الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل - جنيف 2 - .. وماذا بعد ؟

بدر الدين شنن

2014 / 2 / 3
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


قبيل انعقاد مؤتمر " جنيف 2 " ، كان السياسيون والإعلاميون المعنيون بالأزمة السورية يعرفون مسبقاً ، أن هذا المؤتمر لن يحقق شيئاً ذا قيمة تذكر ، وذلك مقارنة بما هو مطلوب منه لحل الأزمة السورية . وبعد انفضاض المؤتمر صاروا يرددون ، أنه حقق خطوة كان لابد منها ، وهي أن يلتقي السوريون المتحاربون تحت سقف " جنيف " لعل هذا اللقاء يفتح مجالاً في لقاءات ، أو مؤتمرات أخرى حول سوريا ، لخطوات أفضل .
غير أن المحصلة الموضوعية ، تظهر أن مؤتمر " جنيف 2 " قد فشل . سواء من حيث عدم تمثيله الواسع الجيد للمعارضة السورية ، وعدم تحقيق المشاركة الدولية الجادة في أعماله . أو من حيث تأثير الدور الدولي على الدور السوري ، وهيمنة روح الحرب وتوتراتها على أجواء الحوار . أو من حيث فشل تحديد الأولويات لجدول العمل ، وفشل تحديد الخطوة الأولى ، هل هي تشكيل " الهيئة الانتقالية القابضة على كل الصلاحيات ، أو الاتفاق على العمل المشترك لمواجهة الإرهاب ووقف الحرب ووضع أسس إعادة بناء سوريا ، عمرانياً ، وسياسياً ، واقتصادياً ، واجتماعياً ..
ما يسمح بالقول ، أن من السخرية اختزال نتائج هكذا مؤتمر " جنيف2 " بعبارتين . هما ، أن المؤتمر لم يحقق أي اختراق في مواقف المتفاوضين ، وأن انعقاده بحد ذاته ، الذي كان متوقعاً ألاّ يحدث .. قد حدث .. وهذه خطوة هامة تحسب له .

في الإطار العام ، يمثل فشل " جنيف2 " قاعدة لفشل أي مؤتمر آخر ، إذا عقد على نفس الخلفية السورية والدولية ، التي عقد عليها " جنيف2 " . إذ أنه على المستوى السوري ، لم تكن موازين القوى المستجدة مقنعة للطرف المعارض ، بمعنى الاستسلام له ولتداعياته . وهو لايرى فيه خللاً حاسماً . أي أن هذه الموازين قد وصلت إلى درجة تضع أحد طرفي الصراع على حافة الانتصار ، وتضع الطرف الآخر على حافة الهزية ، ما يفرض على الخاسر حقيقة ، أنه لم تعد هناك جدوى من التعويل على أي فرصة ، لتبديل شرط ما حصل ، مهما كان الاستعداد لزيادة الانفاق العسكري ، ومهما اتسع حجم الرهان على المغامرة .
ومرد ذلك ، أن التدخل الدولي في الأزمة السورية ، أعطى لطرفي الأزمة مدى غير محدود للقدرات العسكرية والمالية . وهذا المدى أتاح لهما المجال للاعتقاد ، أن حركة الميدان العسكرية ، خاضعة للتحول ، أكثر مما هي خاضعة للثبات . وهذا الاعتقاد يتمتع بالصلاحية إلى أن يتم توافق مانحي هذه القدرات ، على قواسم مشتركة تلبي مصالحهم عبر الأزمة السورية ، وتتقاطع هذه القواسم ، مع بقاء سوريا دولة ، موحدة ، آمنة ، مستقرة .

ولطالما الظروف السياسية السورية ، لم تبلور معارضة وطنية ديمقراطية موحدة تتحمل مسؤولياتها التاريخية ، وحكومة تعتبر عملياً ، أن الوحدة الوطنية ، هي المخرج الوحيد لإنقاذ البلاد ، ومستعدة لتحمل المسؤوليات والتضحيات من أجل ذلك ، فإن اللاعبين الدوليين سيظلون يحاصرون المصير السوري بظلال ومفاعيل مصالحهم ، وسيظلون يلعبون الدور الرئيس ، في أي حوار ، أو أي مؤتمر ، يجلس فيه السوريون في الداخل أو في الخارج ، للحوار ، من أجل إيجاد حل لأزمة بلادهم الكارثية .

وقد أكد مؤتمر " جنيف2 " على هذه الحقيقة :
فمن جهة كان الأمريكي ، المتمثل بسفير أمريكا السابق في دمشق " روبرت فورد " وبتصريات وزير الخارجية الأمريكي " جون كيري " في المؤتمر وخارجه ، الداعية لإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد ، وبقرار الكونغرس الأمريكي بإرسال المزيد من السلاح للجماعات الإرهابية المسلحة في سوريا ، كان هذا الأمريكي يشارك في أعمال المؤتمر مع ممثلي " الإئتلاف المعارض " من خارج قاعة المؤتمر . والأمريكي يمثل هنا حلف الناتو ، والاتحاد الأوربي ، ومجلس التعاون الخليجي ، وتركيا ، وإسرائيل .
ومن جهة أخرى ، كان الروسي يشارك أيضاً في الحوار إلى جانب وفد الحكومة السورية ، عبر التشاور في مجريات الحوار ، اولاً بأول ـ حسب تصريحات وليد المعلم ـ . والروسي يمثل هنا ، دول مجموعة بريكس ، وإيران ، والدول الصديقة لسوريا في أمريكا اللاتينية .
ولهذا كان للتدخل الخارجي في " جنيف2 " وجهان . وجه سلبي ، ووجه آخر أكثر سلبية . الوجه الأول أظهر أن السوريين ليسوا أهلاً لحل أزمتهم بأنفسهم . والثاني ، أظهر أن السوريين لايمكنهم تجاوز أزمتهم إلاّ باتفاق الخارج مع بعضه البعض أولاً ، ومن ثم مع السوريين .

ما مفاده ، أن مؤتمر " جنيف2 " كان ، بعبارة مهذبة ، مؤتمراً دولياً ـ سورياً . سيما وأن الطرفين السوريين ، قد ذهبا إلى " جنيف 2 " ، حاملين معهم قناعاتهم ، بأن حلفاءهم الدوليين هم معهم ، إلى جانبهم .. وهذا ما جرى بالفعل . وهذا إن استمرت ممارسته ، والاحتفاظ به كأساس في معادلة داخل / خارج السياسية ، سيهدد مصير ما هو آت من لقاءات ومؤتمرات بمصير " جنيف2 " وسيهدد العملية السياسية في البلاد بوباء ربط الشأن السوري بكل تفاصيله ، السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، وحتى الإدارية بالخارج .. كما هو حاصل في لبنان والأردن ودول الخليج وغيرها .. بل ويهدد السيادة الوطنية والقرار الوطني المستقل .

بعد انتهاء أعمال " جنيف2 " عادت الأنظار تتجه إلى ما يجري .. وما هو مفروض أن يجري على الأرض السورية ، عسكرياً ، وسياسياً ، وشعبياً ، تمهيداً لاحتمالات إجراء حوارات أخرى في المستقبل . بينما غاب عن المشهد حراك القوى السياسية الوطنية الديمقراطية المسؤول والحاسم ، في لم الشمل الوطني ، وفي مواجهة المخططات التدميرية ، ومجمل التجاذبات الدولية ، التي تستهدف البلاد وتحاول احتوائها .
من الطبيعي ، لايمكن وضع الدول العدوة والصديقة على مستوى واحد ، في التعاطي معها . المقياس في ذلك ، هو المصالح الوطنية العليا ، المتمثلة بالدرجة الأولى ، بتحرير الوطن من الإرهاب ، واحترام السيادة الوطنية ووحدة الوطن أرضاً وشعباً ، والاحترام المتبادل ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية .. وحسب موقف كل دولة من هذه المصالح يتحدد شكل التعاطي معها .

لكنه ، وعلى قدر كبير من الأهمية ، ينبغي الاستفادة من تجربة أزمة البلاد الكارثية ، التي جذبت أسوأ ما في الخارج من دول استعمارية عريقة لاستغلالها لمصلحة مخططاتها ، وفرضت من طرف آخر ضرورة البحث عن قوى دولية ، يمكن التقاطع .. والتحالف معها ، لخلق توازن يوفر بقاء الكيان الوطني وتحسين ظروفه . فكان ما يشبه الارتهان غير المباشر لتوجهات وقرارات الصديق .. وللتجاذبات الدولية . حيث بات ما يصرح به " بوتين " و " أوباما " ووزيرا خارجيتهما ، حول سوريا ، يؤشر إلى ما سوف ينتهجه هذا الطرف أو ذاك في الأزمة السورية .

وحين ننظر إلى هكذا مسار للمصير السوري ، يبرز السؤال الهام جداً :
هل خضعت سوريا تماماً " للأقدار " الدولية .. ولم يعد لأبنائها دور مستقل في تقرير مصيرها ؟ ..
هل فقدت سوريا رجالات .. وقيادات سياسية .. قادرة على ممارسة دورها الوطني المستقل .. برجولة .. وكفاءة .. وكرامة ؟ ..
هل من راهن ويراهن على الدور الدولي ، بحثاً عن حل للأزمة في بلاده ، ورتب أموره ، في العلاقات السياسية الداخلية والخارجية حسب مقتضيات هذا الرهان ، هل فقد حقاً حس الوفاء لوطنه سوريا الأبية الجميلة ؟ .

من المؤكد ، أن في سوريا رجال كثر شجعان وأوفياء لوطنهم وقادرون على أداء واجباتهم الوطنية والقومية .. ويبرهن سير الأحداث الداخلية والخارجية .. يوماً إثر يوم .. على ذلك .. كما يبرهن على أن السوريين يعرفون كيف يصنعون بأيديهم هم .. أقدارهم .. لكن سوريا بحاجة لكل أبنائها ، لتحسم حربها مع الإرهاب بأسرع ما يمكن ، ولإعادة بناء الوطن .. وتعويض خسائر العمران والإنسان .. كما يبرهن سير هذه الأحداث أيضاً ، على أن ألدول العظمى ، لم تعد قادرة على إخضاع الشعوب لإرادتها ولمخططاتها .. لكن لابد من مواجهة مطامعها ومخططاتها الإجرامية بحق الإنسان بقوة وحزم .
صحيح أن العالم أضحى كتلة مصالح متشابكة . ولايمكن بأي حال لأي دولة ، أن تعيش بعزلة ، وقطيعة ، مع بقية بلدان العالم . لكن هذا العالم ليس كله سواء . فهناك العدو الاستعماري اللدود . وهناك من يمكن أن تتقاطع معه المصالح الوطنية . إن الاختيار عندما يقوم على المصالح الوطنية ليس صعباً .
ومن المؤكد أيضاً ، أنه مهما كانت الحاجة قوية وماسة للتعاضد مع جهات دولية صديقة ، لابد جدياً من التفكير ببناء وممارسة سياسة وطنية ممنهجة تخفف من هذه الحاجة ، وتزيد من الاعتماد على الذات الوطنية . ولابد من التفكير بجدية أكثر ، بأن للصديق مصالحه الخاصة واستراتيجته الدولية ، التي تتحكم بقراره قبل مصالح الآخرين . وأن المصالح المشتركة ، تشكل البنى التحتية للسياسات ، والتقطعات ، المشتركة بين الدول ، وهي أي المصالح ، التي تبنى عليها ، التحالفات ، والصداقات ، التي تدوم بدوامها .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدعو سوريا -لاستغلال الهدوء- للتقارب مع المعارضة والتح


.. VODCAST الميادين | حمة الهمامي - الأمين العام لحزب العمال ال




.. غريتا ثونبرغ تنضم إلى آلاف المتظاهرين لأجل المناخ في هلسنكي


.. نيران تأتي على البرلمان الكيني إثر اقتحامه من آلاف المحتجين




.. ماكرون: -برنامج اليمين واليسار سيؤديان الى حرب أهلية في فرنس