الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقُّ العودة-.. هل فَقَدَ -واقعيته-؟

جواد البشيتي

2014 / 1 / 30
القضية الفلسطينية


جواد البشيتي
بعض المثقفين السياسيين الفلسطينيين (والعرب) يتساءل الآن عن "واقعية" حق العودة للاجئين الفلسطينيين، قائلاً: "هل الأرض تتَّسِع لهم وللإسرائيليين معاً؟"، و"هل البُنى التحتية لدولة إسرائيل وللدولة الفلسطينية (إذا ما قامت) مؤهَّلة لاستيعابهم؟"، و"هل يستطيعون الاندماج في المجتمع الجديد؟"، و"هل يقبلهم أشقاؤهم، أو أعداؤهم؟"، و"كيف يكون شكل دولة إسرائيل إذا ما ضُمَّ إلى سكَّانها (أو مواطنيها) 5 ملايين لاجئ فلسطينية؟"، و"هل يريد هؤلاء الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، فعلاً، تَرْك الحياة التي يعيشونها في دولهم، وبناء حياة جديدة، في أرض جديدة؟"، و"هل اسْتُفْتوا في هذا الأمر حتى نتبيَّن من منهم يريد العودة، ومن منهم يقبل التعويض؟"، و"إذا كان عرب إسرائيل يرفضون رفضاً باتَّاً الانضمام إلى السلطة الفلسطينية، ويُفضِّلون الجنسية الإسرائيلية، مع امتيازاتها، فكيف للعرب الفلسطينيين في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أنْ يقبلوا؟".
الإجابات جميعاً في طَيِّ التساؤلات نفسها؛ أمَّا الاستنتاج فهو الآتي: للاجئين الفلسطينيين جميعاً الحق الإنساني والأخلاقي والقانوني في العودة إلى حيث كانوا حتى سنة 1948؛ لكنَّ هذا الحق تلاشت ونفدت "واقعيته"، وأصبحت أثراً بعد عين؛ ولابدَّ من البحث عن "حلول أخرى (واقعية)"، في مقدَّمها "حل التعويض"؛ فما نَفْع حقٍّ يَلْقى صَدَّاً، ولا يَلْقى تأييداً، من "الواقع (العنيد)"؟!
إنَّها "الواقعية" التي لا شيء يشبهها، أو تشبهه، إلاَّ "الطوباوية (السياسية)" في فَهْم وتَصَوُّر حق العودة، والاستمساك به؛ فهل الحقُّ في الطَّلاق، مثلاً، يعني حتمية وقوع الطَّلاق؟!
إنَّ المرء (والشعوب أيضاً) لا يتخلَّى عن أيِّ حقٍّ من حقوقه لِكَوْنِه لا يستطيع الآن ممارسته، أو لِكَوْنِه لا يريد الآن (أو لا يحتاج إلى) ممارسته؛ فالحقوق، أكانت لأفرادٍ أم لشعوبٍ، لا تموت إلاَّ بموت أصحابها.
"الواقعية"، في التفكير السياسي الفلسطيني، ليست ميزة أو مَنْقَبَة ذهنية؛ بَلْ هي شرط بقاء لصاحبها، وهو الشعب الفلسطيني نفسه؛ لكنْ شَتَّان بين "واقعية" يسعى المنادون بها إلى تغيير الواقع بما يَرْفَع منسوب الواقعية في حقِّ العودة، و"واقعية" يُسْتَذْرَع بها لِحَمْل اللاجئ الفلسطيني على أنْ يُطَلِّق حقَّه في العودة ثلاثاً، وعلى رؤوس الأشهاد، وفي "وثائق قانونية مُلْزِمة"، تتضمَّنها اتفاقية الحل النهائي.
لن نُعلِّل أنفسنا بوهم أنَّ ما يَدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين الآن من مفاوضات سياسية (يُراد لها أنْ تنتهي بتوقيع الطرفين اتقاقية للحل النهائي) يمكن أنْ يفضي إلى عودة فعلية ولو لعشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى حيث كانوا، أو كان أباؤهم وأجدادهم، قبل حرب 1948؛ لكن هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنْ يتخلَّى اللاجئون عن حقِّهم في العودة، أو أنْ يمتنع الفلسطينيون عن التفاوض، أو توقيع اتفاقية للحل، مع إسرائيل إلى أنْ يغدو حق العودة واقعياً لجهة تنفيذه وتحقيقه.
أَعْلَم أنْ لا مفاوِض فلسطيني (أو عربي) في مقدوره أنْ يُعْلِن في اتفاقية ما مع إسرائيل تخلِّي اللاجئين الفلسطينيين عن حقِّهم في العودة؛ لكنَّ هذا التخلِّي يمكن أنْ يكون ضِمْنياً إذا ما استخذى المفاوِض الفلسطيني لمطلب (أو شرط) إسرائيل أنْ يعترف الفلسطينيون بها على أنَّها دولة يهودية (ليس للفلسطينيين أيَّ حقٍّ قومي أو تاريخي في إقليمها). وهذا إنَّما يعني أنَّ الفلسطينيين يمكنهم، وينبغي لهم، أنْ يؤكِّدوا تمسكهم بحق العودة، وعدم تخليهم عنه، من طريق رفض هذا المطلب (أو الشرط) الإسرائيلي. وإنَّ عدم التخلِّي عن حق العودة لا يتعارَض، ويجب ألاَّ يتعارَض، مع أَمْرَيْن هما: أنْ تكون الدولة الفلسطينية، في "الاتفاقية"، وفي "الدستور الفلسطيني"، دولةً لكلِّ الفلسطينيين، وأنْ تُسوَّى مشكلة اللاجئين بما يسمح بـ "امتناعهم"، على وجه العموم، عن العودة إلى ما يُسمَّى الآن "إقليم" دولة إسرائيل.
ما ينبغي له أنْ يُشْحَن الآن بالواقعية، وبمزيدٍ من الواقعية، إنَّما هو حقُّ كل لاجئ فلسطيني في المواطَنَة في "دولة فلسطين"، مع احتفاظه بحقِّه في العودة (ولو بعد عشرات، ومئات، السنين) إلى حيث عاش أجداده قبل قيام دولة إسرائيل.
وهذا إنَّما يعني أنْ يحصل كل لاجئ على تعويض مالي، على ألاَّ يُفْهَم ويُفسَّر هذا التعويض على أنَّه "تعويض له عن خسارته حق العودة"، وأنْ يَلْتَزِم المجتمع الدولي مساعدة الدولة الفلسطينية بما يُمكِّنها (مالياً واقتصادياً وعمرانياً وقانونياً وسياسياً) من أنْ تَسْتَوْعِب كل سنة مزيداً من اللاجئين الفلسطينيين؛ فالتحدِّي التاريخي الذي يواجهه الفلسطينيون الآن هو كيف يُركَّز مُعْظَم الشعب الفلسطيني، أو قسمه الأكبر، في هذا الحيِّز الصغير لـ "دولة فلسطين"، ولو استغرق إنجاز هذا العمل عشرات السنين، على أنْ تكون البداية إقرار وضمان حق كل لاجئ فلسطيني في الحصول على الجنسية الفلسطينية، ولو ظلَّ مقيماً إلى الأبد في خارج إقليم "دولة فلسطين".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق على المقال
نضال الربضي ( 2014 / 1 / 31 - 13:50 )
تحية طيبة أستاذ جواد،

لم يكن تعليقي على مقالك السابق يهدف إلى شرعنة أو تبرير أو الحض على التخلي عن حق العودة، و قد توقعت أن يُفهم هكذا لذلك بدأته بالتاكيد على الحق الإنساني، و كما تعلم و نعلم جميعنا أن الحق الإنساني لا يسقط.

إن قصدي قد كان و ما يزال أن تكون طروحات السياسين عملية واقعية، و لقد غطيت َ في مقالك نقطتين مهمتين و هما: التعويض المادي و الاعتراف بديمومة الحق تمهيدا ً لعودة واقعية.

اسمح لي أن أضيف فأقول أن شكل هذه العودة لا بد و أن يكون محكوما ً بخطة فلسطينية إسرائيلية يتم الاتفاق عليها، و هنا مكمن الصعوبة، لأن هذه الخطة تتطلب أن يكون الفلسطيني صاحب المصلحة أقوى من الصهيوني المعتدي و هذا غير موجود.

لذلك يبدو أنه حتى إشعار آخر ينبغي ضمان منع أي سياسي من ارتكاب حماقة التخلي مع العمل الجاد على فرض سياسة الأرض الواقع من الجانب الفلسطيني كرد على ذات السياسة الإسرائيلية.

لا أخفيك فأنا غير متفائل، لكن أؤيدك فيما ذهبت إليه.

دمت بود.

اخر الافلام

.. موقع إسرائيلي: حسن نصر الله غيّر مكان إقامته خوفا من تعرضه ل


.. وقفة لرواد مهرجان موسيقي بالدنمارك للمطالبة بوقف الإبادة بغز




.. برلمان فنلندا يقر اتفاقية للتعاون الدفاعي مع أمريكا


.. المدعي العام يطلب فتح تحقيق جنائي مع بن غفير بتهمة التحريض ع




.. في تصرف غريب.. هانتر بايدن يحضر اجتماعات والده مع المسؤولين