الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعبنا دائمًا يريد حكم الفرد

محمد منير

2014 / 1 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أهل بلدنا منذ قديم الزمن لا يطيقون الاحتلال، والمحتل كان دائمًا سببًا فى نمو الوعى القومى عند المصريين وإحساسهم بذاتهم الوطنية وخروجهم من خمولهم واستكانتهم، وهذا ما حدث عندما هاجم الجنود الفرنسيون شواطئ مصر بقيادة نابليون بونابرت، فهرب من المشهد كل القوة الحيوية من مماليك وعثمانيين، ونهض الشعب من سباته فى أحضان الأتراك، وتصدى أبناؤه للمحتل دفاعًا عن وطنهم..
وانسحب المحتل وظلت الروح الوطنية المصرية مستيقظة لم تنسحب مدركة أنه آن الآوان للتخلص من سيطرة الوالى التركى وحكمه، وظلم فلول مماليك سلاطين الأتراك، فقد قاوم الشعب المحتل وأدرك قوته وذاته وقدرته على إدارة شئون نفسه دون الوقوع تحت حكم أجنبى يبتز خيرات أرضه الخصبة..
ورفض الوالى العثمانى خورشيد الذى حاول مقاومة الإرادة الشعبية بكل الأدوات، فلما فشل حاول التستر بشرعية السماء فواجه العلماء بوجوب الطاعة مصداقاً للآية الكريمة «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم».. ولأن علماء مصر وشعبها كانوا متحصنين بحالة النهوض الوطنى، لم يؤثر فيهم هذا الأسلوب ولم يخدع وعيهم، فتمسكوا بعزل الوالى «خورشيد» مؤكدين أن الطاعة لأولى الأمر الذين يصونون الأمة ويحكمون بالعدل..
وعندما حان وقت اختيار حاكم بإرادة شعبية استبدل الشعب بخورشيد الوالى التركى التابع للباب العالى محمد على الوالى الألبانى أحد جنود جيش الباب العالى!
إذا رجعنا سنوات طويلة قبل الحملة الفرنسية، وتحديدًا وقت مواجهة النبى موسى عليه السلام مع فرعون مصر القوى، نرى أن المصريين بما فيهم السحرة كانوا يخضعون عن رضاء وطيب وخاطر لجبروت فرعون وربما لظلمه وطغيانه، بل إنه حتى اللحظة الأخيرة كان السحرة يحاولون دحض منطق موسى وأدواته فى مواجهة فرعون مصر بناء على طلب الله «اذهب إلى فرعون إنه طغى» وكان موسى بطبعه ناشطاً مجتمعيًّا مدافعًا عن أهله وعشيرته حتى إنه قتل شخصًا بوكزة دفاعًا عن مظلوم، وما إن أتى موسى ببرهان أقوى من برهان فرعون حتى استقطب السحرة إلى معسكره، وغرق فرعون وجيشه فى اليم بقدرة الله وإرادته، وانتقل المصريون بسحرتهم من تبعية فرعون إلى تبعية موسى.
هى إذاً مواجهة فرد أمام فرد وليس شعب فى مواجهة طغيان فرد.. وهكذا طوال الوقت تسير الأمور فى مصر، فلم تعرف مصر مثلاً طوال تاريخها أسلوب المائدة المستديرة فى الحكم مثل التى حكم من خلالها مائة فارس إنجلترا يمثلون كل الأقاليم، حتى كلمة الشورى فى السياسة المصرية لا تعنى حق المجموع فى اتخاذ القرار، وإنما مساعدة المجموع للفرد فى اتخاذ القرار.
ومن هنا أصبح مفهوم الحكم المدنى بجوهره المؤسسى وحيداً فى رافد، وحكم الفرد المستند على قوى عسكرية أو دعم عقائدى دينى فى رافد آخر، وفى كل الأحوال كان الأمر يرجع لإرادة وسلطة فرد يمثل القوى الداعمة له ويكون ظلها فى الأرض، ويتحكم فى مصير المجموع من خلال هذا الدعم ومباركته
وإذا ما اختبرنا الحكم الفردى المدعوم بتأييد دينى أو عسكرى من حيث النتائج، نجد أن أوروبا شهدت أكثر عصورها ظلامًا وانهيارًا وقت حكم القياصرة والملوك والأمراء المستندين على المؤسسة الدينية الكنسية فى قمع الشعوب والسيطرة عليها، وهذا ما حدث فى الشرق وقت الحكم العثمانى وحكم المماليك، حتى ظهر دور الأزهر التقدمى متأثراً بحركة النهوض الشعبى والمدنى والثقافى، هذا الدور الذى لم يستمر طويلاً، بعدما وقعت مؤسساتة تحت تأثير التيارات السياسية المتأسلمة.
حتى الحكم الفردى العسكرى رغم تحقيقه نجاحًا مرحليًّا فى فترات التحرر من الاستعمار العسكرى لدول العالم الثالث، فإنه على المدى البعيد منى بفشل تنموى ذريع، وخاصة بعد توارث العسكريين الحكم فى هذه البلدان سنوات طويلة، على عكس بعض الدول الأوروبية التى اكتفت بفترة زمنية محددة لحكم العسكريين لها بعد الحرب العالمية الثانية، وانتقلت بعد ذلك إلى الحكم المدنى المؤسسى، وهو ما انتهى بنتائج إيجابية ونهضة مجتمعية واقتصادية متنامية.
المشكلة الحقيقية فى مصر تكمن فى المزاج السياسى الشعبى الذى يرى أن «بلدنا عايزة ولد وفى قول آخر دكر».. وهو ما يعنى أن مصيره فى يد فرد ولد مخلص "دكر" وربما أيضاً "عنتيل" رغم أننى لا أعرف معنى الكلمة، وهى صفات تتمناها أى أنثى فى فارس أحلامها ليلبى الكثير من احتياجاتها، إذا النظرة الشعبية لمصر أو "بهية" باعتبارها امرأة تحتاج لفارس يحميها، وليس باعتبارها سيدة قوية شامخة تظل بحمايتها كل أبنائها الذين يحتاجون إليها ، أكثر من حاجتها إليهم.
البعد عن الحكم المؤسسى، وتجذر الثقافة السياسية المصرية التى ترى إدارة الحكم فى وضع مصير المصريين تحت سيطرة مزاج ووعى وإرادة وثقافة فرد واحد، هما ما يفسران الصراع الدموى المبالغ فيه على كرسى الرئاسة المصرى وهو المنصب الأقرب لصفة صاحب الوسية وأمير المقاطعة من صفة الموظف العام فى الدولة والخاضع لمعايير مؤسسية وإرادة شعبية‫-;-.‬-;-
ما زالت تحضرنى أبيات من مسرحية الأمير «تنتظر» للشاعر الراحل صلاح عبد الصبور، وهو ما أتذكره وأكرره كثيراً، عندما كان يخاطب أميرته التى يرمز بها إلى مصر ويحذرها من الوقوع فى عشق الفرد مهما كان قائلا‫-;-:‬-;-
" يا إمرأة وأميرة
كوني سيدة وأميرة
لا تثني ركبتكِ النورانية في استخذاء
في حقوى رجل من طين
أيًا ما كان
وغدًا أو شهمًا
عملاقًا أو أفّاقًا
********
ليكن كل الفرسان الشجعان
ممن يحلو مرآهم في عينيك
لكِ خدامًا لا عشاقًا
أو عشاقًا لا معشوقين".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص