الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا تكلم اليعسوب

احمد عبدول

2014 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


كنت قد تركت وظيفتي إبان سنوات الحصار الجائر الذي تسببت فيه سياسات النظام البائد في تسعينيات القرن المنصرم , وذلك لتراجع مرتبات موظفي الدولة وصعوبة مواكبة متطلبات العيش ,حيث كان الموظف لا يتقاضى سوى بضعة ألاف من الدنانير (الطبع )في ظل ظروف اقتصادية شديدة الوطأة .
تركت وظيفتي آنذاك لأعمل مع أخي الذي يكبرني بعقد من الزمن في مجال تصميم الحدائق المنزلية وهي مهنة غاية في المشقة , إذ تبتديء برفع أطنان من التربة واستبدالها بأطنان مزيجية اخرى لتبدأ بعد ذلك مرحلة زراعة تلك الحدائق ذات المساحات المترامية والتي تعود ملكيتها لميسوري الحال من التجار وأصحاب النفوذ والحظوة لدى السلطة ممن كانوا يتقلبون في نعيمها في الوقت الذي كنا نتشري فيه ربع كيلوالسكر بمبلغ (750 )دينارا .
كانت طبيعة العمل الذي اخترته مكرها لا تتناسب مع طبيعة قواي النفسية والجسدية لكنني بت مضطرا لمزاولة هكذا عمل لغرض سد رمق عائلة تتكون من أبوين وزوجة وبنتان .
وبعد ان انقشعت غمامة البعث الأسود عن حياة العراق والعراقيين عدت لوظيفتي لكني لم اعد كمضطهد سياسي كما حصل للكثير ممن لا يفقهوا ألف باء السياسة ان لم يكونوا من دعاة ذلك العهد البائد .
فلقد روجت حينها معاملة لطلب إعادة كي أبدا مشوار الوظيفة مجددا , لم تمر سوى أشهر على السقوط حتى ذهبت بمعية أخي لتفقد إحدى الحدائق التي انقطعنا عن تزيينها وتسميد تربتها وتحديد إطرافها وتقليم شجيراتها , وفيما نحن نباشر العمل وإذا بصاحب الدار يطل علينا وقد ابتدأنا بالسلام فرددنا عليه فأخذ يسأل عن كل ما شهدناه وما عانيناه خلال الحرب وكأنه ولي حميم .كان الرجل اقرب الى الطول اسمر السحنة مكشوف الرأس في منتصف السبعينيات من العمر .
(يعسوب ) وهو اسم صاحب الدار قد شغل عدة مناصب رسمية كان آخرها سفير العراق لدى البرازيل .
سألنا الرجل ذو السحنة السمراء قائلا (متى تستقر أوضاع العراق برأيكم بعدما تخلص العراق من حكم صدام ) رد أخي قائلا (ليست المسألة سوى مسالة وقت ) التفت الي وهو ينتظر مني جوابا قلت ( لا شك اننا سوف نشهد استقرارا بمرور عام أو عامين بالكثير )عندها مال اليعسوب بوجهه عنا وهو يذرع حديقته جيئة وذهابا وقد علت نبرة صوته وهو يقول (أولادي لقد حكم صدام وحزبه أكثر من خمسة وثلاثين عاما وسوف يحتاج العراق الى خمس وثلاثين عاما اخرى لكي يستعيد عافيته ) قلنا والدهشة والاستغراب تخيمان على ملامحنا بشدة (وكيف ذلك ) رد اليعسوب قائلا (ذلك لان سقوط صدام لا يعني سقوط ما خلفه من قيم وما رسخه من مفاهيم وممارسات وأنماط في العمل والتفكير ) طلب أخي منه ان يبين لنا أكثر فأجاب (ان حزب البعث قد اعد العدة منذ عشرات السنين على خوض تجارب يكون هو فيها خارج منطقة الفعل والتأثير فهيأ لذلك مختلف الأرضيات والدعامات التي تساعده للعودة مجددا الى منصة الحكم , وهذا عين ما حصل في ستينيات القرن الفائت ابان انقلاب 1968 , كما وقد عمل البعث لاحقا وبقوة على ربط الكثير من شرائح المجتمع بمصيره ومصير حزبه , وبالتالي فان سقوطه لا يعني بحال من الأحوال الاستقرار بل لعلنا سوف نشهد حروبا وحرائق داخلية تمتد على مساحة البلاد مجددا )
مرت الشهور وانقطعت أخبار ذلك اليعسوب الحكيم عنا لكن ما حل بالعراق والعراقيين كان يذكرنا بما قاله وبالحرف الواحد, فقد خاض العراقيون حربا طائفية ما بين عامي 2006 ـ2007 إضافة الى ما شهدته اغلب محافظاته من تمرد واقتتال تحت أسماء وعناوين شتى .
يمكن القول ان ما نشهده اليوم من حرائق في محافظة الرمادي والتي حرص على إشعال فتيلها البعث ومشتقاته (القاعدة وداعش )إنما يجسد ما ذهب إليه ذلك الرجل الحكيم الذي توقع لنا ما لم يكن بالحسبان وقد كنا نتمنى ان يخطئ في حساباته ويخفق في توقعاته لكنه أصاب , نتمنى ان تكون تلك الحرائق خاتمة حرائق البعث والقاعدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!