الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياق أحداث 1965 العنيفة بالدار البيضاء وتداعياتها السياسية

عبد الشافي خالد

2014 / 1 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


ارتفعت وتيرة الصراع المعلن بين الحسن الثاني والمعارضة اليسارية ممثلة بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية مع أحداث الدار البيضاء العنيفة في مارس 1965، والتي كانت نتيجة لتظاهرات قام بها التلاميذ وأولياؤهم ضد إصدار مذكرة من طرف وزير التعليم تضع عوائق أمام التلاميذ في الإلتحاق بالتعليم الثانوي ، قبل أن تلتحق بها فئات أخرى من السكان ، وهو ما حدا بالملك إلى مخاطبة الشعب بكلمة مرتجلة ليلة 29/3/ 1965 قائلا: » ولكن كيف ما كانت الأحوال لا يجدر بك أيها الشعب المغربي بعد أن هداك الله أن يزيغ قلبك « . كما لم يترك الفرصة تمر دون التوجه في نفس الخطاب إلى أعضاء البرلمان الذي كان يعرف أزمة حادة بعد انعقاد دورة استثنائية أواخر 1964 قائلا : »وبهذه المناسبة أتوجه كذلك إلى من منحتموهم ثقتكم وصوتم عليهم وصعدوا إلى البرلمان ، أقول لهم ، كفاكم من القيل والقال ، كفاكم من إلقاء الخطب الفارغة ...إن النبي (ص ) قال ( إذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة ) ، فالأمانة ملقاة على عاتقكم « .وهو ما يعني بكل بساطة تحميل مسؤولية الأحداث كاملة للبرلمانيين و بالتالي الزيادة من إضعاف خصومه أمام الشعب خاصة أنه عدد سلبيات التجربة البرلمانية مثل قلة عدد القوانين التي تم سنها... ورغم نقده الحاد للأحزاب ولممثليها في البرلمان خلال تلك الأزمة فقد صرح ، وكأنه يمد يده إلى المعارضة رغم التشكيك في نواياها في نفس الوقت ، » أن المعركة معركة طويلة جدا ، فإذا التقى جميع الناس ذوي النية الصالحة... وإذا خلصت نية هؤلاء ونية الحسن الثاني كذلك ، فإننا سنقهر الصعاب ، ولقد وضعت نيتي أمام الله وإنك أيها الشعب تعرفني من قديم وتعرفني في الجد والإخلاص لا الكذب ولا النفاق ، ولو لم أرد لك النظام الديمقراطي ما كنت لأمنحك إياه ، إن أي أحد لم يرغمني على ذلك « . يدل كلام الملك هنا على ما قلناه بخصوص فقدان الثقة بينه وبين خصومه السياسيين و سيادة التشكيك المتبادل في نوايا كل طرف ، هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فيدل هذا الخطاب على الفكرة التي يشير إليها مجموعة من الباحثين ، وهي أن الملك يحاول دائما أن يظهر أنه في موقع قوة وأن لا يقدم التنازلات تحت ضغط الشارع أو أي كان ، فها هو الحسن الثاني وبعد كل ما وقع بالدار البيضاء وما سقط من ضحايا ، يؤكد بأنه لم يرغم على منح النظام الديمقراطي للشعب ، بل أعطاه إياه بكل طواعية .
تعتبر أحداث الدار البيضاء منعطفا حاسما في صراع الملك مع خصومه السياسيين خلال عقد الستينات ، » فبغض النظر عن ما تم نشره حول أحداث مارس 65 ، وما إن كان حقيقيا أو تم تضخيمه ، فقد كان له التأثير المرجو ، تحميل مسؤولية اللاستقرار للأحزاب الممثلة في البرلمان لتبرير توقيف عمل المؤسسات التي أرساها دستور 1962 « . و بالإضافة إلى ذلك كانت الناصرية تتوسع وتتجذر بين 1963 و 1965 ، وانتقلت مع بن بلة إلى الجزائر الجارة التي دخلت في علاقات واسعة وغامضة مع قسم من اليسار المغربي ، وكان ينتظر من انتخابات 1963 أن تحيّد هذا اليسار وتسمح ببروز حزب " ملكي" معتدل (الفديك) يمنع هذا الأخير من استغلال المؤسسات التي تم إحداثها بالدستور لصالحه . لكن أزمة 1965 كانت نتيجتها هي » تحويل الحسن الثاني إلى زعيم على غرار بونابرت أو أمير حسب النموذج السياسي الذي كان على رأسه شخص مثل عبد الناصر ، بن بلة وحتى بورقيبة « . ولعل هذا ما جعل عبد الله العروي يصف صراحة المعارضة بغياب العقلانية وحس المسؤولية ، مما أحال دون انتقال البلاد نحو " البرلمانية " كما صرح في شهادته ، » فالكل خدم الملك بشكل غير مباشر عبر الانخداع بعدوه كل مرة ، فالمقاومون أضعفوا النقابات التي أضعفت بن بركة الذي أضعف عبد الرحيم بوعبيد الذي أضعف علال الفاسي الذي أضعف رضى كديرة ، وهو آخر حاجز أمام سلطة غير مقتسمة ولا مراقبة « .
