الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!ابتسامة مصر.. ماتتنسيش

لبنى حسن

2005 / 6 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


بحكم سفرى خارج مصر تعرفت على بشر من جنسيات عديدة و طبقات اجتماعية مختلفة و لعل أكثر ما لفت نظرى هن الفلبينيات و بالتحديد اللاتى يعملن كخادمات فى دول الخليج فهن يعتبرن من الطبقات الفقيرة ورواتبهن قليلة و بالكاد تكفيهن و لكن يا للعجب فالفلبينية دائما رشيقة و أنيقة و مهندمة الملابس ترتدى ما هو جميل ومناسب و فى نفس الوقت بسيط و متلاءم مع قدرتها الشرائية المحدودة و هذا يدل على ان الفقر من عدمه ليس وراء التردى فى الذوق الذى أصاب مجتمعنا وأدى الى قبح الشارع, و غياب تناسق و جمال و أناقة الخمسينيات و الستينيات لنصبح أكثر تقبلا للقبح و رفضاً و تزمتاً تجاه الجمال و الأناقة بدعوى الأحتشام و كأننا فى الماضى كنا منحلين او منحرفين!

و لعل هذا ما حدث عندما اذاعت القنوات المصرية والعربية اعلان انتجته وزارة السياحة يروج للسياحة في مصر ويعرض مظاهر الحياة الممتعة فى مختلف المحافظات السياحية من اسوان الى الغردقة و ضم باقة من النجوم و الموديلز فى ملابس أنيقة يستمتعون بجمال الأماكن السياحية و شواطىء البحر الأحمر, و طبعا كنت على يقين ان هذا الأعلان لن يروق للغالبية من محتكرى الحقيقة , فذهبت أبحث فى الجرائد و افحص مواقع النت و بالفعل و جدت ما توقعت, فقد ُاشهرت السيوف و نصبت المشانق و أعدت الأتهامات و المطالبات بالمنع و الأيقاف, وثار الكتاب معلنين اعتراضهم بدعوى احتواء الأعلان على العرى (المايوهات) و انه لا يمثل الشارع المصرى و انتقدوا بعض الفنانين الذين شاركوا فى الأعلان, و ابدى الأعلامين اعتراضهم لدرجة ان المذيع عمرو أديب ناشد من خلال شاشة اوربيت وزارة السياحة المصرية أن تراجع نفسها وتغير الاعلان خاصة انه تلقى اتصالات ورسائل إلكترونية عبر فيها اصحابها عن استيائهم الشديد من ملابس من ظهروا فى الأعلان.

فقمت بتسجيل الأعلان و شاهدته عدة مرات لعلى اكتشف المشكلة, فنوعية الثياب التى اعترض عليها الكتاب ليست أختراع جديد أو شىء من نسج الخيال, صحيح هى مقتصرة على طبقة معينة و غير منتشرة نظرا لأسباب كثيرة يطول شرحها , و لكنها موجودة بالفعل و رأيناها من قبل فى الواقع.

و بصراحة عندما شاهدت الأعلان لأول مرة أعجبت بفن التصوير و براعة اختيار اللقطات و شعرت بسعادة و راحة نفسية و هدوء و قلت.. ياللجمال ...يارب تكون مصر كلها فعلا هكذا... اعرف ان البعض سوف يحسدنى على جرأتى وجهرى علناً بما داخلى و وقوفى ضد التيار و الغالبية سوف تسن السكاكين و ياخذوا وضع التأهب لأنتقادى و لكن هذا لا يخيفنى فقد اكون انا شخصيا لا ارتدى نفس نوعية هذة الأزياء و لكن هذا لا ينفى اعجابى بها و انى افضلها عن ما نراه الآن فى الشارع

ارى ان الأعلان معبر عن السياحة فى البحر الأحمر خاصة ان اغلب مشاهده تم تصويرها فى شرم الشيخ حيث المنتجعات السياحية الفاخرة و الفنادق ذات الخمس نجوم, فكان من طبيعى ان تظهر الموديل و هى تسبح مرتديه المايوه, اما اذا كان الاعلان عن السياحة فى كفر ابو طشت كان سيكون لنا كلام ا خر, وكنت سأرجح ان ترتدى الموديل خيمة او جلابية ممزقة لزوم الأنزلاق على الطين و الأستحمام فى الترعة!

ثم من ظهروا فى الاعلان شخصيات شهيرة و لولا شهرتهم هذه ماأ ستعانت بهم وزارة السياحة للاعلان عن مصر , فأختلفنا او اتفقنا مع هذة الشخصيات لا نستطيع انكار نجاحهم و تاثيرهم , فالنجوم الذين ظهروا فى الأعلان يتهافت عليهم المشاهد و لهم جمهور كبير من النساء و الرجال أطفال و شباب و شيوخ

نعم أحب الفن و اعشق الجمال و اهوى الأناقة و استمتع بالذوق و اهتم بالشياكة, و اذا كان ما نراه فى الشارع و ما لم يعبر عنه الأعلان جميل و راقى و متحضر و جذاب فلما حاولنا اخفاؤه اذن؟ و نعم انا معجبة بفترة الستينيات و اعتقد ان حالنا حينها كان افضل فى مختلف المجالات بل و فى ابسط التعاملات و لعل هذا هو السبب فى اننا نطلق عليه "الزمن الجميل" لاننا كنا اكثر تفتحاً و تقبلا للاخر و كنا اكثر هدوء و راحة نفسية فلم نكن نعرف الكراهية و العدوانية, و اعتقد ان لو كان نفس هذا الاعلان ظهر فى الخمسينيات مثلا ايام هند رستم وشادية و جمهور حفلات ام كلثوم ما كان اعترض احد بل كانوا سيشيدوا بالجمال و يركزوا على المناظر الخلابة والطبيعة الساحرة التى استعرضها الأعلان و لم يكن احد سيلتفت الى التعليق على ثيابهم لكونها ملاءمه للاحداث و باعتبار ان هناك أ ذواق مختلفة, اما الآن فنحن فى مجتمع مزدوج الشخصية فتجد من يهاجم الفيديو كليب - مثلا - يذكر لك تفاصيل و كلمات و ايماءات لا تكن قد لفتت نظرك اصلا و طبعا هذا يدل على ان مدعو حماية الأخلاق مولعين بما يهاجموا و يلهثون لمتابعته فى مختلف المحطات و لو كان يزعجهم حقا لأستخدموا الأختراع العبقرى المسمى ريموت كنترول لتغيير القناه او تفضلوا بفصل الكهرباء فجأه ليتخلصوا من شر التلفزيون نهائيا.

و لا اقصد هنا ان ادافع او اهاجم التحرر من عدمه بل أردت الأشارة لأصابة افراد المجتمع بأزدواج فى الشخصية و تناقض بين تصريحاتهم العلنية و اراءهم و تصرفاتهم الشخصية, فالمجتمع الذى يهاجم بشدة الكثير من الفنانات و الأفلام و الكليبات و الأعلانات يسعى بشغف للبحث عنهم و يدعمهم و هو ما يفسر سر نجاحهم و استمرارهم و تزايد قنوات الأغانى حيث يقبل عليها النساء و الرجال على حد السواء, واكبر تناقض نعيشه هو ما بين الأصوات العالية و انتشار الهجوم و بين الأقبال الشديد على كل ما نهاجم, و ان لم يكن ما نهاجم و نتظاهر برفضه مقبول لنا بل و محبب لما استمر و نجح و انتشر واعتبرنا رموزه نجوم المجتمع نفتخر بهم و نجمعهم فى باقة للدعاية والترويج, و اذا كنا نعتبر هذا مخل فلما نتابعه بشغف؟ و لما تزداد الأعلانات عند استضافة الراقصة دينا مثلا فى برنامج؟

كلما تحدث احدهم بحرارة مهاجما الفن والأعلانات و الكليبات و مدافعا عن الأخلاق و كأنه حامى حمى الدين و صاحب العقل الحكيم ومخلص البشرية من الأثمين و محتكر الحقيقة الواحده ,ازداد شكى و دفعنى فضولى لأكتشاف الجانب الأخر من شخصيته, فالغالبية تختبىء وراء ستار من المبالغة ليغازلوا تيار ما, له اصحاب و مؤيدين يملكوا من الحناجر ما قد يصيب قارة بأكملها بصداع مزمن, بل اكتشفت مع مرور الوقت ان اكثر المتشدقين بكلمات مثل الثوابت و الخصوصية و كلمات اخرى كثيرة ذات دلالات دعائية هم اصحاب مزاج و مدمنين لما يهاجموا و ما كلماتهم الا للأستهلاك المحلى.. يعنى طقم كلام محفوظ يردد على أسماع الناس فى اللقاءات العامة و البرامج التلفزيونية حتى يكون متناغم مع الراى العام و ينال التصفيق و الأستحسان.

ازعم انى لست مختلفة عن الغالبية و لكنى فقط أستطعت صد تيار الأنفصام فى الشخصية أو وباء الأزدواجية الذى اجتاح المجتمع فى عصرنا ا لحديث, فأعلن ما افعل و اجهر بما اقتنع بغض النظر عن رد الفعل الذى اتوقعه و دون حسابات او محاولة لخلق توازنات لأرضاء المجتمع او اصحاب الحناجر العالية.

فلنتفرغ لقضيانا الأساسية ونترك الاعلانات و الكليبات و الأفلام فالمشاهدة مسؤولية المشاهد العاقل البالغ والأطفال مسؤولية الأهل و اذا كان بالفعل مجتمع الفضيلة يرفص الفن او التحرر سوف نرى محطات الأغانى و المنوعات تخسر فتفلس و تغلق ابوابها مادامت لا تجد مشاهدين او معلنين يدعموها دون ان نحتاج للتنديد و الصراخ و العويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية