الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذهنية الاحتلال لن تكون مرجعية تحرّرية

عايدة توما سليمان

2014 / 2 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


حول تصريحات أبو مازن:


ذهنية الاحتلال لن تكون مرجعية تحرّرية

الشلل الذي ينتاب الشارع الفلسطيني لا يمكن أن يستمر الى الأبد ولكن وفي الوقت ذاته من الممكن أن يدفع الشعب والقضية ثمنا باهظا له، اذا لم تبادر المؤسسات والاحزاب والقوى الوطنية الفلسطينية الى لجم التدهور بصحوة شعبية وحراك مقاوم.

في الأشهر الاخيرة أطلق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مجموعة من التصريحات من شأنها أن تقلق أي معني بالقضية الفلسطينية، وغيور على مصلحة الشعب الفلسطيني وانتصار قضيته العادلة، من أبناء الشعب الفلسطيني خاصة ومن عموم احرار العالم الذين تحولت لديهم القضية الفلسطينية الى قضية يتبنونها في نضالاتهم من أجل عالم أفضل تسوده حرية الشعوب واستقلالها عموما.
هذا المقال لا يأتي لإطلاق الاحكام على نوايا ابو مازن، او على نهجه السياسي في معالجة ما درج مؤخرا الاطلاق عليها "اسوأ مرحلة" في تاريخ القضية الفلسطينية. فأنا ما زلت ممن يؤمنون بأن ما ينفذه الانسان من أعمال هو أكبر ادانة له ولكنه تعبير عن قلق مشروع جراء قراءة لتصريحات تشير الى تراجع واضح في خطاب المطالب الشرعية للشعب الفلسطيني وفي الاداء السياسي لقيادة هذا الشعب، لحساب خطاب استرضائي للادارة الامريكية، ومتقبل للحجج التي تراكمها حكومة الاحتلال عراقيلَ امام العملية السلمية.
ففي لقاء أجرته معه صحيفة "نيويورك تايمز" الامريكية طرح عباس اقتراحا من طرفه للتقدم في مسار المفاوضات المتعثر والمشلول، تضمن الموافقة على انتشار قوات "الحلف الاطلسي" على الاراضي الفلسطينية، الى أجل لم يحدده، بعد التوصل الى تسوية سياسية مع الاحتلال الاسرائيلي. لا يمكن تفسير هذا الاقتراح ومنطلقاته ازاء طبيعة هذه القوة العسكرية للدول الامبريالية في العالم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والمعروفة باحتكامها الى رغباتها التوسعية، وازاء نشاطها المحموم في السنوات الاخيرة للتدخل عسكريا في مناطق مختلفة من العالم بما يتناقض ومصالح شعوب البلدان التي يجري التدخل فيها. وان كان لا بد من وجود قوه عسكرية اجنبية على الارض الفلسطينية فلماذا لا تكون قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة والمنضبطة ضمن مرجعيات وانظمة دولية؟
هذا المقترح الذي شمل ايضا دولة فلسطينية تتنازل طوعا عن جيش يحميها وتعلن منذ البداية انها منزوعة السلاح، دون أن يكون ذلك حتى ولو من باب التفاوض ضمن اتفاقية أوسع تنزع عن الاحتلال اسلحته أو تواجده العسكري في مناطق جرى تسميتها مناطق الاحتكاك بين الدول. اذا ما أضفنا ذلك الى البند الذي تحدث عنه أبو مازن من ضمان استمرار الوجود العسكري الاحتلالي في منطقة الغور لمدة خمس سنوات وتفكيك مستوطنات في الفترة ذاتها دون ان يحدد عن أي مستوطنات يجري الحديث، ودون تطرق عيني للكتل الاستيطانية الكبيرة التي ترغب اسرائيل في الاحتفاظ بها، فان الصورة التي يمكن رسمها لهذا الاقتراح تنتج كيانا سياسيا فلسطينيا لا يحمل مقومات الدولة من سيادة واستقلال، مكبلا باحتلال عسكري جديد لقوات سيئة الصيت والممارسة من حلف الناتو.
لا يمكن فهم المنطق وراء هذه الاقتراحات دون استرجاع تصريح آخر اطلقه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في أكثر من مناسبة: ان حق العودة هو حق فردي واختيار شخصي مثله مثل الحق في الزواج. هذا التصريح الذي يتراجع اميالا عن الخطاب الفلسطيني والقانوني الدولي المتعارف عليه بأنه دون ضمان الحق الجماعي للاجئين الفلسطينيين ووضع الاسس لممارسته من خلال اتفاقات دولية لن يتمكن الفرد من ممارسته أو تطبيقه على ارض الواقع، ونعم في هذه الحالة مثله مثل الزواج اذا لم تكفل الحرية والحق فيه يبقى وهما يطير في مهب الريح، ويصبح زواجا قسريا.
مجمل هذه التصريحات توحي بتفسير وحيد، أن القيادة الفلسطينية- اقرأ ابو مازن- ما زالت ترى في الولايات المتحدة الامريكية والدول الحليفة لها، اوروبيا وعربيا، الراعي الاساسي للمفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية وفي يديها الحل للقضية الفلسطينية، وبالتالي تراهن هذه القيادة على وضع البيض كله في سلة الادارة الامريكية وفعليا ولو أنه ببطء تتبنى خطابا يسعى بشتى الطرق لاسترضائها، وحتى على حساب ثوابت وطنية اعتبرت حتى الان خطوطا حمراء.
واكثر ما يقلق في الموضوع هو أن جميع هذه المقترحات تشي بأن من امتثل في ذهن وامام اعين أبو مازن عندما اطلق مقترحاته لا يمكن أن يكون الشعب الفلسطيني بمجمل سيرته التحررية وطموحاته وأحلامه الوطنية وأنما حكومة الاحتلال وطروحاتها والعراقيل التي تضعها امام أي تقدم في المسيرة السلمية، فجعلها وخطابها وحججها مرجعية لطرح الحلول، وبالتالي طوع ابو مازن الارادة الفلسطينية لتقديم تنازلات من باب ايجاد الحلول لهذه العراقيل مع كل ما يشمله الامر من تجاهل للتضليل الذي تمارسه الحكومة اليمينية الاسرائيلية في الحديث عن هذه الحجج، وتجاهل للمرجعيات والثوابت الفلسطينية في الحل الذي يمكن أن يقبله الشعب الفلسطيني وأن يتعايش معه.
أي تدقيق في هذا المنحى الجديد الذي يسلكه ابو مازن في هذه التصريحات يؤكد أن ما يمتثل أمامه هو لاءات الرفض الاسرائيلية وعقلية ومسوغات حكومة الاحتلال . فهو يبذل جهودا كبيرة للالتفاف عليها، فحين تتحدث حكومة الاحتلال عن أمن أسرائيل يطمئنها بأن المسؤولية لدرء أي "تهديد أمني فلسطيني" ستكون في أيدي حلفائها "الناتو" ويعلن عن "حلم" الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح والجيش، وحين يتحدث وزراء اليمين ورئيسهم، بنيامين نتنياهو، عن الخطر الديموغرافي الذي تتضمنه عودة اللاجئين يتطوع ابو مازن للحديث عن هذا الحق على المستوى الفردي ويسقط الحق الجماعي، الضمانة الحقيقية، من خطاب الرئيس الفلسطيني. والأسئلة التي تطرح ذاتها وتقتحم العقول اقتحاما:
- اين ومتى سيأتي دور المخاوف والثوابت والمطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي يمثله ويقف في قيادته الرئيس ابو مازن؟
- اين ومتى سوف يعود الحديث عن استقلال حقيقي للدولة الفلسطينية من جميع القوات العسكرية الغريبة، الاسرائيلية والتابعة لحلف الناتو؟
- أين ومتى يكون التفاوض على مقومات دولة ذات افق حياة وديمومة من جيش وحدود ثابته وتواصل جغرافي وسيطرة سيادية على الأرض والبحر والجو؟
- أين ومتى سيعود الى طاولة المفاوضات الحديث عن تفكيك المشروع الاستيطاني الاسرائيلي بجميع مركباته من كتل وبؤر ومستوطنات واحياء لتعود الارض الى أصحابها والأمن والأمان لمواطني الدولة الفلسطينية العتيدة؟
- وأين ومتى وكيف سيعود الخطاب في قضية اللاجئين الى الثابت غير المتحول في المواثيق والقرارات الدولية في الحق الجماعي والفردي حزمة واحدة أن تفككت ضاع الحق بمجمله؟
هذه الاقتراحات التي وردت كاجراءات لحل القضية الفلسطينية، نأمل انها اجتهادات شخصية من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ولو أن صفة رئيس السلطة الوطنية ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية تنفيان عنه أي صفة شخصية عندما يتحدث عن قضية الشعب الذي نصّبه في أعلى منصبين قياديين، ولكن عندما أقول شخصية أقصد انها رأي ابو مازن الذي لم يقر في أي هيئة قيادية فلسطينية، ولم تتبناه اطر وهيئات هذا الشعب الوطنية لما فيه من خطورة وتراجع عن الخطاب التحرري الشرعي لهذا الشعب . ولكن العودة الى هذه المفاوضات الحالية كانت بقرار فردي من عباس، مخالفا به رأي جميع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي ظل استقالة الوفد الفلسطيني المفاوض تأخذ هذه التصريحات ثقلا ووزنا نوعيين يشكلان خطورة حقيقية .
أن حالة الركود التي تعتلي الشارع الفلسطيني واللامبالاة ازاء ما يجري ويتطور في مسار العملية السياسية ينبع أساسا من احباط عميق وعدم الثقة بأن الحكومة الاسرائيلية الحالية سوف توقع على أي اتفاق، وأن هدف هذه الحكومة والادارة الامريكية كسب الوقت لا غير والحصول على تمديد لفترة المفاوضات. ولكن هذا التراجع في الخطاب الفلسطيني في الفترة الأخيرة، سيخفض سقف المفاوض ومطالب الشعب الفلسطيني في أي عملية سياسية مستقبلية. وهذا الشلل الذي ينتاب الشارع الفلسطيني لا يمكن أن يستمر الى الأبد ولكن وفي الوقت ذاته من الممكن أن يدفع الشعب والقضية ثمنا باهظا له، اذا لم تبادر المؤسسات والاحزاب والقوى الوطنية الفلسطينية الى لجم التدهور بصحوة شعبية وحراك مقاوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت