الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللبيبُ من الإِشارة يفهم

ابراهيم زهوري

2014 / 1 / 30
الادب والفن


اللبيبُ من الإِشارة يفهم

كانت تغمرنا العتمة ورائحة دخان حطب شجر الزيتون المحروق المسروق حديثاً تملأ تَجهُم ملامح المكان المبعثر الذي يشهد تحولاً عظيماً في أسس بنيانه الظاهر والباطن قد يتحكم بمصائر سكانه على المدى البعيد , حذرين نمشي بهدوء مخافة تعثرنا في حفرة من الحفر التي تخفي في جوف باطنها رغوة الطين الطري , نتجول دون هدف مقصود أرجاء أرصفة الشارع نتبادل أطراف الحديث , والمطر ناعماً خفيفاً أثار شهوة الوحل الذي يقفز من أسفل أحذيتنا يلوث أطراف ثيابنا ويُبَقعها بالنقاط الطائشة كنار تنينٍ غاضب لا يعترف بالملل أو الإرهاق ... كنا اثنين معاً في وقت متأخر من الليل نتلمس بالهمس آخر تفاصيل المستجدات التي يحفل بها المخيم في طور تحوله النوعي , تقاسمنا أنا وإياه وقتاً مشتركاً في منعطفات ماضينا والآن بما تبقى لنا من أيامٍ قادمة تتشابك ذكرياتنا مثل كرة الصوف الملونة وتتدحرج إلى ما لانهاية .
_ ألا يكفي زهاء عقد من الزمن خلف القضبان في سجون البلد الذي نعيش فيه .. لن أنسى ما قدمته أمي فقط لتراني في كل زيارة وتعرف أني ما زلتُ حياً أُرزق أطوي وجع آلامي بين أربعة جدران وأنقش هدر أيامي بإزميل أظافري خطوطاً هوجاء لتسرق من بصيص الأمل دفقات نسائم تحلم بامتطائها أجنحة النسر الجريح , والإزدواجية في التنظيم يا أخي ابراهيم ممنوعة منعاً باتاً حسب تعليمات نظامنا الداخلي , يقول ذلك كتصريح رسمي وهو يعتبر ذاته أَقدم رتبة عملت في الشأن العسكري متواجدة الآن في تنظيمه " أم الجماهير" كما يحب عادة أن يصفه من غير تبجح أو إزدراءٍ منه لحجم التنظيمات الأخرى الموجودة العاملة على الأرض . يقولُ ذلك ويلتفت نحو اليمين ونحو اليسار يتأرجح بين الحيطة وقتل الضجر, يستكشف أخيلة تمر فجأة وظلال أشباح تنصرف دون استئذان كمن يبدو خائفاً من خطرٍ قد يداهمه خلسة ويطعنه في الظهر, يشعل سيجارة مع تنهيدة أنين موجوعة تصدر صوتاً أجوفاً أشبه بصوت شخير الغارق في نومه ويستطرد:
وقياساً على أعمالهم المشينة يتوجب طردهم والتشهير بهم على الفور ودون تلكؤ منا أو تباطؤ, ومن هم في الأساس !!! - تعلو نبرة صوته قليلاً ويخرج عن استقامة دربه ويختار زاوية عند عامود الكهرباء يسند ظهره ويثني قدمه للخلف ليقف على رجل واحدة ليأخذ استراحة ويتابع حديثه مع ابتسامة توحي بالرضى عما سوف يقوله - المخبر والجاسوس ، اللوطي القواد ولاعب القمار , الحشاش وابن الداعرة , متحول الديانة الجديدة ولص البيض والدجاج , جميعهم وغيرهم يرتدون زياً عسكرياً لا يمت لنا بأدنى صلة ويرتزقون بالنهب والسطو والقتل , فلم يبق سافل إِلاّ وعلق صورةً للخِتْيار وهذا أكثر ما يدعو للأسف والشعور بالخيبة ومرارة الهزيمة , لقد بِعْنا فلسطينيتنا بين وارثٍ جاهل ومُحدث نعمة قالها يجلله حزن الأمهات في جميع العصور ونحن كلانا ننظر الى أعلى العامود الخشبي حيث المصباح الكهربائي المهشم تشدنا أنوار ذكرياتنا المشتركة التي قضيناها معاً في أمسيات سمر معسكر التدريب على أطراف مدينة دمشق حيث كنا صغاراً نجتمع من طيف شتاتنا أشبالاً وزهرات .. وتحت سقف سماءٍ صافية نشعل النار , نتعرف على رنين وقع أسماؤنا الحركية ونخط على الرمل رسم بلادنا المغتصبة ونغني كجوقة كورال بسملة فاتحتنا الكفاحية لتحتسي أرواحنا نبيذ الدروب الواعدة : " دربي مُرْ ودربك مُرْ .. إدْعَسْ فوق ضلوعي وَمُرْ , قديش هذا الشعب الثائر ضحى وقَدَمْ تيعيش حر , طل سلاحي من جراحي يا ثورتنا... طل سلاحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم ما كشفته الممثلة برناديت حديب عن النسخة السابعة لمهرجا


.. المخرج عادل عوض يكشف فى حوار خاص أسرار والده الفنان محمد عوض




.. شبكة خاصة من آدم العربى لإبنة الفنانة أمل رزق


.. الفنان أحمد الرافعى: أولاد رزق 3 قدمني بشكل مختلف .. وتوقعت




.. فيلم تسجيلي بعنوان -الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر-