى الأدوار البيداغوجية والتقييمية الموكولة في الأصل لهيئة الأساتذة، وذلك باحتساب معدل كل مادة والمعدل النهائي بالاعتماد على برنامج مسار المعلوماتي. ما يضرب، في العمق، مفهوم المراقبة المستمرة وذلك بإقصاء النقطة المتعلقة بمشاركة التلاميذ داخل القسم. إذ لم يعد بإمكان الأساتذة مراجعة نقاط تلاميذهم، بين الفينة والأخرى، بناء على تحسن أدائهم التعليمي، وهو ما اعتبره التلاميذ ضربا لحقهم خاصة تلاميذ الباكالوريا المطالبين بالحصول على معدلات مرتفعة لولوج المعاهد والمدارس العليا لتكوين الأطباء والمهندسين والإعلاميين والمسيرين... والتي تقوم على مبدأ الانتقاء، علما أن تلاميذ المؤسسات الخاصة يحصلون على نقاط مرتفعة جدا في المراقبة المستمرة التي تحتسب بنسبة 25% في النقطة النهائية لامتحان البكالوريا، مما يقوي فرص نجاحهم ويزيد من تعميق واقع انعدام تكافؤ الفرص والمساواة بين التلاميذ المحظوظين و بين أولائك المنحديرن من الأوساط الشعبية والفقيرة.

وقد ردت الحكومة، مباشرة بعد اندلاع شرارة الاحتجاجات التي عرفت مشاركة قوية ومكثفة للفتيات، بضرب حصار بوليسي شديد على محيط الثانويات المنتفضة، واعتقلت عدد من التلاميذ في مظاهرة الشريف الادريسي بسباتة في قلب مدينة الدار البيضاء ليتم اطلاق سراحهم في الحين، بعد تطويق سيارة الشرطة من طرف جموع المحتجين ومنعها من نقل زملائهم إلى المخفر، مرددين وجه رجال الشرطة شعار: "اذا درنا الشغب البوليس هو السبب"، و"التلميذ يريد إسقاط المسار". وقد تجاوزت هذه الاحتجاجات أسوار المؤسسات التعليمية وتحولت الى مسيرات في الشوارع العمومية، وقد تمكن التلاميذ من فرض التفاوض مع مديري بعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الذين حاولوا امتصاص الغضب التلاميذي محاولين إظهار مزايا "مسار" باعتباره يخدم مصلحة التلاميذ، الذين تشبتوا بمطلبهم المتمثل في إسقاط هذا النظام الجديد.

وتعد هذه الحركة الاحتجاجية استمرار للدينامية النضالية التي شهدتها الحركة التلاميذية بعد صعود حركة 20 فبراير حيث شهدت سنة 2011 انتفاض مجموعة من الثانويات في عدد من المدن المغربية وذلك تلبية لدعوة حركة تلاميذ الثانويات، المنبثقة عن حركة 20 فبراير، التي دعت إلى التظاهر يوم 18 من أكتوبر 2011 احتجاجا على السياسة التعليمية المطبقة على مستوى طرق التدريس أو على مستوى المناهج المتبعة.

وقد بلورت حينها هذه الحركة الاحتجاجية عدة مطالب تتمثل في مطالبتها بمجانية التعليم وبإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية ومحاربة الهدر المدرسي وبناء ثانويات جديدة لحل مشكل الاكتظاظ، والزيادة في عدد الأساتذة، وتجهيز المختبرات، وتوفير المنح للتلاميذ المعوزين، بالإضافة إلى محاربة تجارة المخدرات في المدارس التي تزدهر أمام أبواب الثانويات والإعداديات بتواطؤ مكشوف من لدن الأجهزة الأمنية التي تغض الطرف، وتشجع على توغل شبكات الدعارة وترويج المخدرات في الأوساط التلاميذية لتحويل التمرد التلاميذي نحو مسارات مدمرة ولإلهائهم عن واقع البؤس التربوي والمادي الذي يرزحون تحته.

كما رفض مدراء المؤسسات التعليمية بدورهم هذا البرنامج الجديد وطالبوا بتوقيف العمل به الى حين اكتمال الصورة حول هذه الالية الجديدة للتقويم ،وفي نفس الوقت اعلنوا عن تنظيم وقفات احتجاجية بالنيابات التعليمية على الصعيد الوطني يوم الاربعاء 29يناير. 2014.


احتجاج التلاميذ المغاربة غير موجه فقط لهذا النظام التقييمي الجديد فقط، بقدر ما هو موجه إلى الأسس والمرتكزات التي يقوم عليها النظام التعليمي بالمغرب ككل، وعلى الرغم من كون هذا النضال لا زال في مراحله الأولى ولم يتبلور بعد في حركة احتجاجية ومطلبية واعية ومنظمة وذات أهداف واضحة كفيلة بلف أكبر قاعدة تلاميذية ممكنة، فإنه استطاع أن يبين عن طاقة كفاح جبارة في الوسط التلاميذي. طبعا أجهزة الدولة ستعمل بكل ما في جهدها إلى تخويف التلاميذ والضغط عليهم للتراجع وقبول الأوضاع القائمة، في حين يتعين على كافة القوى المناضلة ببلادنا إسناد معركة التلاميذ ومؤازرتها بتضامن طلابي وشعبي واسع لتتمكن من فرض التراجع، ليس فقط، على نظام "مسار"، ولكن لتحقيق إصلاحات تعليمية وبيداغوجية ومادية كبيرة لفائدتهم، وهنا تكمن مسؤوليتنا جميعا كنشطاء سياسيين ونقابيين وحقوقيين، كما تتطلب هذه الدينامية التلاميذية الواعدة من نشطاء الحركة الطلابية ضرورة الاضطلاع بمهمة نشر الوعي والقيام بدعاية ممنهجة في أوساط التلاميذ المحتجين لجعلهم يدركون الطابع النخبوي والطبقي للسياسة التعليمية، وبآثارها المدمرة على الشبيبة التعليمية ببلدنا.

خلاصة القول أن هذا النهوض التلاميذي الجديد يعبر عن تبلور ملموس وإيجابي لحالة التذمر والسخط السائدة في الثانويات من جراء حالة التدهور المريع التي بلغها التعليم العمومي، كما أن التلاميذ، باعتبارهم فئة معرضة لاضطهاد واستلاب النظام الرأسمالي، يبينون عن قدرة خارقة وإرادة قوية للنضال، وكل ما ينقصهم هو من يؤطرهم ويمدهم بالأفكار، وهذا يفترض من اليسار أن يضطلع بمهامه قبل فوات الأوان، فمن العار أن نترك نضالات التلاميذ معزولة ومعرضة للقمع ولتشويهات الإعلام الرسمي ونكتفي بالإدانة اللفظية للسياسات النيوليبرالية المخربة للمدرسة العمومية.

• كل التضامن مع تلاميذ المغرب

• يسقط النظام التعليمي الطبقي الذي يفكك المدرسة العمومية ويلقي بأبناء شعبنا لجحيم البطالة

• عاشت وحدة التلاميذ والأساتذة والطلاب من أجل تعليم ديمقراطي علماني وجيد.



روابط فيديو لنموذج من احتجاجات التلاميذ ضد نظام مسار:

http://www.youtube.com/watch?v=HS2CCxnvU-4

http://www.youtube.com/watch?v=7tsetlOITkY








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حكومة البؤس
بلبل عبد النهد ( 2014 / 1 / 30 - 09:16 )
بدى واضحا ان هذه الحكومة تفعل ما في وسعها لززعة الاستقرار المغربي وتدفع بالمواطنين دفعا الى الخروج الى الشارع ليلتحق المغرب بباقي الشعوب مثل ليبيا وسوريا وسواهم فهي مند توليها الحكم لم تقدم للمغاربة سوى البؤس والزيادات التتالية انها حكومة البؤس بامتياز والحل الوحيد هو اجبارها على الرحيل

اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة