الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنيف2 دكان الأوهام، تجارة الطوائف بين الوفدين

علاء الدين الخطيب

2014 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أخيرا انتهى مؤتمر جنيف2 مع كل اللغط السوري حوله، سواء من شجعه أو حاربه أو تسلى به. في مقال سابق أشرت إلى أن عوامل نجاح المؤتمر غير متوفرة بقرار عرّابيه. ولكن مع ذلك فحتى لو توفرت عوامل النجاح، فالعادة في ظروف مشابهة أن أول جولة مفاوضات لا تخرج بأي شيء ملموس بل تكون عملية جس النبض واكتشاف للآخر. ففشل المؤتمر بالخروج ببيان اتفاق ليس مبرر لوم للمجتمعين من حيث المبدأ، اللوم والرفض للمجتمعين يأتي من تحوليهم المؤتمر لدكان أوهام يبيعونها للشعب السوري.
لقد أتى وفد النظام حاملا لشعار "محاربة الإرهاب وحماية الأقليات" وعزف كثيرا لحد السذاجة السياسية على وتر "حماية المسيحيين". بدون أي رؤية أو إشارة للسؤال الأهم "كيف نتحاشى دموعا أكثر من عيون الأمهات السوريات؟". يمكن القول أن شعار النظام بالتفاوض مدروس من ناحية "نفاق" الإعلام الغربي وسياسيي الصورة بالمؤسسة الغربية. سياسيّي الصورة بالمؤسسة الغربية هم مجموعة من السياسيين الغربيين الذين يظهرون كأنهم صناع قرار سياسي لكنهم بالواقع مجرد صورة لمصنع القرار السياسي الغربي الحقيقي، وخاصة بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كأشهر مثال يمكننا تذكر أن جورج بوش الابن -وهو رئيس أقوى دولة بالعالم- كان معروفا أنه أقل ذكاءً وخبرة وحنكة من أن يكون متخذا لأكبر قرار استراتيجي للولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، هو كان مجرد صورة لمؤسسة صنع القرار الأمريكي.
النظام السوري مع داعميه في السلطة الإيرانية والروسية لا يمكن أن يكونوا بسذاجة أن يصدقوا أن الغرب سيجنّ جنونه نصرةً لأقلية ما مظلومة تحت التهديد حتى لو كانت مسيحية. هذا الوهم أثبتته أحداث التاريخ القريب بوضوح. فلم تستطع المسيحية مثلا أن تنقذ مسيحيي الناتو ووارسو من خطر التهديد النووي لنصف قرن، ولم تكن حرب جنوب السودان ذو الأغلبية المسيحية مع شماله سببا كافيا خلال عقدين من نيرانها لتحرك غربي فاعل، ولم تكن أكبر إبادة جماعية في النصف القرن الماضي في رواندا مثيرةً لشهوة الغرب السياسي صاحب القرار. والأهم، أن من يعلن حقده أو رغبته بقتال ما يسمونها الأقليات هو قادات وممولي العصابات القاعدية الإسلاموية، وهذه العصابات تستمد تمويلها وفكرها أساسا من عائدات النفط العربي ثم من النفط الإيراني. والنفط العربي لا يمكن أن يتم استثماره بهذه الطريقة دون الحماية الأمريكية اللصيقة لعائلات النفط.
أما وفد الائتلاف مع كل ضعفه في الوعيّ الوطني والسياسي واستلاب قراره من قبل الحكم السعودي فقد قدم أداءً هو أقرب للسذاجة منه للاحتراف التفاوضي أو احترام الثورة السورية والشعب السوري. ولا يهمنا كثيرا ما دار بالغرف المغلقة أثناء المفاوضات فهذا يمكن توقعه بسهولة تبعا لمعرفتنا بمراهقية الوفدين. لكن حتى ظهوره الإعلامي كان محبطا بل وكارثيا، فلو تأملنا بخطابي السيد الجربا الذين قرأهما بكل دقة مع كثير من الأخطاء اللغوية المعيبة نجد أنها استحضار ساذج لخطابيات الفخر الشعرية ولأسلوب النظام السوري نفسه. فبكلمة السيد الجربا الكارثية بختام المؤتمر، نسمع ما كان يضحكنا من إعلام النظام خلال 40 سنة: "القرار التاريخي" والتضحية بألم الذات لإنقاذ الوطن يوم وافقوا أن "يتجرعوا كأس مرارة الجلوس مع وفد النظام".
الأشد كارثية في كلام السيد الجربا كان يوم قرر ما أراد النظام وإعلامه وما أراد إعلام النفط العربي زرعه في سورية، ليتمكن أحد الطرفين من السيطرة على الثورة وهو "فرق تسد" أو بوضوح "أشعل نيران الطائفية وأججها". فكلا الوحشين الإعلاميين عملا بجد -مع سنة ونصف من ممارسات النظام المدروسة لاشعال الطائفية، وممارسات قادات عصابات الاسلاموية السياسية خلال السنة الأخيرة- لترسيخ مقولة "إنها حرب سنة وعلوية". فيوم يدعي الجربا بكلامه أن يخاطب الطائفة العلوية ثم يقرر علنا أن فقط أولادها هم وقود معركة النظام، فهو يقرر أنها "حرب سنة وعلوية" ولا ينفع بعدها نقاشه "الشعري" لحجة أن النظام السوري هو "حامي الأقليات". هذا السقوط بخطاب مكتوب مسبقا ليس خطأ مطبعيا أو سهوة عابرة، بل هو كارثة على الوطن السوري واستعداء للسوريين المرعوبين من وحش الطائفية.
بالنتيجة، كلا الطرفين الغير ممثلين للشعب السوري قدما "نصراً" على أساس أن حكومات الدول الحاضرة كانت جاهلة بحقيقة ما يجري بسوريا، وأن أداءهما قد غيّر من قناعات هذه الحكومات "الساذجة". وادعى الطرفان أن نصرهما قريب أيضا بناءً على بيع كذبة أن ما يسمونه "المجتمع الدولي" قد بدأ يستفيق للحق بعد معارك طواحين الهواء التي خاضاها في جنيف.
للأسف أن فضاء الانترنت من خلال غالبية سوريين باتت المأساة السورية بالنسبة لهم مجرد ساحة استعراض، امتلأ بالإسفاف في القول والسخرية بحجة "فشات الخلق". فكان التركيز على نسج الخيالات الجنسية حول جسد المرأة الحاضرة بالمؤتمر، أو حول بدانة شخص أو لمعان صلعة الأخر. نقاش هدام أضاف لكارثية الواقع كارثية التشويه الأخلاقي والوطني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب