الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


8 شباط 1963 يوم أسود في تاريخ العراق

شاكر الناصري

2014 / 2 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


حين نفذت عصابات الحرس القومي جريمتها الكاملة والمروعة بحق العراقيين من الشيوعيين واليساريين في 8 شباط من عام 1963، أعلن حزب البعث الفاشي عن اكتمال عروس ثوراته. لم تكن عروسا ابداً كانت مجرمة وقاتلة والدماء التي أراقتها تكفي لان يخجل منها والى الأبد كل العرائس والعرسان.

لقد سطر البعثيون والقوميون وبدعم مباشر من جمال عبد الناصر، صفحة سوداء ودامية في تاريخ العراق المليء بالصفحات السود. فما تحقق في ذلك اليوم الأسود هو امتداد لمسيرة الإنقلابات الدموية السابقة التي شهدها العراق. الانقلابات التي تركت أثرها على مسيرة هذه البلاد وعلى سيرورة بناء الدولة فيها بشكل عقلاني ومتوازن.

ما تحقق في يوم 8 شباط 1963 كان تتويجا لصراعات سياسية شهدها العراق منذ نهاية الاربعينيات من القرن الماضي ولم تهدف للقضاء على عبد الكريم قاسم وحكمه فقط، بل كانت تهدف للتأسيس الى مرحلة جديدة من الممارسة الساسية في العراق وهي مرحلة سيادة الفكر الفكر القومي العروبي متجسدا بشخصية جمال عبد الناصر وامتداته وشعبيته. الاستقطاب السياسي والإجتماعي كان واضحا بين معسكرات سياسية تنفرد في صدارة المشهد وتمتلك القدرة على تحريك الحشود الغاضبة والتي يسحقها البؤس والفقر والإستبداد أوتلك التي يتملكها الحنين لتحقيق احلامها القومية. حزب البعث ومن معه من قوى قومية من جهة والحزب الشيوعي العراقي من الجهة الاخرى. صراعات مريرة ودامية وقاسية كلفت العراق الكثير من الخسائر والنكبات وفرضت عليه الكثير من الازمات التي نتلمس وطأتها حتى يومنا هذا.

ما الذي تحقق بعد كل تلك الدماء التي سالت في 8 شباط من عام 1963؟؟ لقد كشف حزب البعث العربي الإشتراكي، ومنذ ذلك اليوم الأسود، عن نهجه الفاشي الدموي ونزعته الإستبدادية في مواجهة من يختلفون معه وعدم تردده في ممارسة العنف في افسى وأبشع صوره، وما حصل بعد 17 تموز 1968 وحتى 9 نيسان 2003 كان هو الإمتحان الأصعب والأقسى في تاريخ العراق، الإمتحان الذي لم يخرج منه احد مرفوع الرأس، امام قساوة وتوحش السلطة البعثية وتعطشها للقمع والاستبداد ورغبتها العارمة في تحويل الجميع الى قطعان لاتعترض على جوع أو رعب أو حرب أو فقدان كرامة. خرجنا جميعا من هذا الرعب ونحن نتلفت خشية الملاحقة والإعتقال.

سقطت سلطة البعث بعد ان تحول العراق الى بلاد خربة يعمها القمع والفقر والموت المتواصل والحروب التي لم تتوقف واحترقت معها مرحلة قاسية من تاريخنا، مرحلة تحتاج الى مراجعة عقلانية ومتأنية من أجل ان نفهم ما حدث ولماذا عشنا كل ذاك العذاب القمع والحرمان والإذلال؟

اما الحزب الشيوعي العراقي فلقد خرج من تلك التجربة بجروح وندوب كثيرة لم يتمكن من معالجتها أو تجاوزها بشكل جذري وكانت تبعاتها عليه مجموعة إنشقاقات وصراعات أكلت الحزب وقواه بشكل متواصل وجعلته أسير صراعاته الداخلية. فالحزب الذي كان يتملك القدرة على التحكم بالشارع وبالحشود الجماهيرية الهائلة، عجز – طواعية و بتبريرات ساذجة أو خوفا- عن استلام السلطة في العراق وتحقيق الأهداف التي كان ينادي بها وكانت تلك التجربة المريرة كافية لان تفكر قيادات هذا الحزب بشكل مغاير لما كان سائداً طوال العقود السابقة ل 8 شباط 1963، تفكر وتجد الآليات المناسبة للعمل والإرتقاء بالحزب وقواعده، خصوصا وان ما تعرض له الحزب من حملة دموية شرسة لم تؤثر كثيراً على مكانته في الأوساط الشعبية.

عمليا، لم يتعظ الحزب الشيوعي العراقي من مرارة 8 شباط ولا من تبعاتها، بل سعى تحت ذرائع شتى للتقرب من حزب البعث الذي تمكن وبنجاح من استثمار هذا الحزب من اجل تحقيق مشاريعه واهدافه، تجربة الجبهة الوطنية والتقدمية في العراق، كانت مرحلة تمكن خلالها حزب البعث من امتصاص تأثير الحزب الشيوعي واستثمار أهدافه وطروحاته وشعاراته حول الإشتراكية والحقوق ...الخ وبما مكنه بالتالي من شن حملة دموية أخرى لاتقل ضراوة ووحشية عن تلك التي نفذها في 8 شباط 1963.

الملاحقات والاعتقالات والإعدامات كانت الرد العملي الذي تلقاه الحزب الشيوعي العراقي من جانب حزب البعث وصدام حسين. فصلاحية الجبهة بالنسبة لحزب البعث قد نَفُذت وحققت اهدافها بعد ان تحول صدام حسين الى كاسترو العراق.

لا يختلف 8 شباط 1963 عن كل ما سبقه أو ما لحقه من أيام سود ودامية في تاريخ العراق، فحتى هذه اللحظة ترتكب المجازر بإسم القومية او الدين والطائفة، وحتى هذه اللحظة فان الكثير من العراقيين يخضعون لتأثير الاحزاب التي تستمد وجودها وفكرها من فكر الدين والطائفة وبهما تُحشد وتسرق وتستأثر بالسلطة. فمتى نتعظ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شاهد على العصر-1
شاكر شكور ( 2014 / 2 / 8 - 01:36 )
نعم يوم 8 شباط 1963 كان يوما حزينا لأن ما جرى فيه كانت عملية اغتصاب لأرادة الشعب ، لم تكن عائلتي تنتمي الى اي حزب ولكن اخلاق المرحوم عبد الكريم قاسم العالية كانت تفرض على الشعب احترامه وحبه ، صعدنا الى سطح دارنا العالي في ذلك اليوم المشؤوم وكانت هناك طائرتان على ما اذكر تتناوب على قصف مبنى وزارة الدفاع ولأن ذلك اليوم كان يوماً مشمسا فكان لمعان قذائف الطائرات تلمع في السماء ، منهم من خمّن في حينه ان الذي يقصف هو الخائن حردان عبد الغفار التكريتي الذي اقسم على المصحف ان يكون مواليا لثورة 14 تموز ثم خانها بعد ان أئتمنه الزعيم كآمرعلى احدى القواعد الجوية ومنهم من قال ان الطيارين هم من قاعدة الحبانية ، كان الألم يعصر افراد عائلتي ونحن نسمع من جيراننا البعثيين يصيحون بأعلى صوتهم (حيل بيك يا ابو الأذان) وكانوا يقصدون الزعيم لكبر أُذُنيه ، رحل الزعيم المسكين لأن هذا الشعب لم يكن يستحقه ….. يتبع لطفا


2 - شاهد على العصر-2
شاكر شكور ( 2014 / 2 / 8 - 01:39 )
وبعد ايام كان الرعب ينتشر في الشوارع وكان افراد الحرس القومي يرعبون الأطفال باطلاق اطلاقات في الهواء كلما شاهدوا اطفالا يلعبون وسمعنا ايضا عن جرائم وأختصاب نساء لا يعلو على بشاعتها وقذارتها سوى بشاعة حادثة ذبح بني قريضة ، ودارت الأيام وبدأ اللصوص يختلفون حول تقسيم الغنائم وبدأ الأنقلابيون يأكلون اجساد بعضهم البعض فبعد بضعة اشهر جاءت حركة 18 تشرين الثاني 1963 وشاهدتُ احدى دبابات الجيش تضرب احد مقرات البعثيين في بناية قديمة في ساحة الخلاني كما شاهدتُ كيف كانوا يخرجون البعثيين ملوحين بملابسهم الداخلية البيضاء كعلامة استسلام للخائبين الفاشلين ، والسؤال هنا ماذا لو كان الشيعيون هم من سيطر على الحكم في زمن الزعيم ؟ هل كانوا سيجرون انتخابات ديمقراطية ؟ هل كانوا سيشاركون الأحزاب الأخرى في الحكم ويجرون انتخابات ديمقراطية ام هم ايضا كانوا سينفردون في الحكم ويزجون مخالفيهم في السجون ؟ لا اريد ان اقول المثل العراقي الذي خطر ببالي لوصف الفريقين وربما هناك من هو اجرأ مني ليصرح به ، تحياتي للجميع


3 - رد من الكاتب
شاكر الناصري ( 2014 / 2 / 8 - 16:28 )
شكرا لشهادتك الحية والقيمة استاذ شاكر.. يبدو ان قدر العراق ان يمر بهذه الكوارث بين فترة واخرى .

اخر الافلام

.. كيف تساهم ألمانيا في دعم اتفاقية أبراهام؟| الأخبار


.. مروان حامد يكشف لـCNN بالعربية سر نجاح شراكته مع كريم عبد ال




.. حكم غزة بعد نهاية الحرب.. خطة إسرائيلية لمشاركة دول عربية في


.. واشنطن تنقل طائرات ومُسيَّرات إلى قاعدة -العديد- في قطر، فما




.. شجار على الهواء.. والسبب قطع تركيا العلاقات التجارية مع إسرا