الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة -كفاية- المصرية تتجاوز الأحزاب الأيديولوجية

جورج كتن

2005 / 6 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الحركة المصرية للتغيير: "كفاية" قوة جديدة ظهرت على الساحة السياسية في مصر لم يتجاوز عمرها الأشهر منذ تأسيسها في آب من العام الماضي، ومع ذلك فقد تخطت في شعبيتها وفعاليتها العديد من الأحزاب الأيديولوجية القومية واليسارية الطاعنة في السن، والتي تعمل على الأقل منذ أوائل السبعينيات.
الجديد في الأمر شعارات ونشاطات وتركيبة وآليات عمل وعلاقات داخلية متطورة مكنت الحركة من التقدم على الأحزاب القديمة، حتى في المواقف السياسية التي لا تختلف كثيراً عن بقية الأحزاب، لكنها تطرح تحليلاً مبسطاً يمكن أن يفهمه أي مواطن: السبب الرئيس لعدم قدرة مصر والمنطقة العربية على مواجهة المخاطر والتحديات الخارجية هو الاستبداد الداخلي الشامل، مما يستدعي إصلاح سياسي ودستوري يصنعه المصريون بتحقيق تداول للسلطة وإنهاء احتكار الحزب الحاكم لها، وإلغاء حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية المقيدة للدستور، الذي يجب أن يعدل لانتخاب رئيس الجمهورية ونائبه بالاقتراع المباشر ولدورتين فقط، مع تحديد الصلاحيات المطلقة للرئيس مما يحقق فصل السلطات وسيادة القانون واستقلال القضاء، وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد والغلاء والبطالة، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والجمعيات وإصدار الصحف وتأمين حق التظاهر والإضراب، ورفع الوصاية عن أجهزة الإعلام والنقابات، كسبيل وحيد لبناء وطن حر يحقق التقدم والرفاهية للشعب ويعيد لمصر ما فقدته من دور في محيطها الإقليمي والدولي.
شارك في تأسيس "كفاية" ما لا يقل عن 300 من الرموز السياسية المصرية البارزة من مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والفكرية والمهنية، فبيانها التأسيسي سياسي بامتياز، لم يحتج لتوحيد المواقف من المسائل الفكرية. والشروط الوحيدة لمنتسبيها أنهم مواطنون مؤمنون بالديمقراطية، وليس مهماً من أية طبقات أو أحزاب أتوا. استفادت "الحركة" من مناسبة اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي لتطرح شعارات بسيطة رددها المواطنون العاديون بسهولة: "لا للتوريث والتمديد"، و"كفاية": للرئيس مبارك، وللظلم والتسلط والاستبداد والفساد، و"مش كفاية" للتعديل القاصر للمادة 76 من الدستور. وحشدت أعداداً كبيرة للقيام بمسيرات واعتصامات وتجمعات ناجحة لطرح شعاراتها وأهدافها...
ودعت لمقاطعة الاستفتاء على التعديل الشكلي للمادة 76 وطرحت مشروعاً لتعديل مقدم من 2000 من الشخصيات السياسية والنقابية ومن الكتاب والفنانين... ودعت للاعتصام تأييداً للمطالب المشروعة لاستقلال القضاة كمقدمة لإشرافهم الكامل على الاقتراع الرئاسي، ونفذت مظاهرات شبه يومية وأحياناً أكثر من عشر مظاهرات في اليوم الواحد في أكثر من مكان في مصر دون استئذان من أمن السلطة. وهي حركة لمرحلة سياسية واحدة وليست حزباً أيديولوجيا لكل المراحل، يمكن أن تخلي الطريق لشكل آخر من العمل السياسي في مرحلة تالية مختلفة.
ما يجمعها أهدافها السياسية المرحلية وهي أهداف محددة في مجال الانتقال الديمقراطي وليست برنامجاً حزبياً يتناول جميع قضايا المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أي أنها حركة تخصصية تركز على المسألة الأساسية الراهنة، حل العقدة التي يمكن أن تفتح الطريق أمام المواطنين المصريين للانطلاق لنيل حريتهم وحقهم في المشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بتحسين أوضاعهم المعيشية وتنمية بلادهم، مع التركيز على حشد "الأغلبية الصامتة" التي لم تستطع الأحزاب تحريكها حتى الآن.
تعتمد "الحركة" في عملها على العلنية والشفافية واستخدام الطرق السلمية، وهي ديمقراطية في علاقاتها الداخلية، وتختلف في ذلك عن الأحزاب الأيديولوجية التي تعتمد على خضوع الأعضاء للنظام الهرمي التراتبي ولوحدة الفكر والإرادة والعمل ولنظام عقوبات تنظيمية، لتمتين المركزية وتأبيد القيادات. فأحزاب الأيديولوجيا من قومية ويسارية وإسلامية، رغم دعوتها للديمقراطية كنظام سياسي، إلا أنها لا زالت تتمسك داخل أحزابها بعلاقات بعيدة عن النهج الديمقراطي.
حركة "كفاية" تغلب العمل التطوعي وليس المحترف الذي تفضله الأحزاب، وتقوم بالتنسيب بأسلوب سهل وبلا تزكية من أحد لكل من يوافق على المشاركة في نشاطاتها، حتى أنها افتتحت ضمن موقعها الالكتروني نافذة لكل من يود الانتساب، يكتفي فيها بذكر إسمه وعمله ورقم هاتفه وبريده الالكتروني وعنوان إقامته، وهو استخدام مبتكر للشبكة الالكترونية التي وفرت منبراً للعمل السياسي ولحرية التعبير المقيدة في وسائل الإعلام الأخرى.
أعضاء "الحركة" لا يتوزعون على فرق أو حلقات أو خلايا أو شعب بل جميعهم أعضاء متساوون، ولا يدفعون اشتراكات مالية فالنفقات تغطى من التبرعات، ولا نظام للعقوبات، ولا اجتماعات دورية بل دعوات لاجتماعات تقريرية عندما تستدعي الحاجة، أو دعوات للمشاركة في نشاطات سياسية أو اجتماعية، ومؤتمرات عامة ومنطقية وتخصصية يحق لكل عضو حضورها مع حق التصويت، يحق لكل مواطن المشاركة فيها مع إبداء الرأي بالمسائل المطروحة. ولا قيادات في الحركة بل منسق عام –جورج اسحق- للمسائل الإدارية ونشر الأدبيات والتحضير للمؤتمرات، وناطق رسمي باسم الحركة –الصحفي عبد الحليم قنديل-، ولجان عمل يومية في كل منطقة، فالعلاقات داخل "الحركة" ومع المواطنين أفقية، وليست عامودية قيادية طليعية كما في الأحزاب المركزية. وتدعو "الحركة" للتنسيق والحوار مع الأحزاب المعارضة والبحث معها عن القواسم المشتركة في العمل من أجل التغيير الديمقراطي، وتجاوز الخلافات الثانوية التي تضيع التركيز على الشعارات الأساسية.
خطفت حركة "كفاية" الأضواء من الأحزاب الأيديولوجية القديمة، وتقدمت عليها في فترة زمنية قصيرة دون أي دعم خارجي، وأعلنت أنها حركة شعبية لا تريد التحول إلى حزب، إلا أن ذلك لا يستقيم برأينا مع الإعلان عن إمكانية الدخول إلى مجلس الشعب بقائمة موحدة، فالتركيز على مهمة تخصصية كحركة سياسية ضاغطة على النظام لإجراء التغيير الديمقراطي هو الذي يحافظ عليها كحركة شعبية، أما السعي لتمثيل الشعب في المجالس المنتخبة فيحولها إلى حزب ذو برنامج شامل، حتى لو أعلنت غير ذلك.
كما أننا نرى أن الانتساب السهل للحركة مع تجاوز الاختلافات الفكرية والسياسية، لا يعني أنه لن تنشأ خلافات ولو حول الشعارات وطبيعة النشاطات والمواقف السياسية التخصصية التي يجب اتخاذها، وهذا يعني ضرورة استيعاب التعدد في الرأي كأمر من الطبيعي حدوثه، بالاتفاق على لائحة داخلية تنظم العلاقات بين منتسبي "الحركة" وتحدد العلاقة بين الأغلبية والأقلية، وحق الرأي المخالف في النشر، وطريقة انتخاب المنسقين وتداول المسؤوليات... بطريقة تحافظ على العلاقات الأفقية وتمنع نشوء مراتب أو هرم تنظيمي.
أن متابعة حركة "كفاية" ودراسة آليات عملها من المفروض أنها مسألة تهم جميع الأحزاب الأيديولوجية القديمة التي تعمل للتغيير الديمقراطي في بلدانها، لتستطيع مقارنتها بأوضاعها الخاصة، وللبحث بأسباب فشلها في الوصول لقطاعات شعبية مبعدة عن السياسة، فلا يمكن الاقتصار على إلقاء اللوم في فشلها على الأنظمة الاستبدادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داتشيا داستر: سيارة دفع رباعي بسعر معقول | عالم السرعة


.. بوناصر الطفار: كلمات لا تعرف الخوف ولا المواربة • فرانس 24 /




.. الاتحاد الأوروبي: تعيين الإستونية كالاس المدافعة الشرسة عن أ


.. ما رأي أنصار بايدن وترامب بأداء المرشحين للرئاسيات في المناظ




.. سفير ووزير وسجادة حمراء.. افتتاح مطعم فاخر في #العراق يشعل م