الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ارشيف طبيبة 3...الدين مظهر ام معاملة

حنان فوزي المسعودي

2014 / 2 / 8
سيرة ذاتية


من ارشيف طبيبة...3......الدين مظهر ام معاملة

  اتذكر....في عام 1996...كان المد المتطرف قد إبتدأ يغزو العراق وبتشجيع من القائد الضرورة...حيث كثر الالتزام بالمظاهر والمصطلحات الدينية..ولكن دون ان تلمس اي من تلك المظاهر في التصرفات بين الأفراد. ..زاد عدد الأطباء الذين يحملون " السبح" بأيديهم ويختفون من الطوارئ في اليوم عدة مرات بغرض الصلاة...مع العلم ان مهنة الطب وانقاذ الأرواح اهم عند الخالق من تلك السبحة او اداء الفريضة بدون تأخير ولا دقيقة واحدة. اما على نطاق الطبيبات...فكثر ارتداء الحجاب بينهن...وكن يفتخرن بالالتزام بقواعد الدين ويجاهرن علانية بكونهن افضل "منا"...نحن من لم نكن نرتدي الحجاب... كان وجود طبيبة غير محجبة في تلك الفترة يعرضها الى ثلاثة عوامل مضادة....الأول معاداة زميلاتها من  المحجبات في دار الطبيبات...وهذا امر لمسته بنفسي مع الأسف...كان بعضهن يعامللني وكأنني مخلوقة غريبة عنهم...ولا انتمي الى عالمهم النوراني الشفاف...ولكن على صعيد اخر..كاتت لدي صديقات محجبات..اصبحن اقرب الي من اهلي.. واعتقد ان من كانت ترتدي الحجاب عن قناعة ودراية وفهم كامل لأبعاده الأجتماعية والدينية...كانت لاتمانع من التصرف بإنسانية مع المخلوقات غير المحجبة.. اما من كانت ترتديه ارضاءا للمجتمع او طمعا في فرصة زواج ملائمة...كما اخبرتني احداهن بفخر واعتزاز...فهكذا نموذج ستكون كمن غطت رأسها ولكن كشفت عن دواخلها البشعة. اما محور الضرر الثاني فهو المرضى .."اعزهم الله"....حيث ان وجود طبيبة غير محجبة في ردهة ما...معناه قطعة حلوى غير مغلفة...وفرصة ذهبية سانحة لأخذ مايمكنهم اخذه منها...من نظرات او لمسات...او اكثر....دون اقل ادراك لمبدأ ان تلك الطبيبة قد تنقذ حياة والدتهم او طفلهم او حياتهم شخصيا... اما المحور الثالث...فهو الاسوأ والاكثر صعوبة...وهو التعامل مع الزملاء الاطباء..."المتدينين " شكليا ...فكنا نقضي ايامنا بين المشاكل التي كانوا يضعونها في طريقنا وبين محاولة التودد بسماجة الينا.... كان الزميل المتدين...ينظر الى زميلته الطبيبة الغير محجبة وكأنها عارضة ازياء او ممثلة هوليودية تتصنع الأناقة او الكشف عن مفاتنها لكي تنال الأعجاب دون التفكير لحظة واحدة بأنها زميلة وطبيبة درست وتخرجت وتفوقت ايضا...وقد تكون كل مشكلتها هي انها من بيئة مختلفة تماما عن بيئة صاحبنا ذاك..... رغم الألم الذي اشعر به وانا اكتب كلماتي هذه.. الا اني اتذكر العديد من النماذج المشرفة التي مازلت افتخر بأنني قد التقيت بها يوما. اتذكر ...وبكل فزع...يوما شتائيا باردا...كان الوقت قبل انتصاف الليل بعشرة دقائق...وقد رعدت السماء وابرقت وفتحت ميازيبها كالقرب.. استلمنا في ردهة الجراحة مريضا شابا...كان قد اصيب في حادث سيارة... وفقد وعيه...رأى الطبيب الاخصائي انه من الأفضل ان يتم نقله الى مستشفى الجملة العصبية...وقد جرت العادة على ان يرافق ذلك المريض طبيب الردهة الخافر....كانت فترة الحصار في اشدها وتعاني المستشفى من شحة في سيارات الأسعاف....لذلك وللسرعة..تقرر نقل المريض في سيارة كوستر قام اقاربه بتأجيرها..... كنت انا الخفر في ردهة الجراحة...ولم يمض على تخرجي شهرين....وكنت صغيرة السن وحسنة المظهر....تأملت السيارة...فوجدت بها قبيلة كاملة من الرجال الذين ينتظرون صعودي معهم... شعرت بالوجل....واعترف ان تصرفي لم يكن مهنيا...ولكن من عاصر ظروف العراق في تلك الفترة يعرف ما اقصد...كانت الفتيات يقتلن بعد اغتصابهن لأجل سرقة قمصلة جلد فقط...والعراقي فقط سيعرف ما اعني.... بعد تفكير لمدة ثواني...قررت تلافي الموقف ...وذلك بالطلب من احد الاطباء والذي كان خفرا في الطوارئ الجراحية بالذهاب مع تلك القبيلة الى مستشفى الجراحة العصبية بينما احل انا في محله في ردهة الطوارئ...وافق ذلك الزميل مشكورا....ولكنه كان قد خلع حذاءه  "عفوا"...وارتدى خفا ملائما للخفارة...فطلب اليهم الأنتظار ليرتدي حذاؤه فقط....وتطلب الأمر خمس دقائق او اقل...في تلك اللحظة...جاءني احد الأطباء الملتحين...وطلب الي بغضب ان اذهب مع هؤلاء الاشخاص في كوسترهم....فرفضت ...واخبرته اني اخاف ان اغادر المستشفى بسيارة خاصة وفي منتصف الليل...فصرخ بي قائلا...لو كنت قد ارتديت الزي الأسلامي المحترم..لم تكوني لتخشي شيئا...ثم اندفع صارخا ومحفزا اقارب المريض بالقول..ان تلك الطبيبة الواقفة بجوار الباب...ترفض الذهاب معكم....فهجم علي ثلاثة رجال اشداء وهم يصرخون...ولم ينقذني منهم سوى حضور الطبيب زميلي مرتديا "حذاؤه"...وملابسه الطبية كاملة...وذهب معهم بعد ان مررت بدقائق من الرعب كانت كأنها دهورا.... وقد يقول الناشطين والرافضين لسياسة التمييز الجنسي بأن تصرفي ذاك لم يكن صائبا...ولا اجابة لدي...سوى ان اقول ان التصرفات الصائبة انما تتم في مجتمعات متحضرة.. ينظر بها للمرأة وكأنها مساوية للرجل وليس في مجتمع شرقي بدائي..لايهمه سوى التفرد بالمرأة والظفر بها جسدا...دون اي عواقب او احساس بالمسؤولية.... ولم يكتف زميلي المتدين العزيز بما جرى في ليلته...بل ذهب مبكرا الى مدير المستشفى وقدم شكوى بشأني...وبأني قد رفضت اداء مهمتي...ذهبت الى مقابلة المدير ومازلت اتذكره...انه الدكتور زيد عبد الكريم....وبمجرد ان عرف بأن الأحالة كانت في سيارة خاصة...وبعد منتصف الليل....قدر الموقف تماما....وقال بأن ذلك الزميل الملتزم الخائف على مصلحة المرضى كان يمكنه الذهاب بنفسه لو كانت دوافعه حقيقية وليست مبطنة وكل الغرض منها الاساءة الى تلك الطبيبة الكافرة...التي لاترتدي الزي الأسلامي.... اسفا كل الأسف على هكذا نماذج اضطرننا للتعامل معها... وهي قد تناسلت وتكاثرت وانتشرت كالسرطان في مجتمعنا اليوم.....وتحية والف تحية الى نماذح راقية امثال الدكتور زيد...والطبيب الشاب ذو الحذاء المخلوع الذي نسيت اسمه....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