الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلود و العدم (الجزء الرابع)

موريس رمسيس

2014 / 2 / 1
الادب والفن


غادرت مملكة الظلمة تاركا خلفي فوضى كبيرة من العراك و الصدام بين الأرواح المظلمة المقززة في المملكة متخذا نفس الاتجاه السابق الذي استخدمته عند قدومي .. لكن بعد فترة ما اكتشفت فقداني لهذا الاتجاه ، فلم أصل إلى واجهتي كما توقعت و لا أعرف حتى كيف يمكنني الرجوع ثانية

لا أستطع رؤية مجموعتي أو أي من المجاميع الأخرى .. أرى حولي فضاء ذو لون غريب ساطع لم أراه من قبل .. فضاء يشبه الغلاف المحيط له لون أقرب إلى البياض و يشبه الجليد الساطع اللامع

فضاء لا يمكن وصفه كما يصعب تحديد أعماقه كما لو كنت في شبورة كثيفة .. فضاء يجلب إلى النفس السلام و الطمأنينة ، فلا يوجد مشاعر خوف و غربة و وحدة .. لكن أخذت أنادى متسائلا في نفس الوقت

إلهي .. إلهي
لماذا لا استطيع الرؤية البعيدة كما تعودت؟
لماذا لا اقدر اختراق الفضاء بنظري ثانية ؟
هل فقدت قدراتي؟ .. هل تلاشت مواهبي المُعطاة لي؟

استطع التحرك بسهوله سابحا في الفضاء في اللا محدود بلا هدف ، لكنى لا أعرف ما يدور حولي كما لا أعرف كيف أجد مملكة النور؟

لا يوجد طرق و مسارات في الفضاء كما لا توجد خرائط يمكن إتباعها ، الأرواح النورانية تُعطى مواهب و قدرات خاصة تجعلها لا تحتاج إلى دليل تستخدمه في معرفة مسالكها و الوصول لأهدافها .. بتلك الموهبة المُعطاة عند السباحة في الفضاء اللا محدود ، تستطيع الروح النورانية الوصول إلى أي هدفه ترغب فيه .. لا يمكن استخدام الكواكب و النجوم كدليل لصغر حجمها في الفضاء فالمجرات الشمسية تظهر كنقاط صغيرة لامعه مضيئة متناثرة هنا و هناك

ماذا افعل؟ .. يجب طلب المساعدة .. لكن من أنادى؟

ساعدني يا إلهي
يا إلهي .. هل تسمع صوتي؟

سمعت في التو .. صوت هادئ خافت كأنه قادم من بعيد .. صوت غير معروف المصدر تماما .. صوت اسمعه يخرج من كل اتجاه حولي .. صوت ليس بغريب في نبرته على أذني .. كما لو كنت تحدثت معه من قبل .. إذ بالصوت يقول

- طارق .. طارق
- ماذا تريد؟

رددت مسرعا علي الصوت دون تردد .. ما أسمك؟ .. هل أنت إله الكون الإله الخالق؟ .. لقد كنت في شغف كبير لمعرفة صاحب هذا الصوت و تخيلته كذلك دون أدنى تفكير .. رد الصوت و قال

- أنت تقول الحقيقة .. أنا هو .. أنا في الكل و الكل فيا فلا يوجد مثيل غيري .. الأوحد و الوحيد لا يطلق عليه اسم ، لكونه لا يحتاج إلى التعريف عن غيره

رددت و أنا أريد معرفة المزيد فقلت .. أريد أن أراك يا إلهي

رد الآلة الخالق و قال

- لهذا السبب فقط تنادى عليا
قلت مسرعا .. لا لا .. لكنني أيضا فقدت اتجاهي و لا استطع العودة

ظهر في الحال أمامي جسم نوراني يشبه أجسادنا في مملكة النور كأنه انبثق من داخل الفضاء المحيط الساطع و اخذ يتكلم بنفس نبرة الصوت السابق و قال

- أنت قد رأيتني .. لكنك لم تعرفني بعد!
- أنت تتواجد بالفعل في مملكة النور منذ أن تركت مملكة الظلمة

في الحال اختفى من أمامي الجسم النوراني و أنقشع الغلاف الساطع حولي وجدتني مع باقية الأرواح النورانية الأخرى أحلق معهم في مجموعتي كما لو كنت طوال الوقت معهم الحق سابحا و مُرنما .. أستطع أيضا رؤية باقية المجاميع الأخرى البعيدة المترامية يحلقون في الفضاء

أصبحت في حيرة من أمري .. استفسارات كثيرة تراودني .. أفكار تتوارد على الذهن لا أجد لها إجابة .. أصبح عندي شغف كبير في معرفة المزيد

من صاحب هذا الجسم النوراني؟ .. ما طبيعة الغلاف الساطع الذي يحيط الفضاء .. لماذا اختفي فجأة و انقشع كأنه تبخر؟

فجأة ظهر "كريم" أمامي كما لو كان يقرأ أفكاري و ما يدور في ذهني أو يراقبني و يرى حيرتي .. هل تم إرساله من قِبل رئيس المجموعة التي اتبعها؟ .. أنا أعرفه جيدا .. ساعدني كثيرا من قبل في الرد على بعض الاستفسارات .. توجهت إليه بسؤال .. هل تعرف ما يدور في فكرى؟

رد على الفور قائلا

- عرفت انك تبحث عن إجابة لاستفسار ما ، لذا قد تم إرسالي إليك ، لكنى لا أعرف بالضبط فحوى أسئلتك

رددت عليه بسؤال آخر فيه استغراب أكثر .. تقصد هناك من يعرف ما يدور في الفكر و الذهن مسبقا؟

لم يتردد "كريم" بالإيجاب قائلا .. هناك قدرات و مواهب مختلفة كثيرة تُعطى لكثيرين من المُختارين .. ثم استمر في الكلام و قال

- عما تريد الاستفسار؟

رددت متلهفا .. ماذا عن الجسم النوراني الذي تَجلي أمامي خارجا من الفضاء ثم لماذا أختفي فجأة؟

تخيلت "كريم" يبتسم باستغراب .. الأرواح لا يُرى انطباعاتها لكن يتم فهم انطباعاتها من خلال نبرة الصوت و أسلوب الحديث معها .. رد "كريم" على استفساري لكن بسؤال آخر قائلا

- ألم تفهم بعد من صاحب الجسم النوراني؟

على الفور فهمت ما يرمى إلية و يقصد .. قلت بلا تردد .. تقصد أنه أحدى التجليات الإلهية؟

رد "كريم" في كلمة واحدة قائلا
- نعم

ازدادت الحيرة عندي أكثر .. قلت له .. وضح أكثر من فضلك!

رد "كريم" مسترسلا قائلا

- نحن نعيش على الأرض في الحالة المادية الروحية معا التي تكون فيها الروح سجينه لجسد ، ثم بعد الموت الجسدي المادي تنفصل الروح عنه و تدخل في حالة أخرى ..إما إلى الحالة الروحية ذات الأجسام النورانية أو الحالة الروحية ذات الأجسام المظلمة المقززة .. و هناك حالات أخرى أيضا مختلفة كثيرة عن تلك الحالات السابقة . أما عن الذات الإلهية فهي منبع و مَجمَع جميع الحالات و بالتالي تختلف كثير عن جميع الحالات الأخرى امتيازا و مقدرة

- نستطيع و نحن في الحالة المادية رؤية الذات الإلهية فى حالتها عندما تتخذ نفس حالتنا .. أي تتجسد في جسد و تتحول إلى الحالة المادية .. كما نستطيع رؤيتها و نحن في الحالة الروحية عندما تتخذ الذات نفس حالتنا الروحية .. أي تتجلى في جسد نوراني يشبه حالتنا النورانية

بعد فترة من الصمت بيننا بادرت "كريم" مستفسرا عن الغلاف الأبيض الساطع الذي أحاط كل أنحاء الفضاء ؟ .. رد كريم قائلا

- أنها أحدى التجليات لذات الإلهية التي نستطيع رؤيتها من على بعد عندما يتم التحول المؤقت من الحالة الروحية إلى الحالة العدمية أي حالة العدم قبل الرجوع ثانية إلى الحالة التي عليها .. في هذا التحول يتم الاقتراب أكثر و التلامس الحسي مع الذات الإلهية و رؤية الكل في واحد أي رؤية الذات الكونية

.. ماذا تعنى بحالة العدم؟
- لا أقصد بحالة "العدم" الفناء أو التلاشي لوجود شيء .. لكنها هي حالة اللا شيء و الانعدام أو هي الحالة البكرية و حالة اللا وجود .. أي الحالة التي لم يكن بها وجود أساسا لكي يتلاشى .. أنها حالة الأزل و الأبد معا و التي تكون عليها الذات الإلهية

رددت مستغربا بنبرة بها بعض التردد .. هل تقصد بذلك أن الذات الإلهية تملئ كل الكون؟

رد "كريم" بنبرة قوية قاصدا التأكيد و قال مسترسلا

- الذات الإلهية هي الكون ذاته و كل الكون و هناك أكثر من وجود و تحولات داخل ذات الكون الواحد .. أي داخل الذات الآلهة .. التجليات و التماثل و الظهورات لذات الإلهية من خلال التحولات التي لا تحد الكون في نفس الوقت و التي تحدث داخل الذات الإلهية أي الذات الكونية

توقف كريم عن الاسترسال .. فسألته عن إمكانية التجلي المتكرر المنفصل إلى أرواح نورانية عدة في نفس الوقت دون تحديد؟

رد كريم مسترسلا
الظهور و التجلي في إشكال مختلفة و نفس الوقت لأكثر من جهة من قِبل الذات الإلهية ينفى فكرة التحديد .. الذات تستطيع التحدث و التواصل مع الكثير من المخلوقات في جميع الحالات من خلال التجلي و الظهور
في نفس الوقت دون انفصل أو تجزئ أو تحديد لذات الإلهية

لم استطع كبح الرغبة في معرفة المزيد .. بادرته بسؤال عن أمور أخرى تشغل بالى باستمرار و قلت .. ما المقصود بـاللا زمان و اللا مكان .. رد عليا "كريم" قائلا

- الذات الإلهية تملئ الكون بالكامل .. جميع الكواكب و النجوم و المجرات و باقية المخلوقات تشبه حبات الرمال القليلة المتناثرة .. الكل له وظيفة و عمل محدد منتظم في الكون فلا يوجد فوضى لكن كل شيء يتم بلا زيادة أو نقصان بلا هناك نظام في كل شيء

- نحن لا نستطيع رؤية القوى الذكية .. مثال على ذلك .. قوى الجذب و الشد و الطرد و غيرها .. فلا نستطيع رؤية ذاتيتها لكن نرى نتيجة فعلها و تأثيراتها فقط على الرغم من تواجدها الحقيقي الدائم بالكون ، فهي التي تجعل الكواكب تتواجد في انتظام دون فوضوية .. عرفنا قوانينها و استطعنا تخليقها و استغلينا تأثيراتها في تشيد الكباري المعلقة و العمارات الشاهقة .. عدم إحساسنا بها ماديا لا يعنى عدم وجودها .. نظرا لاختلاف الحالة التي عليها عن الحالة المادية أو الحالة الروحية التي نحن عليها

الكون لا يمكن تحديد إبعاد أو تحديد محاور له ، فهو بلا نقاط صفرية و بلا بداية و بلا نهاية و جميع النقاط تتواجد في نقطة " ما لا نهاية" .. بمعنى في نقطة واحدة غير محددة في اللا مكان .. أذا أن الذات لإلهية هي اللا بداية و اللا نهاية أي في اللا محدود و اللا مكان أي هي ملئ الذات الكوني أو الكون ذاته

استطرد "كريم" في الاسترسال ثم قال

- أما عن اللا زمان

- نحن كأرواح نورانية لا نزال نتكلم مع بعضنا البعض بصيغ زمنية لا تُعبر عن الحالة التي نحن عليها لكن تُعبر عن أزمنة الماضي و الحاضر و المستقبل و نتكلم بنفس اللغات المشتركة بيننا كما كنا نفعل على كوكب الأرض ، لأننا لا نعرف البديل و لم نتعلم بعد غير ذلك .. لكن عند انتقالنا إلى الحالة الأخرى المرتقبة ، فسوف نتكلم بلغة واحدة و لهجة واحدة جديدة تلقائيا و ذات صيغة زمنية جامعة واحدة التحى ستحوى في داخلها جميع الأزمنة لكن في زمن حاضر واحد

- الذات الإلهية لا ترتبط أو تتأثر بتعاقب الليل و النهار و لا بدوران الكواكب حول الشموس أو حول نفسها فبالتالي الأيام و الشهور و السنين على كوكب الأرض تمثل لها زمن جامع واحد فقط .. الأزمنة المختلفة تكون في الحالة المادية أما في الحالات الأخرى فيكون هناك زمن حاضر جامع وحيد مع الذات الإلهية ، بالتالي يختلف مفهوم أزمنة الأحداث في الحالة المادية عنه في حالة الروحية أو في الحالات الأخرى .. فنحن نحيا في الزمن الجامع الواحد أو في حالة اللا زمان

لم اترك هذه الفرصة لكي أستفسر أكثر .. عن إمكانية وجود ممالك أخرى غير مملكة النور و الظلمة؟ و عن إمكانية وجود مخلوقات أخرى تشبه المخلوقات البشرية قد لا أعرفها

رد كريم قائلا

- بالتأكيد هناك المملكة الكبرى الإلهية التي سينتقل إليها جميع الأرواح النورانية و الملائكية من ممالكهم كما أن هناك آخرين أيضا

- أنا لا استطيع أن أؤكد أو انفي لكن هناك غيري من يعرف الكثير و بالتالي يستطيع يؤكدا أو ينفى و أن يجيب على هذا السؤال بالتفصيل

التزمنا فترة من الصمت ثم بادرته بسؤالي الأخير .. هل قمت بأخباري بكل شيء عن الذات الإلهية؟

رد "كريم" نافيا
- لا بالطبع .. هذا كل ما أعرفه فقط ، فهناك الكثير الكثير من الأسرار الإلهية التي ستكشف تباعا من خلال بعض المختارين بتفاوت درجاتهم

افترقنا على أن نلتقي

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة أسطورة الموسيقى والحائز على الأوسكار مرتين ريتشارد شيرم


.. نحتاج نهضة في التعليم تشارك فيها وزارات التعليم والثقافة وال




.. -الصحة لا تعدي ولكن المرض معدي-..كيف يرى الكاتب محمد سلماوي


.. كلمة أخيرة - في عيد ميلاده.. حوار مع الكاتب محمد سلماوي حول




.. لماذا تستمر وسائل الإعلام الغربية في تبني الرواية الإسرائيلي