الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب وأخلاق الحالة المدنية

عبد الإله بسكمار

2014 / 2 / 5
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


عبد الإله بسكمار *

دون أدنى شك فمسيرتنا الحديثة كمغاربة )على الأقل من الاستقلال إلى الآن ( في حاجة إلى إعادة كتابة منصفة ، وهذه دعوة وطنية خالصة ولا علاقة لها بأي أدلجة في هذا الاتجاه أو ذاك ، وما الداعي ياترى إلى إعادة الكتابة هذه ؟ ببساطة لأن مرحلة الحركة الوطنية قد انتهت أو كادت في زمنها ورموزها دون أن ينتهي برنامجها وخاصة بند المطلب الديمقراطي ومن المفترض أن تكون أحداثها بين أيدي المفكرين والمؤرخين بحد أدنى من الموضوعية والنزاهة والمصداقية وهي بالطبع من الصعوبة بمكان في مجال تلفه المصالح الاجتماعية / الاقتصادية والعوامل السياسية والأيديولوجية والفئوية والذاتية ...لأن المنتصر الوحيد في حالة إنجاز هذه الكتابة الموضوعية هو المغرب والشعب المغربي ....هو الحاضر والمستقبل ...وللأمر أهميته وراهنيته بسبب تعالي أصوات الإقصاء والإقصاء المضاد التي بدأ كل المغاربة يلحظونها مؤخرا تبعا لتصاعد لغط المشهد السياسي وارتفاع منسوب الشعبوية والاستسهال والتلاعب بالقيم الجامعة للمغاربة مقابل تراجع الفكر الرصين الناضج والمسؤول وبما يعني ذلك من تزييف وتضخيم وانتقاء وتصنيف أو تقزيم وتسميم للوقائع وللعلاقات المواطناتية بين فئات الشعب المغربي....وبينها وبين الدولة ومؤسساتها ....
ليس لدينا وهم حول طرائق وأساليب كتابة كل التواريخ حتى عند الأمم التي تفتخر بحرياتها وديمقراطياتها ودساتيرها العتيدة المكتوبة أو العرفية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مثلا فالتاريخ الرسمي كما القانون يتماهى تماما مع مصالح " الأمة " و" الدولة " و" الثوابت " التي تأسست عليها وأعتقد أن الكشف عن وقائع من تاريخ المغرب بكل التباساتها سيساهم في دعم الوحدة الوطنية لجميع المغاربة دون إقصاء أو تهميش أو استفراد و بالعكس ، فالصمت ( ولا أقول التزوير ) يقوي ثقافة الكذب وأساليب الخلط والتدليس والإقصاء ، التاريخ بالفهم الأكاديمي هو شأن المختصين كما لا يخفى ولكنه يهم في النهاية كل المواطنين أي يهمنا نحن كمغاربة والمفترض أن نجد ذواتنا فيه وكياننا الوطني من خلاله ، بكل تنوعه وغناه وبروحه الوثابة المستقلة عن جميع أشكال الهيمنة والاستتباع والمركزية الوهمية كما ترتقي عبره في انسجام وانصهار مختلف مكونات الهوية المغربية المتميزة وروافدها ...يكفي أن نشير في هذا الصدد إلى غياب تاريخ شامل للحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير إلا ما كان من كتاب الأستاذ عبد الكريم غلاب " تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب " الصادر في نهاية سبعينيات القرن الماضي وقد أعاد طبعه ونقح وزاد ونقص منه وأذكر أن صدوره أثار نقاشا واسعا بين الباحثين والمفكرين والمؤرخين حينذاك ، حول المفهوم والتحقيب والرموز والرجالات ثم المصادر والمراجع ونذكرأيضا كتاب الأستاذ العروي " الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية في المغرب " فضلا عن شهادات عابرة أو كتابات أخرى على أهميتها لا تفي بالغرض ولا تروي ظمأ الباحثين والمثقفين والمهتمين ولا تساؤلات الأجيال الحالية التي ترعرعت بعد الاستقلال ونفس الشيء يقال عن المقاومة وجيش التحرير، فهي لم تتجاوز كتابات ومذكرات هنا وهناك ( معلمة المغرب مثلا للمرحوم محمد حجي وآخرين تعد بحق معلمة حقيقية للأماكن والزعماء ومشاهير المغرب لكنها أقرب إلى موسوعة للمعارف وليست بتاريخ تحقيبي أو تحليلي بالمعنى الحصري وأنا لا أتحدث دائما عن الأدلجة الرخيصة أو ضمنها ولا يهمني المؤدلجون بمختلف أصنافهم وأهدافهم الملتبسة ) . و هنا يطرح السؤال أيضا : لم نحصر أنفسنا في مراحل بعينها ولا نفتح تواريخ الجهات والمناطق المغربية المختلفة والمنسية أيضا ومساهمتها في تاريخ البلاد ككل بالفهم الناضج الذي اقترحه الأديب والفقيه المرحوم محمد المختار السوسي ؟؟ نحن لا نبخس ما تحقق لحد الآن ولا ماكتب في هذا المجال وهو ليس بالهين ....لكن من السذاجة الاعتقاد بأن تاريخنا الحديث على الأقل منذ توقيع معاهدة الحماية قد كتب بكيفية منسجمة وموضوعية حتى لا نقول علمية ، لأن الدقة في العلوم الإنسانية ومنها التاريخ تبقى نسبية ورهينة بشخصية الباحث وميوله ، غير أن المختصين والمفكرين أجمعوا على عناصر ضرورية للبحث التاريخي الممنهج سواء كان موجها للأكاديميين أو لعموم الجمهور : في طليعتها البيبليوغرافيا والإحالة على المصادر والمراجع والوثائق وأصالتها سواء كانت شفوية أو مكتوبة وتكامل الخطاب التاريخي بين أنواع الوثائق والآثار والمخطوطات وعبر اعتماد أحد المناهج التاريخية المعروفة ( الحوليات – المدرسة الوثائقية – المنهج المونوغرافي – الموضوعاتي ....) وتحديد الإشكال ودور العوامل المختلفة المحددة للحدث التاريخي والمراحل المدروسة وقبل هذا وذاك تجرد الباحث من ذاتيته وميوله العاطفية والأيديولوجية ما أمكن ....ومن البديهي إذن أن لا يكون البحث في التاريخ متاحا لكل من هب ودب ، وأنا لا أخاطب أطفال السياسة فهم غير معنيين ولا نظراؤهم من مراهقي الفيسبوك ولا يهمني سفاسفهم بل إني أخاطب أهل العلم والمعرفة وشرفاء هذا الوطن ودون وحدتنا الوطنية ارواحنا ومهجنا إذا اقتضى الحال ..... لابد إذن من تملك الأدوات والمفاهيم والمناهج وإلا سنجد أنفسنا إزاء الهذيان الذي لا يرقى حتى إلى مستوى الخرافات ولا تصنف أهدافه إلا في الشعبوية أو لعب الأطفال والمراهقين بما يكتسيه من تسلية وهي إما أن تصنف في خانة النكت السمجة التي لا تضحك أحدا إلا إذا " هره من كان بجانبه طبعا " ... وإما أن تصبح في أحسن الأحوال خواطر منفلتة عن كل تصنيف ولا تنضبط حتى لمعاييرتلك الخواطر و ما يشبهها من النصوص المفتوحة و يضاف إلى ذلك الكتابات التي تهدف إلى الإثارة أو الضرب في كل المسارات والاتجاهات أو تصفية حسابات وإثارة أشباه قضايا نحن في غنى عنها ....
....تاريخنا الحديث ما زال محل أخذ ورد على أكثر من مستوى وفي العديد من المحطات ، هذه حقيقة ماثلة أمامنا بكل وضوح .... وأقترح أن يستمر الحوار ويرتقي في اتجاه ما ينفع البلاد والعباد، لا مايضرها وضمن منحى ما يوحد ( لا ما يفرق ) في المرحلة الحالية حول الثوابت التي أجمع عليها المغاربة وعلى رأسها الإسلام السني المالكي والملكية الدستورية والوحدة الترابية والاختيار الديمقراطي والاحتكام إلى الشعب ، لأن الذي لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية أو الفئوية أو العرقية لا يريد خيرا للوطن بكل وضوح ومرحبا بكل المذكرات مهما اختلفنا حولها وحول أصحابها ....ألم يعتمد مؤرخونا الثقات على مراجع أجنبية وأحيانا استعمارية لتجلية الغموض عن فترات من تاريخ بلادنا ؟ فهذه قد تفيد على الأقل في المادة التاريخية أي المعلومات مع المقارنة وترجيح هذه الوثيقة على تلك وأعتقد أن الوقت قد حان لإنجاز مثل هذه المهام ....الناشئة الحالية تطرح العديد من الأسئلة وعلى كل المعنيين الإجابة المقنعة والواضحة دون لف أو دوران ومن أبجديات الأشياء أن يفرز النقاش حتى ولو كان حادا إطارا واضحا يجتمع حوله أهل الاختصاص والغيورون على البلد من أجل استكمال الأرشيف الوطني والأرشيفات المحلية وفي أفق التصالح النهائي مع تاريخ المغرب ....بكل إيجابياته وسلبياته ....بمفارز انتصاراته وانكساراته معا...لقد علمنا الفكر البشري أن التاريخ ليس فترات ازدهار أو استقرار ملتبسة ومريحة بالضرورة بل هو هزات وبياضات وأخطاء رهيبة في كثير من الأحيان ... هناك مساحات صمت غير معقولة من هذا الطرف أوذاك ...آن لنا - على سبيل المثال لا الحصر - أن ننصت لمن تبقى من زعماء الحركة الوطنية أطال الله عمرهم ولكل من ساهم في صنع حقب ما قبل وما بعد الاستقلال كيفما كان موقعهم الأيديولوجي أو الفئوي أو الاجتماعي علما منا بأن النقاش المستمر هو في كل الأحوال صحي وضروري بشرط أن يتطور ويسمو بموازاة قضايا الوطن الكبرى ولله در القول الذهبي " ارتقوا فإن القاع مزدحم "....
* كاتب / ناشط مدني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ولي العهد السعودي بحث مع سوليفان الصيغة شبه النهائية لمشروعا


.. سوليفان يبحث في تل أبيب تطورات الحرب في غزة ومواقف حكومة نتن




.. تسيير سفن مساعدات من لارنكا إلى غزة بعد تدشين الرصيف الأميرك


.. تقدم- و -حركة تحرير السودان- توقعان إعلاناً يدعو لوقف الحرب




.. حدة الخلافات تتصاعد داخل حكومة الحرب الإسرائيلية وغانتس يهدد