الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال للمجتمع السوري

كمال اللبواني

2005 / 6 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


عندما كنا يوم الجمعة الماضي ، في مقر المفوضية الأوربية في دمشق ، نناقش مع الوفد البرلماني الأوربي الحالة الحقوقية والسياسية في سوريا ، أمطروني بعدد كبير من الأسئلة حول العنف والتعصب والإرهاب والنتائج الافتراضية لعملية الاقتراع لو حصلت ، وعن الاحتمالات الخطرة لرحيل النظام حتى لو كان هذا الرحيل سلمياً و من الداخل , وو .. و ماذا تتوقع وماذا تعتقد ؟؟؟ .. المسألة على ما يبدو لي لا تتعلق بوجود الحدس بقرب حدوث ( شيء ما ) بل تتعلق أكثر بنتائجه وانعكاساته .
الموضوع أنني ومنذ فترة لم التق مع أي مسؤول ولا صحفي ولا دبلوماسي أجنبي زار سورية ، إلا وكرر نفس الأسئلة وأبدى نفس المخاوف .. ( استلام المتعصبين الإسلاميين للسلطة ، و اندلاع العنف والحرب الأهلية ، فيما لو رحل النظام الحالي ) .
ببساطة أنا اعلم منذ البداية أن هذه هي دعاية النظام ، والتي كانت قد بدأت بالحديث عمن يرغبون في ( جزأرة / من جزائر ) سوريا قبل سحق ربيع دمشق واعتقالنا في عام 2001 , ... لكن أن تستمر إلى الآن وبهذه الوتيرة العالية ، فذلك يعني أن كل مسؤول سوري يفاوض ويلتقي الأجانب ، ليس له مهمة سوى نعت شعبه بالتعصب والتخلف والجهل والعنف والإرهاب ، ثم يفتخر بأن نظامه استطاع أن يضع الحديد في يد هؤلاء( القتلة ) الذين يضرب المثل على سلوكهم في ( عراق الفللوجة ، بعد تحريرها من النظام الوحيد المناسب لها ، ويا لها من غلطة يجب أ لا تتكرر )
نعم النظام يراهن على ( صحوة أمريكية ) ، ويحاول دوماً أن يقول للأمريكيين أنكم ( حمقى ) لأنكم بمطالبكم الديمقراطية تريدون استبدالنا بمن هو أكثر عداء لكم منا ، انظروا إلى هذه المعارضة التي سوف تكون البديل عنا .. ثم لا ينسوا أن يومئوا لبعض الشخصيات ( المعارضة علناً و المنسقة ضمناً ) كي تطلق التصريحات النارية المضادة لأمريكا والمؤيدة ( للمقاومة البطولية في العراق )، خاصة بعد كل حادث مروع هناك يطال المدنيين ودور العبادة ،/ تقرباً من وغزلاً مع النظام في الواقع ، ونكاية بالعدو الأمريكي - الصهيوني الذي يريد التدخل والهيمنة على المنطقة بالظاهر /ضاربين عرض الحائط بمأساة ومعاناة ذوي الضحايا من أبناء العراق الفقراء الذين طال استعبادهم وهان قتلهم (على مذبح القضية ؟؟ ).
أما من يرحب بالضغوط الخارجية على النظام ، والتي هي بكل أسف العامل الأهم في إجباره على تقديم تنازلات لمواطنيه ، في مجال حقوقهم الطبيعية في التعبير والاجتماع والمشاركة في الحياة السياسية ، فبسرعة يستطيع النظام توجيه تهم العمالة له ، ليس لأنه يطالب بحقوق شعبه, بل لأن تلك المطالب جاءت على لائحة المطالب الخارجية ، وتحت تأثير تغيرات عالمية كبرى ، وبإلحاح كل وطني مخلص في الخارج والداخل ، يعلم أن هذه الأنظمة ذات يوم لم تكن لتأتي أو تستمر بدون رعاية الأجانب لها .
يقوم النظام بتفريغ مجتمعه من قوى التسامح والديمقراطية ، ثم يهيئ الأرضية للجهل والتعصب ، ثم يدعي أنه ضحيته ، و يسارع لتوصيف كل حادث أمني يحدث ، على أنه عمل إرهابي مدبر ، ولا ينس بين وقت ووقت أن يفبرك اكتشاف المجموعات ، وتفكيك الخلايا النائمة والمستيقظة ، والتي لو كان هناك شفافية في التحقيقات والمحاكمات ، لاكتشفنا أنها أقل كثيراً مما يحاول النظام الإيحاء به ، فنحن نعلم أنه هناك ( تيارات تدين إسلامي ) لكنها في معظمها ليست سياسية ، و كلها لا تتبنى العنف ، وحتى تلك التي قيل أنها تبنته ذات يوم ، أنكرت ذلك ، ودعت إلى تحقيق محايد لكشف الحقائق ، أيضاً نعلم أن هناك مجموعات تعيشت طويلاً على تهريب السلاح (وعلى عينك يا تاجر ) في المرحلة الماضية ، وربما وجدت اليوم من يدفع لها أكثر ، لحاجة البعض الماسة للسلاح في (مكان ما ) ولوجود من يبيعه بسهولة في ( مكان آخر ) وعندما تحتك بالسلطات تفسر تلك الاحتكاكات على أنها أعمال إرهابية بسبب وجود القرآن الكريم أو المسواك بحوزة الشباب اليافعين !!! ، فيفتخر ضباط الأمن ببطولاتهم ، وتعطي السلطة للغرب المرعوب من ظاهرة الإرهاب الإسلامي جرعة مسكنة جديدة تؤجل ضغوطه فترة أخرى .
السؤال الموجه للمجتمع السوري، هل حقاً نحن إرهابيون ومجرمون ومتعصبون وطائفيون ؟ ، وأننا نعيش بسلام وأمن فقط لأن الشرطي الحازم المسلح بحالة الطوارئ يقف على رأسنا ؟، وأننا سوف نقتتل مباشرة بعد أن يدير الشرطي ظهره إلينا ؟
هل الأمن الذي ننعم به سببه طيبة شعبنا وأخلاقه وقيمه ، أم براعة أجهزة الأمن ، وهل جرب أحدكم أن يستدعي دوريات الأمن ليصف لنا طريقة استجابتهم ؟!!!!!؟ من الذي يسرق وينهب ويختلس ويرتشي ويعتدي على المال العام ويخرق القانون و يسلب حقوق المواطنين ، ومن يشجعه ويحميه ويتغاضى عنه ، وهل كنا يوماً مقصرين في كشف الفساد الرهيب الذي نعاني منه والذي تقف السلطة مسؤولة وحيدة عنه . ( إذ لا ينقص شعبنا سوى أن تتهمه السلطة بأنه هو سبب فسادها لأنها جاءت منه . وتنسى أنها احتكرت الحكم بعكس إرادته ).
ماذا نقول لسلطة تريد الدفاع عن فسادها باتهام شعبها بأنه مجرم وحاقد ، لكي تبقى هي فاسدة ومستبدة ... أي بؤس ..
فبدل أن تصغي السلطة لشعبها وتصلح نفسها وتكبر باحترامها لحقوق مواطنيها ، ولقانونها ، ثم لإرادة شعبها الحر الأبي الكريم المتسامح النبيل المتحضر ، نراها تتلوى تحت الضغط الخارجي وتستعد للتنازل عن كل شيء إلا الكرسي ، و تستعد لتقديم كل شيء للأجنبي ، وتمتنع عن تقديم أي شيء لشعبها ... أيضا أي بؤس ؟!!؟
والسؤال الموجه للسادة الأجانب أو الأسياد المحليين : هل العنف الذي اندلع في العراق سببه الشعب العراقي ، أم سلوك النظام السابق وتحضيره ، ثم سلوك الجيوش المحتلة بغطرستها واستسهالها إزهاق الأرواح ، ثم تدميرها المتعمد لكل أجهزة الدولة ، ثم التدخل المعلن والمستور من كل جار قريب وبعيد ومن كل حدب وصوب ( طبعاً ضمن إستراتيجية أمريكية - دولية ضمنية تريد فتح ساحة صراع على الأرض العربية مع التيارات الإسلامية الجهادية لاستنزافها )
لاحظوا معي أنه بالرغم من كل الجرائم المروعة التي طالت كل مكونات الشعب العراقي والتي تحمل التوقيع الطائفي الحاقد ، فقد فشلت في استثارة ردود أفعال انتقامية طائفية ذات أهمية ، بالرغم من كل أنواع التحريض والاستفزاز .
لا حظوا معي أيضا أن كل من راهن على اندلاع الفوضى في لبنان بعد رحيل الجيوش الحارسة للضمائر ، قد خسر الرهان بالرغم من محاولات استحداثها ، نحن نعلم أن الشعب اللبناني ومباشرة بعد توقف الجهات الخارجية عن الصراع داخله وعلى أرضه ، لم يجد غضاضة في العودة للتعايش دون عوائق تذكر رغم مئات آلاف الضحايا ، والكثير منه لم يعلم لماذا حارب 15 سنة ، ثم لماذا توقفت تلك الحرب ، وقواد الحرب الأهلية هم ذاتهم الذين شكلوا حكومة الوفاق ؟؟ .
ما أقوله ببساطة أن المثالين المضروبين عن همجية شعبنا ، والتي يبنى عليهما توقع همجية ثالثة تضاف إليهما يقوم بها الشعب السوري ، هما مثالين على عكس ذلك لو دققنا في الأمور بطريقة أخرى ،
لكن هناك من يتعمد تدمير مؤسسات المجتمع المدني ( NGO: non governmental organizations ) وتدمير الثقافة والحوار والتسامح ، وزرع التعصب والجهل والحقد والطائفية ، ويحاول إفشال كل جهد سياسي لبناء منظمات علمانية ديمقراطية ليبرالية ( عدل ) تشكل الوعاء الحقيقي للوطنية والسلم وتداول السلطة ، ويحيك المؤامرات ويشغل أجهزته وعملاءه للتشويش عليها وعرقلتها والإساءة إليها ، وفي نفس الوقت يفشل في اكتشاف منظمات عصبوية غير حكومية ( NGG : non governmental gangs ) تؤدي أغراض سياسية تخدم أطراف وأنظمة ، رغم أنها منتشرة في كل مكان في المنطقة ، و تعيث فساداً وتقتيلاً فيها .
نحن نصرخ ( كفا ) قبل وزيرة الخارجية الأمريكية رايس بزمن طويل ، ونناشد ضمائر كل مواطن في السلطة أو خارجها أن يعلن موقفه بوضوح مما يجري ، ثم يأخذ دوره في مراقبة وفضح كل سلوك إجرامي عصبوي تشبيحي أو إرهابي من أي طرف أو جهة كان ، لأن ذلك خطير وخطير جداً علينا جميعاً ، بل أكثر خطراً من الغزو الخارجي ..
ونحن نصرخ كفا للعنف والإجرام والتعذيب والاضطهاد والاختطاف والإخفاء في غياهب السجون السرية، وكفا للقتل غير القانوني ، وكفى للتغاضي عن العصابات والعصبويات ، وكفا لقمع حرية الرأي وتخريب الحوار ، وكفا للفقر الذي تسبب به النهب المتوحش ، وكفا للجهل والأمية الذي تسببت به سياسة التجهيل والإذلال .
نعم نريد أن تنطلق مسيرة الإصلاح من هنا ، من ضمير كل مواطن حر نحن نثق بتحضره ووعيه ، ولنتخلص من تلك التحزبات والانتماءات الضيقة ، ولندخل حديقة الوطن التي تتسع للجميع بحرية وكرامة ، فهذه حضارتنا وهذه قيمنا التي عشنا وسنعيش عليها .. وتعسا للمجريمن والقتلة الذين يندسون بيننا ليخربوا مجتمعنا ، والرحمة لأرواح شهدائنا الذين نحتسب مصابنا بهم عند الله العزيز المنتقم .
أخيراً نقول للجميع كما قلنا للأوربيين , لا تخافوا لو رحلت هذه السلطة فالمجتمع موجود ، والسلم الأهلي مصون ، والحرب الأهلية لن تقع إلا إذا عمل من أجلها غيرنا ، أو فجرها المتعنتون الذين لا يريدون الاحتكام لصندوق الاقتراع ، وأننا كمجتمع قادرين على تجاوز محنتنا بسلام وآمان ومن دون عنف ولا دماء ولا انتقام ، ونحن نعمل معاً بروح واحدة مع كل المخلصين والشرفاء والغيورين في كل مكان وموقع ، وسوف نستمر على هذه الروح ، ولن يحدث أي فراغ مزعوم ، وتغيير السلطة أمر طبيعي وبديهي ، وعودة المسؤولين لصفوف الشعب أمر حتمي ، كان يجب عليهم ألا ينسوه في يوم من الأيام ، وإن كنا نفضله أن يكون سلمياً وتدريجياً ومن الداخل ، ونوضح أن تغيير السلطة في أي بلد لا يعني أبداً دمار المؤسسات وتفكيك الأجهزة ، فالسلطة غير المؤسسات ، والحكومة غير المجتمع ، والسلطة السياسية ليست الدولة، السلطة تولد وتموت فتلك سنة الحياة السياسية ، أما الوطن فيبقى ...
والسلام على من اتبع الهدى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تبدع في تجهيز أكلة مقلقل اللحم السعودي


.. حفل زفاف لمؤثرة عراقية في القصر العباسي يثير الجدل بين العرا




.. نتنياهو و-الفخ الأميركي- في صفقة الهدنة..


.. نووي إيران إلى الواجهة.. فهل اقتربت من امتلاك القنبلة النووي




.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب نتنياهو أركان حكومته المتطرف