وبعد هذه الأحداث ، ولتحقيق نوع من الانفراج بادر الحسن الثاني إلى إصدار العفو عن المحكومين في " مؤامرة 63" ، و أعلن ذلك في خطاب له بمناسبة عيد الأضحى يوم 13/4/65 ، وهو ما يعطي لعملية العفو رمزية دينية بالتأكيد . وقد قال في هذا الخطاب : »ولهذا فقد صح عزمي على أن أحل الوئام والتآزر محل الخصام والتنافر ، و أطهر القلوب من البغضاء والشحناء والإحن والأحقاد لتتضافر الجهود وتتكتل العزائم ، ويجتمع شمل الأمة وتنصرف مساعيها إلى النعمة بدل النقمة « . ولكي يبرر استثناء بعضهم من العفو بل ويحذر هؤلاء من عدم التقاط الرسالة التي أراد توجيهها لهم قال الحسن الثاني : »ولقد كان بودي أن يشمل عفوي هذا جميع الذين صدرت في شأنهم أحكاما لما ارتكبوه من جريمة المس بأمن الدولة الخارجي واستمرارهم في ضلالتهم ... فإذا هم أضاعوا هذه الفرصة وتمادوا في غيهم واعتبروا الحلم بابا مفتوحا يمكنهم أن يلجوه في كل آونة ، فإنني أحذرهم مغبة سوء نظرهم وعاقبة فساد رأيهم وأنبههم إلى أن للحلم حدا وللتجاوز نهاية « . هكذا يعود عفوه عن المتهمين إلى الحلم الذي يتصف به ، وهو سلوك يأمر به الدين اتجاه الأعداء بمسامحتهم على الأخطاء التي يرتكبونها في حق الشخص ، مما جعل الملك يدخل عملية العفو هذه ضمن وظيفته الدينية ويخرجها من سياق الأحداث التي سبقتها ، لذلك أكد بوضوح في نهاية خطاب العفو هذا » أن الصفح الذي أصدرناه ، والعفو الذي قررناه ،إن دل على شيء فإنما يدل على ما يملأ قلبنا من إيمان بالله ، ويثبتان اعتقادنا الراسخ بأن الله هو الحافظ من كل مكروه وسوء، ( فالله خير حفظا ، وهو أرحم الراحمين ...) وبهذا الحكم يمكن الاستدلال بما طبع الله عليه أسرتنا من بعد نظر وسعة الصدر...( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) « .
أما بالنسبة للبرلمان والوضع الذي يعرفه ، فقد أعاد الملك الحسن الثاني تذكير أعضائه في افتتاح الدورة الثانية في 30/4/65 ، بل وتنبيههم إلى خطورة الوضع قائلا: » وإننا نأبى أن نتصور أن المؤسسات الدستورية ستحيد يوما من الأيام عن الجادة القويمة وتعدل عن المحجة السليمة وتنسى المهمة التي من أجلها أقيم بنيانها « . و قد كان هذا هو آخر خطاب له أمام البرلمان الذي لم يكمل ولايته التشريعية ، إذ تم حله في شهر يونيو من تلك السنة ، وبالتالي تعليق العمل بالدستور وإعلان حالة الاستثناء بخطاب ملكي ، حسب ما ينص عليه الدستور في فصله 35 ، » والحقيقة أن المغرب انخرط يومها في مرحلة طابعها السلطة الشخصية المنفردة للملك ، طالت به لما يزيد عن الخمسة أعوام . فقد بات الملك يستأثر بالسلطات الاستثنائية ( ف 35) ، وقد شكل هذا المنعطف انتصارا ساحقا للقصر على الحركة الوطنية « . أما الحسن الثاني فقد كانت له رواية أخرى لما حدث ولتبرير قراره بإعلان حالة الاستثناء ، بل وجد السند الديني كالعادة للدفاع عن قراره ذلك ، و الذي كان يعارضه حتى بعض مستشاريه قبل معارضيه ، إذ صرح بعد عقد من الزمن من هذه الواقعة أنه » في ربيع 1965 ، كان من غير المجدي التوجه نحو البرلمان بغية تحويل برنامج للإنقاذ مدعوم من أغلبية مستقرة وواعية بأدوارها إلى أفعال...فواجبنا الدستوري الوحيد كما يتجلى حتى في كلام الرسول هو المحافظة على الدولة والأمة ، ويبدو للكل اليوم أنه في 64/65 كنا على صواب لأن الأمة المغربية كان يتهددها خطر الموت « .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث