الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحظة انتحار

امال طعمه

2014 / 2 / 6
الادب والفن


ما زال يدون تلك اللحظات الاخيرة من حياته ،حياة بطل قصته التي يريد انهاءها بنفسه،نعم يريد الانتحار..
أليس أفضل من العيش بذل وانكسار، يظنون أن لحظة الأنتحار ضعف وجبن وتخاذل ولكنني أراها لحظة قوة رهيبة لحظة انفجار ، لحظة قوة مدمرة فكيف يستطيع شخص أن يتغلب على حبه للحياة ولتنفس الهواء الذي اعتاده كيف يستطيع أن يتغلب على رغبته بأن يعيش بل وأن يعيش للأبد كيف يستطيع انسان أن يتغلب على مثل هذه المشاعر ويكون ضعيفا متخاذلا، أظن هذا الانسان المنتحر قويا فقد استطاع السيطرة على مشاعر ضعفه تجاه الحياة وتجاه الأمل ! لينهي حالة بؤس شديد اعترته !لا أظن أحدا ينتحر فجأه فهو قراره منذ الصغر يهرب منه ويظل يهرب حتى يقرر أخيرا ويجد القوة لا الضعف لتنفيذ القرار المتأخر،توهمه الأيام بأنه يستطيع المضي قدما في الحياة يظل ينتظر الأفضل الأحسن أحيانا ينتظر الحل الوسط كما يقولون ليجده مجرد تلهية عن واقعه الأليم وأنه مجرد وهم يتمسك به حتى ينفذ قراره أخيرا بالمغادرة والرحيل للأبد،وترك كل شيء على حاله فلعل برحيله تصبح الأشياء حقا أفضل! لقد انتظر لحظة القوة المدمرة طويلا كل يوم يمر يظن بأنه أصبح أقرب للنهاية ، ويعود مجددا لنقطة البداية ، يعود لتشبثه بالأمل وبالأحلام وبالحلول الوسط الوهمية، تقنعه بعض الكلمات بالإستمرار ظنا من قائليها بأنهم يساعدونه على التغلب على صعوبة حياته، لايعرفون أنهم يبعدون بها سحر الموت والفناء!
ينظر لصليب ذهبي موضوع فوق مكتبه الصغير، أليس مافعله قوة وليس ضعفا بأن صلب نفسه! فهل كان ضعيفا لانه رضح لمشيئة الإله!لقد أمات نفسه عارفا بقيامته!أما هو فإذا أمات نفسه فهل هو حقا عارف بما سيأتي!لقد صلب نفسه فداء عن البشر أليس هذا ما يقوله الإنجيل! أما هو فلمَ يصلب (يميت) نفسه فداء عن ماذا؟ عن روحه المعذبة!
أهي خطية إن رضخ لشجون نفسه ، منذ أيام بعيدة وتلك الصورة في ذهنه، مسدس يصوبه تجاه رأسه ، يحاول أن يمحيها من مخيلته لتعود وتحتل فكره من جديد مع أية لحظة انكسار وانهزام وما أكثر لحظات انهزامه أمام نفسه!
حاول أن يتصالح مع نفسه مرارا مع الأيام مع كل شيء من حوله لكنه لم ينجح!
الكذب الذي يرتسم على وجوه الناس يحيره ويحيره أكثر حينما يكون بدون مبرر، الخداع المتواصل لانفسنا نخدع انفسنا كم مرة باليوم ؟ هل أقول عشرة ، مئة ،مليون؟؟
ترى البؤس يحيط بك من كل جانب ، الدموع التي تنسكب حزنا أو فرحا والتي سرعان ما تؤول الى النسيان الى عالم الماضي ،فلا شيء باق لا الشعور ولا الجسد الذي امتلك الشعور ،لانمسك شيئا حقا في أيدينا ، ندور في الدائرة نفسها ،حقا ما النهاية؟
فلم نريد التمسك بتلك الحياة الغريبة التي بلا معنى؟ هل يعرف أحد معنى أو سبب للتمسك بالشقاء في هذه الحياة؟أه..
كل تلك الآهات منذ بداية الكون ! هل لها منتهى !
نحن نجري في هذه الحياة والمنتهى واحد ! فأي منا سيكون مصيره مختلفا حقا!سواء تعبنا أم لن نتعب!
مافائدة التعب والشقاء والبؤس هذا كله!
نقنع أنفسنا بأننا راضيين وقانعين بنصيبنا من الحياة!هل هو حقا نصيبنا!هل حقا نحن نرضى عن أحوالنا! لو نظرنا لدواخلنا نجد رغبة عميقة بإنهاء المأساة التي لا تنتهي !
طرقات خفيفة على الباب أبعدته عن أفكاره، وضع قلمه بجانب الأوراق المتكدسة من زمن ،زمن طويل!
كانت زوجته .
- ألم تنتهي بعد يا زوجي العزيز!قالتها وابتسامة راضية على وجهها،لكنه أحس بأنها أرادت أن تقول له يا زوجي الذي أرغب بموته!
-لا..
- لا أعرف لماذا تصر على كتابة قصتك هذه التي لا تنتهي على الورق لماذا لا تستخدم الكمبيوتر ؟
- أنا من الطراز القديم ..
- حسنا لقد حان موعد العشاء.. ألست جائعا؟
ابتعد عن مكتبه وراح يلف عجلات كرسيه المتحرك في طريقه نحو الباب ،أرادت زوجته مساعدته ولكنه لم يسمح لها كالعادة!فخرجت قبله.
كانت ابنته الوحيدة قد عادت من عملها المتأخر ، وتجلس على طاولة العشاء .
سمعها وقد بدأت بالحديث لأمها عن يومها وعن مديرها النكد، لكنها التفتت اليه وتحولت الشكوى في عينيها الى ابتسامة وقالت مخاطبة أبيها:
- لقد طلبت لك اليوم كرسيا متحركا كهربائيا مثل الذي كان لديك وتعطل ،أعرف أنك كنت تفضل الكرسي الكهربائي فهو مريح اكثر!
مريح أكثر ! وهل هناك راحة أكثر من التي أنا فيها! غير أنني لست مرتاحا هكذا فكر.
ابتسم لها ،أراد ان يشكرها ولكنه لم يفعل!
فكر في نفسه،ابنتي العزيزة التي لم أستطع انجاب غيرها !شكرا لك ،أنت ترجعينني الى حالة الأمل الى حالة حب الحياة الى حالة الضعف انت تؤجلين لحظة قوتي ! وتنمين الضعف فيَ تجاه الحياة الذي يكبر كلما أرى البسمة في عينيك !
ابنته الوحيدة لم تكمل تعليمها ،رغم أنها كانت تحصل على الدرجات الأولى دوما،آثرت الذهاب إلى معهد السكرتاريا لتحصل على وظيفة بسرعة ،وبراتب عالي تساعد به أمها المعلمة التي تحملت العبء وحدها طيلة تلك السنوات الماضية، السنوات الأثني عشر التي مرت بعد الحادث!لم تتذمرابنته من حظها!ولم تتذمر زوجته طيلة السنين تلك، لربما هذا ما يغيظه !
لربما يريد منها كلمة غضب تسرع في قراره بالرحيل، لربما أراد منها الشكوى المستمرة ليعظم من هول مأساته لكنه لم ير كل هذا بل رأى كل صبر واخلاص ومحبة!
من أين لهم هؤلاء كل هذا الصبر وكل هذا العطاء؟
التفت يسارا فرأى صليبا كبيرا معلقا على الحائط، وفكر ما أكثر الصلبان في بيتنا! وكأنها تحاول الايحاء بشيء معين!
جلسوا يشاهدون التلفاز، كانت زوجته تتابع احدى المسلسلات ، أما هو فكان يتظاهر بأنه يتابعه معها! ما أصعب التظاهر بحب شيء لا تحبه ،سأل نفسه وهل علي أن اتظاهر بذلك؟
أنه نوع من المشاركة ، مشاركتها في شيء تحبه، فأنا لم اعد قادرا على مشاركتها بأي شيء اخر!
تأمل زوجته ، كانت راضية مبسوطة قانعة بحياتها.
لماذا ليست حزينة؟ هل تتظاهر هي الاخرى مثلي؟
نظر الى الصليب مرة اخرى، وفكر هل صلبت احزانها واحلامها لتعبر الحياة بسلام؟هل تجاهلت ألمها حتى تسعد الاخرين؟ وهل صلبت رغباتها حتى تظل على وفائها ؟
هل علي أن اصلب أنانيتي أنا أيضا؟ لم يكن يوما يعد نفسه من المؤمنين ولكنه لم يكن ملحدا .
عاد إلى غرفته وراح يكتب ،دخلت زوجته عليه وسألته عن قصته:ألم تنهها بعد؟
-لا،لا أظن أنني سأنهيها الليلة ،ربما في الغد..
ساعدته في الذهاب إلى السرير، غفت هي أما هو فراح يفكر في ملامح قصة أخرى لها نهاية !









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حياتنا مجرد صدفة تافهة من بين بلايين الصدف
فؤاده العراقيه ( 2014 / 2 / 7 - 19:09 )
جميل ما تخوضين به عزيزتي آمال في نفسية الإنسان ودواخله
الناس بأشكال عديدة منهم من هم مؤمنين بأن افكارهم هي مطلقة بصحتها ومقتنعين بحياتهم متصورين بأنها أرادة الخالق لهم وكل ما اراده لهم هو الأفضل , هؤلاء هو الراكدين الذين توقفت لديهم الحياة عند نقطة معينة , ومنهم من لم يقتنع ويبقى طموح لاهثاً نحو هدف معين

ولكننا نعلم بأن لا وجود للمستحيل وإن الأنتحار ضعفاً واستسلام وهزيمة , وما حياتنا إلا صدفة بسيطة من بين بلايين الصدف فكيف نُضيعها هكذا , أعتى المصائب تكون صغيرة أمام حقيقة الحياة
فالأنتحار ليس شجاعة ولكنه إنكسار , أليس كذلك؟
وأعتقد في النهاية راح يفكر ويعدّل ما فكر به


2 - شكرا لك استاذة فؤادة
امال طعمه ( 2014 / 2 / 8 - 08:20 )
مازال هنالك امل طالما هنالك قلب يدق في هذه الحياة عزيزتي فؤادة انا اعتنيت بفكرة ان الانتحار يعتبر جبنا من قبل البعض فكيف يستطيع ان يتخلى عن حياته هكذا ولايكون هنالك قوة كبيرة مدمرة في نفسه تدفع لذلك! ان عائلة هذا المسكين قد صلبت احزانها وليس افراحها لتمضي في طريق الحياة بأمل اما هو فكان ينظر بيأس شديد للحياة يرى البؤس الذي اصاب حياته ولايرى كل الحب الذي يحيط به من عائلته السنا نحن كذلك احيانا؟ لكنه عدل عن رأيه كما كان يعدل عنه في كل يوم يمضي! فهو سيكتب قصة جديدة! لها نهاية لان نهاية القصة الاولى التي طال الانتظار لنهايتها تعني
موته ونهايته هو

لا للإنهزام والانكسار

شكرا لتفضلك بقراءة المقال وتعليقك الرائع


3 - آمال طعمه
جهاد علاونه ( 2014 / 2 / 24 - 11:09 )
أسلوبك جميل,ومن ناحية فنية أنت تمزجين بين القصة القصيرة وبين الرواية الحديثة, وإذا فككنا النص نجد أنك تلعبين بالحبكة وتريدين تحديد معنى فلسفي جديد ورؤية جديدة للحياة, الانتحار أنا مثلا أكرهه, ومن الجدير أن نعرفه هو أن الأغنياء والمشاهير ينتحرون كما ينتحر الفقراء, وكأن البؤس يسيطر على المزاج العام للإنسان, شاهدت في زماني أحد أقربائي وقد انتحر أمام عيني, لم يكن فقيرا بل كان ميسورا جدا ولكنه انتحر في لحظة ضعف,أنا أقول في لحظة ضعف حسب معرفتي به, وقرأت عن أناس انتحروا في لحظة قوة وكأن الانتحار قوة شخصية عند بعض الناس.

والظاهر أنك تقرئين كثيرا من الروايات.


4 - فوجئت بتعليقاتك
امال طعمه ( 2014 / 2 / 24 - 17:26 )
شكرا لمداخلتك ولو اني استغرب ان تنتبه الى ما اكتبه فجأه بعد ان استفزني تقلبك ،لكتابة تعليق على ما كتبت اليوم وليس ضد او مع
ارجو ان لا تكون فهمت الرسالة بشكل خاطئ
لو اني اشك اتمنى ان لايكون سبب تقلبك كما اورد الاستاذ سامي في اول عهدي بالحوار استغربت ان كاتبا مثلك يكتب باسمه حقا ويكتب موضوعات مثل موضوعاتك ارجو ان تظل يا استاذ جهاد كما
عهدناك وارجو ان لايكون هذا التقلب الواضح سببه ما قيل
شكرا لما سطرته من كلمات


5 - فوجئت بتعليقاتك
امال طعمه ( 2014 / 2 / 24 - 17:26 )
شكرا لمداخلتك ولو اني استغرب ان تنتبه الى ما اكتبه فجأه بعد ان استفزني تقلبك ،لكتابة تعليق على ما كتبت اليوم وليس ضد او مع
ارجو ان لا تكون فهمت الرسالة بشكل خاطئ
لو اني اشك اتمنى ان لايكون سبب تقلبك كما اورد الاستاذ سامي في اول عهدي بالحوار استغربت ان كاتبا مثلك يكتب باسمه حقا ويكتب موضوعات مثل موضوعاتك ارجو ان تظل يا استاذ جهاد كما
عهدناك وارجو ان لايكون هذا التقلب الواضح سببه ما قيل
شكرا لما سطرته من كلمات


6 - شكرا
جهاد علاونه ( 2014 / 2 / 24 - 17:55 )
أنا دائما أتابع بعض كتاب الحوار,إنتبهي على التعليق الذي كررته على الفيس بوكhttps://www.facebook.com/profile.php?id=100004165565967&ref=tn_tnmn

اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة