الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة الرئيس

جمال الهنداوي

2014 / 2 / 7
الارهاب, الحرب والسلام


في الايام العسيرة, تتعلق اعين الناس وافئدتهم بعلية المجتمع وقادته بحثا عما يمكن ان تتفتق عنه قريحتهم من حلول للاختناقات التي تعصف بأمن المواطنين وسلمهم الاهلي..ولهذا فقد اشرأبت الاعناق ترنو بامل وتفاؤل الى الانباء التي تحدثت عن قيام السيد رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي بطرح مبادرة تهدف ليس الى" حل الازمة الراهنة وحسب وإنما الحيلولة دون انتشارها او تكرار حدوثها من جديد سواء في الانبار او غيرها ".
ومبعث التفاؤل هو ان هذه المبادرة تأتي من رأس السلطة التشريعية في العراق وممثل الشعب, كل الشعب.. مما يبعث الامل بحلول نابعة من ابوية وحيادية وحرص على وحدة العراق وتماسك نسيجه الاجتماعي "بعيداً عن التسييس وبما يحقق مبدأ العدالة والمواطنة لكل العراقيين ويخلق مجتمعاً متماسكاً يسوده السلم والأمن دونما تمييز بين مواطنيه".
ولكن, ودون التخلي عن التفاؤل والامل بنجاح هذه المساعي الطيبة, نجد ان هناك الكثير من التفاصيل التي تطل كرؤوس الشياطين من بين فقرات المبادرة والتي قد تثير التساؤلات -بل القلق- في مدى قدرتها على تنقية أجواء الساحة السياسية والامنية من الخطابات المتشنجة وجعجعة السلاح، وتعمل على تغليب لغة الحوار وتخليق الآليات الدستورية والقانونية التي تستهدف نزع فتيل الازمة المتصاعدة على طول وعرض المشهد السياسي والأمني في العراق, وبما يعزز من امن وكرامة العراقيين.
فلو استثنينا العبارات البروتوكولية التي وردت في مقدمة المبادرة, ولو سلمنا بحرفية النيات المعلنة في البيان, لا نستطيع ان نعد ذلك الاعلان الا خارطة طريق عجلى لاهثة تستهدف مأسسة توجهات واهداف القائمة الانتخابية للسيد رئيس السلطة التشريعية من خلال القفز على جميع الاعتبارات القانونية والاخلاقية التي تحكم العلاقة ما بين الشعب والدولة وتكريس وشرعنة انتهاك الكثير من القوانين تحت شعار القيم القبلية والانتماءات..
فالمبادرة تتغاضى عن اهم حلقة في الاحداث التي تعصف بالانبار الا وهو الارهاب العابر للحدود الذي يستهدف امن ولحمة الشعب العراقي, ولكنها تروج للامر على انه صراع مجتمعي بين " المواطنين المدنيين الناقمين الذين لديهم مطالب دستورية مشروعة" وبين قوات مسلحة تركت مهماتها "بالدفاع عن حدود العراق وسيادته وامنه وملاحقة الارهابيين خارج المدن" ليمارس "القصف الجوي والمدفعي- لماذا لم يذكر العشوائي؟؟- على مدن الانبار".
وان كانت المبادرة لا توضح ماهية المطالب الشرعية والدستورية الا انها –وللخطورة-تبرر حمل السلاح في وجه القوات الامنية بحجة "النقمة" وتسهم بنصيب وافر في ترسيخ الطائفية ورسمها كاخدود متغضن في جبين العراق الجريح..
" قوة دفاع ذاتي" وعفو عن "الذين رفعوا السلاح دفاعاً عن انفسهم ", وشوارع لا تزعج سكينتها قوات الجيش العراقي..وحصة من الميزانية وواحة من الامن لكل من يصبأ بدين الدولة..هي فحوى وروح المبادرة التي تصلح ان تكون مثالا ناجحا على حالة الانفصال عن الواقع التي تعيشها تلك القيادات طوال فترة الاحداث التي تلت قيام التنظيمات الارهابية بمحاولة السيطرة على الانبار. وهذه المبادرة لا تشذ عن سابقاتها في حجم المظهرية والانتحال وفقدان الافق الذي قد يحمل أي مؤشرات مشجعة عن الخطوات اللاحقة,ولكنها قد تنفرد بانها الاكثر تعبيرا عن تلك الرغبة العارمة التي تحتدم في نفوس بعض النخب السياسية في التوظيف الانتخابي لجميع الازمات دون حساب تداعياتها على امن وسلامة العراق وجميع شعوب المنطقة.
ان الخلاف في المنطلقات الفكرية والعقائدية وفي وجهات النظر تجاه القضايا السياسية ..حتى ما يمكن ان يصل لمستوى الازمات يجب ان لا يصل الى حد التناغم مع القوى الارهابية والاقليمية المعادية للشعب العراقي والمشككة في ولاء وانتماء قوات جيشنا الباسل ومنظومته الوطنية.. والى استصغار الانجازات الامنية الكبرى التي تحققت بسواعد ابناء العراق البررة الشرفاء المخلصين الذين حموا الوطن بدمائهم وارواحهم من الانزلاق في اتون التشرذم الطائفي والاثني المقيت من خلال التصدي للارهاب المتوحش القادم من خلف اسوار الوطن ليعيث في الارض فسادا..ويجب ان لا تكون الرغبة في التموضع على الخارطة السياسية العراقية في مدياتها العليا مبررا لينكأ جراح الشعب ويئد نضالاته وتضحياته الكبرى على مذبح الحرية والتقدم والنماء ..
كما ان محاولة استدراج الدعم الشعبي يكون من خلال طرح البرامج الانتخابية الواقعية والمتماسكة والمدعومة بسجل من الاداء السياسي المطمئن والمتمتع بالمصداقية والواعد بالمزيد من الشفافية والادارة الحكيمة لموارد الشعب وثرواته..وليس من خلال النيل المتشفي القادح بالمنجز الحضاري والامني والذي دفع الشعب ثمنه فادحا من ارواحه ودمائه ومقدراته وثرواته الوطنية..
ان تطورات المشهد السياسى الراهن تحتم بذل الجهود للخروج من دائرة الأزمة وانهاء حالة الاستقطاب السياسي، وما تفرضه من تحديات على صعيد إعادة بناء الدولة وترسيخ مؤسساتها، وان أى نقاش وطنى بين الحكومة والمعارضة حول المصالح العليا للوطن ينبغى أن تكون له الأولوية الآن، ولكن يجب ان تتوفر لهذا الحوار أجندة وطنية محددة بموضوعات متفق عليها وتفصيلات ملموسة ومحددة لا تخضع للتأويلات،وان تكون جميع الاطراف مخولة بطريقة واضحة للبحث في الامور الخلافية والتعهد بالالتزامات المتقابلة التي تترتب على جميع الاطراف.
ورغم ان هذه الدعوة ليست الا رقما في سلسلة المبادرات العقيمة التي تدور –دون الاقتراب اكثر مما ينبغي- بحقيقة الازمة الضاربة في الانبار, الا اننا نستطيع القول ان ما يميزها غيرها هو تلك "اللمسة "المأزومة بالتلهف في قطف نتائج سياسات لم يحن اوان جنيها بعد..وفي تلك اللهفة العجول للقفز فورا الى الخواتيم المثالية بناء على معطيات ناقصة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية